شراكة عسكرية:
أهداف واشنطن من إجراء مناورات “الأسد الأفريقي” بالمغرب

شراكة عسكرية:

أهداف واشنطن من إجراء مناورات “الأسد الأفريقي” بالمغرب



أعلنت القوات المسلحة المغربية ونظيرتها الأمريكية، في ٥ يونيو الجاري، عن انطلاق الدورة التاسعة عشر من مناورات “الأسد الأفريقي” بالمغرب، والتي ستستمر حتى ١٦ من الشهر الجاري. وتأتي تلك المناورات في ظل استمرار التوتر بين المغرب والجزائر على خلفية قضية الصحراء، واستمرار اعتراف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بمغربيتها، وتزايد النشاط الإرهابي في القارة الأفريقية، واحتدام المنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا على النفوذ داخل القارة.

مكاسب متعددة

رغم دعوات عدد من المشرعين وبعض الشخصيات الأمريكية، وفي مقدمتهم السيناتور الجمهوري السابق جيمس إينهوف، إدارة الرئيس جو بايدن لعدم إجراء مناورات “الأسد الأفريقي” السنوية في المغرب، فإن تنظيم المناورات خلال المرحلة الحالية يتضمن العديد من المكاسب للولايات المتحدة الأمريكية، من أبرزها ما يلي:

1- توسيع نطاق التنسيق مع الجيوش الأفريقية: مع انضمام تونس وغانا والسنغال هذا العام لمناورات “الأسد الأفريقي”، فإنها ستصل إلى حوالي ثلث القارة الأفريقية، وفقاً للواء بريان كاشمان نائب القائد العام لقوة عمل جنوب أوروبا وأفريقيا، خلال الكلمة التي ألقاها بمناسبة بدء المناورات. وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية من تلك المناورات، التي تضم شركائها وحلفائها، إلى تطوير استعداد وكفاءة الجيش الأمريكي والجيوش المشاركة في المناورات، بجانب تعزيز القدرات الدفاعية المشتركة وتقوية أواصر التعاون لمواجهة التهديدات والتحديات العابرة للحدود والمنظمات المتطرفة والعنيفة بمنطقة الساحل الأفريقي التي تعد أولوية للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم).

وقد ذكر رئيس الأركان الفريق جويل تاير أن المناورات ركيزة أساسية من ركائز استراتيجية تمرين “أفريكوم”. وتهدف الولايات المتحدة الأمريكية من تعزيز التعاون العسكري مع دول القارة الأفريقية إلى تعويض الانسحاب الفرنسي من منطقة الساحل بتعزيز حضورها العسكري الأفريقي في تلك المنطقة، إلى جانب غرب أفريقيا التي تشهد نشاطاً متزايداً للتنظيمات الإرهابية.

2- توطيد العلاقات الثنائية الأمريكية-المغربية: تعكس استضافة المغرب لمناورات “الأسد الأفريقي” متعددة الجنسيات مستوى التعاون الاستراتيجي القوي مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتعزز من مركزية المغرب في استراتيجية واشنطن لتعزيز النفوذ الأمريكي في القارة الأفريقية، حيث تنظر الإدارات الأمريكية المتعاقبة للرباط على أنها حليف استراتيجي من خارج حلف شمال الأطلسي (حلف الناتو)، وتدعم المناورات الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس بايدن لتركيز الشراكة الأمريكية-المغربية على التعاون العملياتي بما يحقق المصلحة الأمريكية، ولا سيما الجهود الأمريكية-المغربية المشتركة لمكافحة الإرهاب، والتعاون لرصد ومواجهة حركة المقاتلين في التنظيمات الإرهابية عبر المنافذ الحدودية وتبادل المعلومات بشأنهم وكذلك التعاون المشترك في فرض توازن أمني في منطقة الساحل والصحراء. 

3- مواجهة النفوذ العسكري الصيني والروسي: تأتي مناورات “الأسد الأفريقي” في ظل الاستراتيجية الشاملة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في القارة الأفريقية، والذي لم يعد قاصراً على المستوى الاقتصادي والتجاري، ولكنه بات يأخذ بعداً عسكرياً، مع تقارير أمريكية تتحدث عن سعى الصين لتأسيس تواجد عسكري جديد على الساحل الغربي لأفريقيا، بعد تأسيسها في عام ٢٠١٧ أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي.

