أولويات متداخلة:
كيف تتعامل واشنطن مع تصاعد الأزمة الإنسانية في سوريا؟

أولويات متداخلة:

كيف تتعامل واشنطن مع تصاعد الأزمة الإنسانية في سوريا؟



تبدي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اهتماماً متزايداً بعدم عودة تنظيم “داعش” مرة ثانية إلى السيطرة مجدداً على أراضٍ سورية، بعد النجاح في هزيمته بمساعدة الأكراد، وحماية الجنود الأمريكيين المتواجدين في سوريا، الذين يصل عددهم إلى ٩٠٠ جندي أمريكي، وعدم ترك الأراضي السورية للتمدد الروسي والإيراني. لكن ربما يمكن القول إن إحدى أهم أولويات الإدارة حالياً تتعلق بتقليص حدة الأزمة الإنسانية في سوريا، والتي من المتوقع أن تتزايد بعد فشل مجلس الأمن في التصويت على تمديد آلية نقل المساعدات الأممية لسوريا عبر الحدود، والتي انتهت في ١٠ يوليو الجاري، لمدة 9 أشهر أخرى، بعد أن استخدمت روسيا حق الفيتو وامتنعت الصين عن التصويت في الجلسة التي عقدت في 11 من الشهر نفسه.

إجراءات متعددة

اتخذت الإدارة الأمريكية خلال شهرى يونيو الفائت ويوليو الجاري، العديد من الإجراءات التي من شأنها تحسين الأوضاع الإنسانية لملايين السوريين، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:

1- دعوات المشرّعين بتجديد آلية المساعدات: يحث عديد من المشرعين الجمهوريين والديمقراطيين بمجلس الشيوخ الأمريكي أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تجديد وتوسيع آلية نقل المساعدات الإنسانية السورية عبر الحدود على الرغم من حق النقض الروسي الدائم لهذا الإجراء. ففي ٣٠ يونيو الفائت، أصدر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالمجلس بوب مينينديز، والعضو الجمهوري البارز باللجنة جيم ريش، بياناً يدعوان فيه أعضاء مجلس الأمن للتصويت على تجديد الآلية، وتمديدها لمدة اثنى عشر شهراً لمنع حدوث كارثة إنسانية في سوريا، لكونها تقدم المساعدات الإنسانية الحرجة لملايين السوريين، وهو ما دعا إليه أيضاً ١٥ نائباً ديمقراطياً، في مقدمتهم العضو الديمقراطي البارز في لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب جريجوري ميكس، والعضو الديمقراطي في اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى دين فيليبس، في رسالتهما إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، والسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، في ٣ يوليو الجاري.

2- توفير دعم إضافي إلى سوريا: أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن تقديم ما قيمته ٩٢٠ مليون دولار من المساعدات الإنسانية الإضافية لسوريا في مؤتمر بروكسل السابع حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” الذي عقد في ١٥ يونيو الفائت. ويرفع الإعلان إجمالي المساعدات الإنسانية التي تقدمها الحكومة الأمريكية لسوريا والمنطقة إلى ١.١ مليار دولار في السنة المالية ٢٠٢٣، وما يقرب من ١٦.٩ مليار دولار منذ بداية الأزمة التي استمرت اثنى عشر عاماً. وتأتي أكبر مساهمة أمريكية منفردة لسوريا على خلفية الاحتياجات الإنسانية السورية التي تفاقمت بسبب الزلزال المدمر الذي تعرضت له تركيا وسوريا في 6 فبراير الماضي.

3- تأييد إنشاء مؤسسة مستقلة للمفقودين: وافقت الولايات المتحدة الأمريكية على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء هيئة للسوريين المفقودين، في ٢٩ يونيو الفائت. ووفقاً للسفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، فإن القرار يهدف إلى إنشاء آلية مساءلة عن أكثر من ١٥٥ ألف سوري مفقود ومحتجزين ظلماً من قبل أطراف النزاع في سوريا. ويشمل ذلك الأفراد الذين يعتقد أنهم مفقودون على أيدي تنظيم “داعش” والجماعات الإرهابية الأخرى. وتنطلق الإدارة الأمريكية في تأييدها لهذا القرار من أن تأكيد مصير المفقودين، ومكان وجودهم، وتأمين إطلاق سراحهم، وإعادة رفات أولئك الذين لقوا حتفهم لأسرهم؛ يعد أمراً حتمياً وأخلاقياً وإنسانياً.

