توجهات جديدة:
أهداف عقد مؤتمر “دول الجوار” في العراق

توجهات جديدة:

أهداف عقد مؤتمر “دول الجوار” في العراق



يكتسب الحضور العربي في مؤتمر دول الجوار الإقليمي الذي تعتزم الحكومة العراقية عقده في نهاية أغسطس الجاري، اهتماماً وزخماً خاصاً، على الرغم من احتمال مشاركة أطراف إقليمية، لاسيما تركيا وإيران، وأطراف دولية على غرار فرنسا، حيث قد يشكل المؤتمر نقلة نوعية في إعادة العراق إلى الحاضنة العربية، بالإضافة إلى تعزيز خطوات التقارب الاستراتيجي العربي تجاه بغداد، بعد القمة العربية التي استضافتها العراق عام 2012، ثم القمة الثلاثية التي جاءت بعد نحو 9 سنوات على القمة العربية، والتي جمعت مصر والعراق والأردن في 27 يونيو الماضي. ومن المتوقع أن يشهد المؤتمر تمثيلاً عربياً أوسع مما كان عليه في السابق، بالإضافة إلى تناول أكثر عمقاً للملفات ذات البعد العربي – الإقليمي.

دلالات عديدة:

يطرح اهتمام العراق باستضافة هذا المؤتمر، في هذا التوقيت، الذي يأتي في سياق محاولات عراقية مستمرة لتوسيع نطاق التعاون مع الدول العربية، دلالات رئيسية عديدة يتمثل أبزرها في:

1- محاولة صيانة الأمن القومي العربي: على مدى أكثر من عقدين من الزمن، كانت العراق بعيدة عن محيطها العربي، بفعل التطورات السياسية الداخلية والخارجية، ووفر هذا التباعد هامشاً كبيراً للقوى غير العربية في التمدد على الساحة العراقية، على نحو كانت له انعكاسات سلبية على العراق وعلى محيطها العربي بالتبعية. لذا يُعوَل على المؤتمر المرتقب في إذابة الجليد الذي أصاب تلك العلاقات. ومن جانب آخر، فإن العراق ساحة للتشابكات بين القوى العربية والعديد من القوى الإقليمية، وهو ما قد يحول المؤتمر أيضاً إلى آلية يمكن من خلالها توفير مساحة للتفاهمات الخاصة بفض تلك التشابكات العالقة التي تتصل بالدرجة الأولى بالأمن القومي لدول الجوار العربي، أو دول جوار الجوار التي تضررت من الأوضاع العراقية جراء الظروف الأمنية التي مرت بها، لاسيما تعاقب حضور التنظيمات الإرهابية التي تخلصت العراق من جزء كبير منها.

2- استكشاف مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من العراق: يعكس مغزى المبادرة العراقية بدعوة الأطراف العربية في الخليج ومصر والأردن، مدى اهتمام العراق بمحيطها العربي في الفترة الحالية، التي تشهد فيها متغيرات استراتيجية على مستوى عملية الانتقال السياسي، ومواكبة الترتيبات الأمنية في إطار العلاقات العراقية- الأمريكية، في ضوء سحب القوات القتالية الأمريكية من العراق. فعلى الرغم من أن هذه الترتيبات تعد شأناً داخلياً عراقياً، إلا أن لها أبعاداً إقليمية تتعلق بقضية مكافحة الإرهاب، في إطار التحالف الدولي للحرب على “داعش”، بالإضافة إلى المواقف العربية من التدخلات الإقليمية في العراق وامتدادها إلى الساحات العربية.

3- إحداث نوع من التوازن الاستراتيجي بين الأطراف العربية والإقليمية: تتفق العديد من التقديرات العراقية على مدى اهتمام العراق بالعودة الطبيعية إلى الحاضنة العربية، لسد الفجوة، وهو السياق الذي تتبناه الحكومة الحالية، لإحداث نوع من التوازن الاستراتيجي في العلاقات الخارجية. وقد شددت الحكومة العراقية، في مناسبات عديدة، على أنها تسعى إلى التخلص من نهج بعض الأطراف الإقليمية والدولية، فيما يتعلق بسياسة تصفية الحسابات على الساحة العراقية، في إشارة إلى واشنطن وطهران تحديداً، وبالتالي فإن سياسة التوازن الاستراتيجي في المحيط العربي قد تشكل خطوة على طريق الخروج من هذا المأزق.

