وجّه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 7 يناير الجاري، الدعوة لنظيره الجزائري عبد المجيد تبون لزيارة طهران، في خطوة تعكس تطور مستوى العلاقات الثنائية بين الدولتين، والتي ربما تمتد إلى الجانب العسكري، خاصة بعد إعلان مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية للشئون العسكرية يحيى رحيم صفوي، في 18 أكتوبر الماضي، عن طلب الجزائر ودول أخرى الحصول على طائرات مُسيَّرة إيرانية الصنع.
وفي الواقع، فإن التطور الراهن في العلاقات بين إيران والجزائر يأتي في وقت تبدو فيه الأخيرة بحاجة إلى امتلاك أوراق مؤثرة بهدف مواجهة الضغوط الغربية التي تتعرض لها بسبب توجهها نحو تطوير علاقاتها مع روسيا. كما أنه يأتي بعد وصول التوتر مع المغرب بشأن قضية الصحراء إلى الذروة. وفي المقابل، فإن توجه طهران نحو توسيع نطاق العلاقات مع الجزائر لا ينفصل عن حاجتها الماسة لشراكات إقليمية ودولية جديدة، وذلك في ظل تصاعد ضغوط الدول الغربية عليها أيضاً. إلا أن ذلك لا ينفي أن تطوير العلاقات بين الطرفين قد يواجه عقبتين أساسيتين خلال المرحلة القادمة.
مؤشرات مختلفة
تمثل دعوة الرئيس الإيراني لنظيره الجزائري لزيارة طهران- والتي أشار إليها بيان وزارة الخارجية الإيرانية الذي صدر بعد الاتصال الهاتفي الذي جرى بين وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره الجزائري رمطان لعمامرة في 7 يناير الجاري، امتداداً لتحركات قامت بها الدولتان خلال الفترة الماضية عكست الاهتمام برفع مستوى العلاقات الثنائية، وهو ما بدا جلياً في مشاركة رئيس الحكومة الجزائرية أيمن بن عبد الرحمن، في 5 أغسطس 2021، في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني.
كما شهدت العلاقات البرلمانية تطوراً لافتاً بين الدولتين، كشف عنه إعلان رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري إبراهيم بوغالي، في 7 فبراير 2022، عن تأسيس مجموعة الصداقة الإيرانية-الجزائرية. كما حاولت الدولتان تعزيز علاقاتهما لتمتد إلى مجالات استثمار مختلفة، وذلك بعد إعادة تشكيل مجلس الأعمال الجزائري-الإيراني في أبريل 2021.
ولم يقتصر التعاون بين الجزائر وإيران على المجال السياسي والاقتصادي، إذ أبدت الدولتان اهتماماً خاصاً بتنسيق المواقف حيال ملف الطاقة، حيث أكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الإيراني إبراهيم رئيسي خلال مباحثاتهما على هامش اجتماع قمة الدول المصدرة للغاز في الدوحة في 22 فبراير 2022، على ضرورة توسيع نطاق التنسيق بينهما في مجال الطاقة تحديداً.
دوافع عديدة
أبدت إيران اهتماماً ملحوظاً بتطوير العلاقات مع الجزائر، وذلك على غرار قوى أخرى مثل روسيا والصين وتركيا، في وقت تواجه فيه ضغوطاً داخلية وخارجية لا تبدو هينة، وهو ما يتوازى مع اتجاه الجزائر نحو تبني الخيار نفسه. وفي هذا السياق، فإن ثمة اعتبارات عديدة يمكن من خلالها تفسير التطور الحادث في العلاقات بين البلدين خلال المرحلة الحالية، يتمثل أبرزها في:
1- إدارة الخلافات مع القوى الأخرى: تسعى إيران إلى استثمار تطور العلاقات مع الجزائر من أجل تقليص حدة الضغوط الغربية التي تتعرض لها، ليس فقط بسبب برنامجها النووي، ولكن أيضاً لدعمها روسيا عسكرياً في الحرب الأوكرانية، وهي الضغوط التي يتوقع أن تتضاعف بعد تنفيذها حكم الإعدام بحق علي رضا أكبري نائب وزير الدفاع الأسبق بتهمة التجسس لصالح بريطانيا. في حين أن التوتر قد يتزايد في العلاقات بين الجزائر والدول الغربية، بسبب التطور الملحوظ في علاقات الأولى مع روسيا.