4- المساهمة في تقديم المساعدات لمخيم “الركبان”: بعد فشل أمريكي في تقديم المساعدات الإنسانية إلى مخيم “الركبان”، الذي يقع بالقرب من الحدود الأردنية-العراقية في سوريا وقاعدة التنف الأمريكية، والذي يفتقر لسنوات للإمدادات الطبية الأساسية والبنية التحتية الصحية، على نحو أدى إلى وفاة العديد من سكانه بسبب المرض، قال المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية النقيب أبيجيل هاموك، في ٢٠ يونيو الفائت، أن الجيش الأمريكي ساعد في تسهيل شحن المساعدات الإنسانية من فرقة العمل السورية للطوارئ، وهى منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، إلى المخيم. وذكر هاموك أن تسليم تلك المساعدات يعد أمراً مهماً، لأن سوريا وروسيا تحاصران المخيم وتدعيان أن سكانه من الإرهابيين المناهضين للنظام. وقد أشاد السيناتور الجمهوري جيم ريش في تغريدة على حسابه بموقع “تويتر”، في ٢٠ يونيو الفائت، بجهود الجيش الأمريكي لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى المخيم المحاصر، ووصفها بأنها “إنجاز هائل”، داعياً المجتمع الدولي لمساءلة النظام الحاكم ودعم الشعب السوري.

5- تنظيم لقاءات مع قادة المجتمع المدني السوري: لم يقتصر الدور الأمريكي على تقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري، وإنما امتد أيضاً إلى تنظيم لقاءات متعددة بين المسئولين الأمريكيين وقادة المجتمع المدني السوري. ففي ٢٣ يونيو الفائت، اجتمعت السفيرة ليندا توماس جرينفيلد مع رائد الصالح رئيس الدفاع المدني السوري، المعروف أيضاً باسم “الخوذ البيضاء”، في نيويورك. وقد أثنت على الدور الذي قامت به “الخوذ البيضاء” في أعقاب الزلزال المدمر الذي وقع في 6 فبراير الماضي. وناقشت السفيرة والصالح مدى توافر الاحتياجات الفورية للمساعدات والإمدادات والمشاركة مع الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الأخرى لمواصلة تقديم الدعم للفئات الأكثر ضعفاً في سوريا. وفي ٢١ يونيو الفائت، التقت نائبة مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إيزوبيل كولمان، بقادة “الخوذ البيضاء” والجمعية الطبية السورية الأمريكية لمناقشة الأزمة المستمرة في سوريا. وقد تطرق اللقاء إلى بحث فرص إقامة شراكات مع منظمات سورية أخرى لدعم ضحايا الزلزال.

6- محاولة إعادة مقاتلي “داعش” إلى بلادهم: تحظى مواجهة التحديات الإنسانية والأمنية التي أعقبت هزيمة تنظيم “داعش” بأولوية خاصة لدى الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا، ولا سيما مع تواجد حوالي ١٠ آلاف شخص من مقاتلي تنظيم “داعش” من أكثر من ٦٠ دولة غير سوريا والعراق، في مخيمي “الهول” و”روج” للنازحين في شمال شرق سوريا، مما يمثل أكبر تجمع للمقاتلين الإرهابيين المعتقلين في العالم، وهو الأمر الذي يشكل تهديداً مستمراً للأمن الإقليمي والدولي على حد سواء.