4- استعادة العراق مكانتها العربية والإقليمية: بالإضافة إلى ما سبق، فإن العراق، وكما يؤكد خبراء ومراقبون محليون، تسعى على التوازي إلى استعادة دورها العربي والإقليمي، بحيث يمكنها الإسهام في تعزيز الاستقرار الإقليمي، لاسيما في ظل قدرتها على ممارسة أدوار الوساطة بين العديد من القوى الإقليمية، وهى أدوار يمكن أن تشكل مدخلاً لحلحلة بعض الأزمات العالقة بين هذه الأطراف.

تحديات محتملة:

على الرغم من التفاؤول بالخطوة المرتقبة التي ستقدم عليها العراق بعقد المؤتمر، إلا أن هناك بعض التحديات التي يتعين وضعها في الاعتبار، ومنها على سبيل المثال:

1- الظروف السياسية الراهنة: فغالباً ما يشار إلى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على أنه شخصية عروبية أو لديه هذا التوجه على الأقل في إطار تبني برنامج لإصلاح السياسة الخارجية العراقية، حيث ينسب له ولحكومته أعلى مستوى من الانفتاح في الدائرة العربية مقارنة بأسلافه، على نحو انعكس في قيامه بزيارات إلى عواصم عربية عديدة، واستقباله قادة عرب قاموا بزيارة بغداد للمرة الأولى منذ عقود، وتوقيعه العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية مع تلك الدول، لكن التساؤول المطروح بطبيعة الحال يتعلق بمدى إمكانية التزام أى حكومة عراقية مقبلة بالنتائج التي سوف ينتهي إليها المؤتمر، لاسيما في ضوء العد التنازلي للفترة الانتقالية التي يتبقى منها نحو شهرين، حيث ستجرى الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر المقبل.

2- إشكاليات العلاقات العربية- الإقليمية: والتي تتجاوز الساحة العراقية. فمع أن الملتقى في العراق قد يكون فرصة لاستكشاف إمكانية التقارب من عدمها، لكن حجم التحديات أكبر مما يمكن تصوره، لاسيما بين الأطراف العربية من جهة وتركيا وايران، كل منها على حدة، من جهة أخرى، على نحو يصعب احتواءها في إطار الملتقى، بالنظر إلى أن تلك القوى غير العربية تسعى إلى فرض أجندتها عبر سياسة الأمر الواقع واستخدام القوة، فضلاً عن استقطاب بعض القوى الداخلية العراقية كالميليشيات والفصائل المسلحة. إلا أن العديد من المراقبين يرون أن الحد الأدنى المتوقع في هذا المحور هو الرسائل التي ستوجهها العراق لتلك الأطراف والتي تتمثل في ضرورة التراجع عن تلك السياسات. كما أن منح أطراف عربية هامشاً أكبر من التقارب مع العراق من المؤكد أنه سيكون من رصيد القوى الإقليمية الأخرى، التي تمددت على الساحة العراقية في الفترة الماضية.

على هذا النحو، يشكل مؤتمر العراق الإقليمي فرصة نوعية لكافة الأطراف، على مسار احتواء التشابكات القائمة على الساحة العراقية، وما تفزضه من تداعيات سلبية على الساحتين العربية والإقليمية، كما يشكل المؤتمر علامة فارقة في مسار تعافي العراق من أزماتها بشكل نسبي والانطلاق نحو التأسيس لسياسة خارجية مستقلة. وبينما توشك العراق على الانتهاء من مرحلة الانتقال السياسي الداخلية الراهنة، سيظل هذا المؤتمر، في حال عقده، علامة بارزة على مسار الانتقال في السياسة الخارجية على التوازي. فبغض النظر عن النتائج المحتملة ومدى استجابة الأطراف للرسائل العراقية التي تتمحور حول إعادة الاعتبار للسيادة العراقية، واستقلال القرار الوطني، واستعادة الدور الإقليمي للعراق، سيظل المؤتمر مبادرة عراقية غير مسبوقة بالنظر إلى تبنيه تلك التوجهات.