فضلاً عن ذلك، تهدف واشنطن إلى مواجهة التحركات التي تقوم بها روسيا لتعزيز تحالفاتها الأفريقية بهدف كسر العزلة واحتواء تأثير العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية عليها في أعقاب اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني، وتقويض نفوذ مجموعة “فاجنر” في الدول الأفريقية والتي اتجهت إلى محاولة ملء الفراغ الناتج عن انسحاب القوات الفرنسية من منطقة الساحل، إلى جانب تقديمها الدعم العسكري لقوى سياسية وعسكرية داخلية في الدول الأفريقية والتي تزيد من حدة الاحتراب الداخلي.

4- تعزيز التعاون المغربي-الإسرائيلي: إلى جانب الأهداف العسكرية من مناورات “الأسد الأفريقي”، فإن مشاركة إسرائيل فيها لأول مرة يكشف عن رغبة إدارة الرئيس جو بايدن في مزيد من توطيد العلاقات الإسرائيلية-المغربية التي تشهد تسارعاً في التعاون منذ تطبيع العلاقات في ديسمبر ٢٠٢٠، حيث اتفقت الرباط وتل أبيب، في ١٧ يناير الماضي، على توسيع نطاق تعاونهما العسكري ليشمل الدفاع الجوي والحرب الإلكترونية بعد توقيع اتفاق للتعاون الأمني في 24 نوفمبر ٢٠٢١، والذي تضمن التعاون في مجال الصناعة الدفاعية ونقل التكنولوجيا، فضلاً عن إشارة بعض التقارير الإعلامية إلى حصول المغرب على أسلحة إسرائيلية متطورة من بينها طائرات من دون طيار. 

وقد كان لافتاً أن هذه التحركات جاءت بعد أن قامت وزارة الدفاع الأمريكية بنقل إسرائيل، في ١٥ يناير ٢٠٢١، من منطقة عمليات القيادة الأمريكية الأوروبية (يوكوم) إلى نطاق عمل القيادة المركزية الأمريكية (سينتكوم)، وتحسين التعاون الأمني والإقليمي مع إسرائيل لمواجهة التهديدات المشتركة. ومن الجدير بالذكر أن بيان البنتاجون قد أشار إلى اتفاقيات السلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية ومنها المغرب باعتبارها فرصة استراتيجية لتوحيد الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة التهديدات المشتركة في الشرق الأوسط.

استراتيجية ثلاثية

تأتي مناورات “الأسد الأفريقي” في ظل اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية المتزايد بالقارة الأفريقية التي أضحت ساحة للتنافس بينها من جانب والصين وروسيا من جانب آخر. وتعد المناورات أحد أركان الاستراتيجية الأمريكية التي تتضمن نهجاً ثلاثي الأبعاد. يتمثل البعد الأول، في المسار الدبلوماسي، والذي عبرت عنه الزيارات المتعددة لمسئولي الإدارة الأمريكية وفي مقدمتهم وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، إلى بعض دول القارة، واستضافة البيت الأبيض القمة الثانية لقادة الولايات المتحدة الأمريكية وأفريقيا في الفترة من ١٣ إلى ١٥ ديسمبر الماضي، والتي حملت التأكيد على الالتزامات الأمريكية تجاه الدول الأفريقية، وكذلك أهمية العلاقات المشتركة، وزيادة التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة.

ويرتبط البعد الثاني، بالمساعدات الأمريكية الإنسانية والإنمائية من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، والتي تعمل على تعزيز دور الإدارة الأمريكية في مساعدة الدول الأفريقية على التخفيف من آثار جائحة كوفيد-١٩، والأوبئة المستقبلية، وتعزيز الأمن الغذائي، والاستجابة لأزمة تغير المناخ.

في حين يتعلق البعد الثالث بالتعاون العسكري والذي تأتي في إطاره مناورات “الأسد الأفريقي” التي تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها والدول الأفريقية لمواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة ولا سيما الإرهاب الذي لا يزال يمثل التحدي الأول لأمن واستقرار دول القارة وتحقيق الرخاء لجميع دولها.