ولذلك تسعى الإدارة الأمريكية إلى حث الدول على إعادة مواطنيها. وخلال هذا العام عاد أكثر من ٢٢٠٠ شخص كانوا متواجدين في شمال سوريا إلى بلدانهم الأم، بما في ذلك أكثر من مائة نازح تمت إعادتهم إلى تسع دول خارج العراق وسوريا في إطار عمليات دعمتها واشنطن، وذلك وفقاً لبيان للمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، في ٧ يوليو الجاري، الذي أثنى على إعادة كندا لامرأتين وثلاثة أطفال من مواطنيها المتواجدين في مخيم “روج” للنازحين في شمال شرق سوريا. وقد رحّبت الولايات المتحدة الأمريكية، في ٣٠ يونيو الفائت، أيضاً بقيام الدنمارك بإعادة امرأة تابعة سابقاً لتنظيم “داعش”، وطفلين من مواطنيها المتواجدين في مخيمات النازحين في شمال شرق سوريا. وقد ثمّن ميلر دور “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في المساعدة في عودة المعتقلين إلى أوطانهم.

وقد سبق أن حثّ وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، خلال حضوره الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم “داعش”، في ٨ يونيو الفائت، على إعادة المقاتلين الإرهابيين الأجانب وأفراد أسرهم إلى أوطانهم، لكون عدم إعادتهم إلى أوطانهم الأم تهدد بإمكانية معاودتهم حمل السلاح ومحاولة استعادة ما يسمى بخلافة “داعش” المزعومة.

نجاح الضغوط

تنفيذاً لما تضمنه قانون “تفويض الدفاع الوطني” السنوي لعام ٢٠٢٣، والذي كان يطلب من الإدارة الأمريكية تقديم تقرير للكونجرس عن استراتيجيتها لمواجهة مكاسب النظام السوري من التجارة غير القانونية في مخدر الكبتاجون، قدمت الإدارة الأمريكية، في ٢٩ يونيو الفائت، تقريراً شاملاً إلى المشرعين الأمريكيين يوضح بالتفصيل خطتها المشتركة بين الوكالات لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والإتجار والشبكات المرتبطة بالنظام في سوريا.

وقد تضمن التقرير أن الجيش الأمريكي لديه “قدرة محدودة” على الحد من إنتاج المخدرات داخل سوريا، ولذلك فإنه يركز بدلاً من ذلك على البنية التحتية لتوزيع المخدرات خارج سوريا وعوائدها المالية على النظام السوري، والتي تتضمن دعم إنفاذ القانون في البلدان المتضررة، مثل الأردن ولبنان، فضلاً عن تقديم مكافآت مقابل المعلومات التي تؤدي إلى اعتقال المتاجرين بالكبتاجون.

وفي ٢٨ مارس الماضي، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على ست شخصيات في سوريا ولبنان مرتبطة بصناعة المخدرات غير المشروعة في سوريا، وكان من ضمنهم أقرباء للرئيس السوري، بالإضافة إلى زعيم مليشيا مرتبط بإنتاج المخدرات في جنوب سوريا، وهي أول عقوبات للإدارة الأمريكية تستهدف تجارة الكبتاجون السورية، وأبرز استخدام لقانون “قيصر”، وهو قانون طرح من الحزبين يسمح بفرض عقوبات على أولئك الذين يقدمون المساعدة للعمليات العسكرية للنظام أو يتعاملون مع الحكومة السورية، وتحديداً في قطاعات البناء أو الهندسة أو الطاقة أو الطيران.

ويأتي فرض تلك العقوبات بعد انتقادات بعض المشرعين، من الجمهوريين والديمقراطيين، للإدارة الأمريكية للوتيرة البطيئة والمخيبة للآمال للعقوبات الأمريكية على النظام السوري بموجب قانون “قيصر”، الذي يصفه عديد منهم بأنه أداة قوية للحد من الجهود المبذولة لإعادة تأهيل أو تطبيع العلاقات مع النظام. ومع تزايد ضغوط المشرعين، استخدمت الإدارة للمرة الثانية قانون “قيصر” في نهاية مايو الماضي، حيث أعلنت عن عقوبات جديدة تستهدف شركتين لخدمات الأموال في سوريا، قالت إنهما تقدمان دعماً مالياً للنظام السوري وحلفائه، على نحو يوحي بأن ضغوط الكونجرس باتت تمثل متغيراً أساسياً له دور بارز في إعادة توجيه السياسة الأمريكية إزاء التطورات التي يشهدها الملف السوري خلال المرحلة الحالية.