مصالح متقاطعة:
أهداف ورسائل انعقاد الاجتماع العشرين لمسار أستانة

مصالح متقاطعة:

أهداف ورسائل انعقاد الاجتماع العشرين لمسار أستانة



عقدت الدول الثلاثة الضامنة لمسار أستانة (روسيا وإيران وتركيا)، اجتماعها العشرين، في 20 يونيو الجاري، والذي شارك فيه وفدا الحكومة السورية والمعارضة، وكذلك وفود دول جوار سوريا وهي: لبنان والعراق والأردن وممثلين عن الأمم المتحدة بصفة مراقبين. وقد تضمن الاجتماع العديد من الرسائل الإقليمية والدولية، والتي اكتسبت أهمية وزخماً خاصاً في ظل تصاعد حدة التوتر الروسي – الأمريكي في شمال سوريا، بالإضافة إلى معارضة واشنطن للتقارب التركي – السوري، وكذلك استمرار الضغوط الغربية على إيران بسبب برنامجها النووي وروسيا بسبب الحرب في أوكرانيا. وانطلاقاً من ذلك، يبدو أن الدول التي شاركت في الاجتماع بقدر ما سعت إلى تحقيق أهداف محددة من خلاله، فإنها في الوقت نفسه حاولت ممارسة مزيد من الضغوط على القوى المناوئة لها، أو على الأقل تقييد تحركاتها.

توقيت لافت

اكتسب اجتماع أستانة الأخير زخماً سياسياً واسعاً؛ كونه عقد في ظل ظروف مغايرة تشهدها العلاقات بين الدول المنخرطة في المشهد السوري، كما جاء في أعقاب أحداث مهمة شهدتها الساحة السورية، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- حراك دبلوماسي مكثف بين الدول الأربعة: قامت الدول الأربعة المعنية بالأزمة السورية بتحركات دبلوماسية مكثفة خلال الفترة الأخيرة، حيث زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سوريا، في 3 مايو الفائت، وهي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ أكثر من 13 عاماً. كما قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة موسكو، في 14 مارس الماضي. وفي السياق ذاته، التقى وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاويش أوغلو مع نظيره السوري فيصل مقداد على هامش الاجتماع الرباعي لوزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا وسوريا في موسكو في 10 مايو الفائت، على نحو زاد من احتمالات حدوث تقارب بين أنقرة ودمشق خلال المرحلة القادمة رغم الخلافات العالقة بين الطرفين.

2- إطلاق عملية عسكرية في شمال سوريا: استبقت أنقرة الاجتماع وقامت، في منتصف يونيو الجاري، بشنهجوم عسكري على شمال سوريا استهدفت فيه مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بعد أن اتهمت الأخيرة بالتورط في الهجوم على قاعدة جبرين التركية في شمال سوريا ومركز الشرطة في كليس بمنطقة تل رفعت ومنبج على الحدود التركية، وهو ما قوبل باعتراض ثلاثي من جانب روسيا وإيران وسوريا، خاصة أن الدول الثلاثة تدرك أن تركيا تسعى من خلال ذلك إلى توجيه رسائل استباقية تفيد أنها متمسكة بمقاربتها الأمنية في الملف السوري، الخاصة بإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا.

3- استمرار الهجمات الإسرائيلية على دمشق: واصلت إسرائيل ضرباتها العسكرية ضد المليشيات الموالية لإيران في سوريا، حيث استهدفت من خلال قصف جوي شنه الطيران الإسرائيلي، في 14 يونيو الجاري، بعض النقاط جنوب غرب دمشق، التي توجد بها مستودعات ذخيرة تابعة لهذه المليشيات. وهنا، فإن توقيت الهجوم كان لافتاً لجهة سعى إسرائيل بدورها إلى تأكيد أنها لن تتوانى عن استخدام الخيار العسكري لتقليص حدة التهديدات التي تفرضها التحركات التي تقوم بها إيران والمليشيات الموالية لها داخل سوريا.