وقد أشارت تقارير عديدة، في بداية أكتوبر الماضي، إلى أن 27 عضواً في الكونجرس الأمريكي وجهوا رسالة إلى وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن طالبوا فيها بفرض عقوبات على الجزائر، حال إتمامها أية صفقات عسكرية مع روسيا، حيث تعتبر واشنطن أن التعاون الجزائري مع روسيا في هذا التوقيت هو بمثابة رسالة دعم للأخيرة في حربها ضد أوكرانيا.
2- توظيف الدور الجزائري في أفريقيا: ربما تحاول إيران عبر تطوير علاقاتها مع الجزائر تعزيز دورها في منطقة المغرب العربي، خاصة في ظل الثقل الاستراتيجي للجزائر، على النحو الذي يمكن أن يساعد طهران في توسيع نطاق حضورها في القارة الأفريقية بشكل عام. وقد كان لافتاً أن إيران تتابع بدقة تطورات الحضور الغربي في منطقة الساحل والصحراء على سبيل المثال، حيث ترى أن الانسحاب العسكري الفرنسي يمكن أن يهيئ المجال أمام تعزيز حضورها في تلك المنطقة، وهو ما يخدم أجندتها أيضاً فيما يتعلق بمواجهة محاولات فرض العزلة ومزيد من العقوبات عليها من جانب الدول الغربية.
3- رفع مستوى التعاون العسكري: تشير تقارير عديدة إلى أن الجزائر تبدي اهتماماً خاصاً بالتعاون مع إيران في مجال الطائرات من دون طيار، التي أصبحت بدورها محور خلاف بين الأخيرة والدول الغربية، بعد أن قدمتها إلى روسيا لمساعدتها على إدارة عملياتها العسكرية في أوكرانيا، عبر استهداف بنيتها التحتية.
ورغم أن الجزائر تدرك أن توسيع نطاق التعاون مع إيران ليمتد إلى المجال العسكري قد يفرض بالتبعية ضغوطاً عليها، إلا أنها في الوقت نفسه تسعى إلى موازنة التحركات التي تقوم بها المغرب، من أجل تطوير تعاونها العسكري مع بعض الدول مثل تركيا وإسرائيل، حيث كشفت تقارير عديدة عن أن المغرب تسلمت، في 25 سبتمبر 2021، أول دفعة من الطائرات التركية من دون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2”.
4- استمرار الدعم الإيراني للبوليساريو: ما زالت الجزائر حريصة على استقطاب دعم بعض القوى والأطراف لجبهة البوليساريو، خاصة في ظل التحركات الدبلوماسية الحثيثة التي تقوم بها المغرب، ونجحت من خلالها في تحقيق نتائج ملحوظة خلال الفترة الماضية. وقد تصاعدت حدة الجدل حول الدعم الإيراني للبوليساريو، عقب التصريحات التي أدلى بها السفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال، خلال مؤتمر صحفي في نيويورك بعد جلسة لمجلس الأمن الدولي حول قضية الصحراء، في 28 أكتوبر الماضي، والتي قال فيها أن “إيران وحزب الله لديهما وجود في منطقة تيندوف”، مضيفاً أنهما “بصدد الانتقال من تدريب مقاتلي البوليساريو إلى تسليحهم، وهذه المرة عبر شحنة من الطائرات المُسيَّرة”.
عقبتان رئيسيتان
رغم ذلك، يبدو أن الجهود التي تبذلها إيران والجزائر من أجل تطوير العلاقات الثنائية سوف تواجه عقبتين رئيسيتين: الأولى، اتساع نطاق التصعيد بين إيران والدول الغربية خلال المرحلة المقبلة، على خلفية إعدام علي رضا أكبري، وتزايد احتمالات إقدام الدول الأوروبية على تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، فضلاً عن تعثر المفاوضات النووية، وهو ما سوف يفرض خيارات محدودة أمام الجزائر، التي قد تتعرض بدورها لضغوط غير مسبوقة بسبب تبنيها لهذا التوجه. والثانية، تطلع الجزائر إلى استثمار اهتمام الدول الغربية بإبرام صفقات معها فيما يتعلق بإمدادات الطاقة، كأحد انعكاسات استمرار الحرب الروسية-الأوكرانية، وهو ما سوف يدفعها، في الغالب، إلى وضع حدود للتعاون الثنائي مع إيران، لتجنب أية ارتدادات سلبية محتملة قد يفرضها على تلك الصفقات.