4- كثافة الانخراط العسكري الأمريكي: شهدت الآونة الأخيرة تصاعداً في الحضور الأمريكي في المشهد السوري، على نحو بدا جلياً في إرسال الجيش الأمريكي، في الثلث الأول من يونيو الجاري، تعزيزات عسكرية إلى قواعده المنتشرة في مناطق رميلان وتل بيدر والشدادي بمحافظة الحسكة شمال غربي سوريا، والتي تقع تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد). كما اتجهت إدارة الرئيس جو بايدن، خلال الأشهر الماضية، نحو تقديم مزيد من الدعم لـ”قسد”، حيث قام عدد من المسئولين الأمريكيين بزيارة شرق الفرات، منها زيارة غير معلنة، في 4 مارس الماضي، قام بها رئيس هيئة الأركان الأمريكية الجنرال مارك ميلي للقواعد الأمريكية شرق سوريا. وتثير التحركات الأمريكية الجديدة في سوريا قلق الدول الضامنة لمسار أستانة، فمن جهتها تعارض أنقرة الدعم الأمريكي لقوات “قسد” التي تصنفها إرهابية،بينما تعي موسكو وطهران أن واشنطن تبدي حرصاً لافتاً على محاصرة نفوذهما داخل سوريا وعلى مستوى الإقليم.

مكاسب مختلفة

تعددت الأهداف التي سعت الدول التي شاركت في الاجتماع العشرين لمسار أستانة إلى تحقيقها. ويتمثل أبرز هذه الأهداف في تعزيز فرص تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، فقد ركزالاجتماع بشكل خاص على وضع خارطة طريق لإعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة. وفي إطار سعي موسكو وطهران لدعم التقارب بين أنقرة ودمشق، ركز الاجتماع على أهمية تسوية القضايا الخلافية التي ما زالت عالقة بين أنقرة ودمشق، وأهمها إصرار النظام السوري على انسحاب القوات التركية من كافة الأراضي السورية، مقابل إصرار أنقرة على إقامة منطقة آمنة داخل سوريا. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الاجتماع حقق نقلة فعلاً في هذا الملف، من خلال التوافق على تبني صيغة لحل القضايا الخلافية، وفي الصدارة منها وضعية الجيش التركي في شمال سوريا.

فضلاً عن ذلك، سعت الدول التي شاركت في الاجتماع إلى توجيه رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مفادها أن هذا المسار سوف يكون له دور رئيسي في صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في سوريا، خاصة بعد تغير توازنات القوى لصالح النظام السوري في الأعوام الأربعة الأخيرة.

كما استهدف الاجتماع دعم الجهود التي تبذل من أجل حل أزمة اللاجئين السوريين، وخاصة المقيمين في تركيا، بعد أن أصبحوا يشكلون عبئاً على الاقتصاد التركي. ورغم أن أنقرة تتبنى إجراءات تشجيعية لدفع اللاجئين إلى العودة لبلادهم، إلا أنها تدرك أن تسريع إنجاز هذا الملف يتطلب في المقام الأول تقليص حدة الخلافات مع النظام السوري. كما تسعى الدول الأخرى التي شاركت في الاجتماع، لا سيما لبنان والأردن، إلى تقليص حدة الضغوط التي يفرضها بقاء اللاجئين على أراضيها. ومن هنا، يمكن فهم تأكيد البيان الختامي للاجتماع على ضرورة “تهيئة الظروف المناسبة لعودة آمنة وطوعية وكريمة للسوريين بمشاركة مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وتفعيل العملية السياسية، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية من دون عوائق في جميع أنحاء سوريا”.

تنسيق مستمر

على ضوء ذلك، يمكن القول إن عقد الاجتماع العشرين لمسار أستانة في هذا التوقيت اللافت، ووسط هذه التطورات الإقليمية والدولية التي سوف تفرض تداعيات مباشرة على الملف السوري تحديداً، يُشير إلى استمرار حرص الدول الأربعة على رفع مستوى التنسيق فيما بينها للتعامل مع الاستحقاقات الاستراتيجية التي ربما تشهدها منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة، والتي قد تفرض ارتدادات مباشرة على معظم الملفات الإقليمية إن لم يكن مجملها.