دبلوماسية متوازنة:
أهداف زيارة رئيس الوزراء العراقي لروسيا

دبلوماسية متوازنة:

أهداف زيارة رئيس الوزراء العراقي لروسيا



قام رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بزيارة موسكو لمدة يومين في ١٠ و١١ أكتوبر الجاري، التقى خلالها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحضر منتدى “أسبوع الطاقة الروسي”. وقد ركزت الزيارة على تعزيز العلاقات المشتركة بين بغداد وموسكو في مختلف المجالات، والبناء على الزيارات المتعددة السابقة لمسئولين روس لبغداد، ولا سيما زيارة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في 7 فبراير الماضي. وتعكس زيارة السوداني لموسكو التحول الملحوظ في السياسة الخارجية العراقية في ظل حكومته.

وقد كان هناك اهتمام روسي بتلك الزيارة، حيث قال الرئيس فلاديمير بوتين، خلال مشاركته في منتدى “فالداي”، في ٥ أكتوبر الجاري، أنه يتطلع لزيارة رئيس الوزراء العراقي لموسكو التي تأتي في “الوقت المناسب للغاية”، وأكد بوتين على أنها ستكون مثمرة، وذكر أن الزيارة تتضمن مناقشة قضايا متعددة بما فيها الأمن الإقليمي والأمن الداخلي العراقي، وعبّر عن حرصه على استقرار الدولة العراقية الذي يُعد أمراً مركزياً لتحرك الاقتصاد والمجتمع العراقي إلى الأمام.

ملفات متعددة

هدفت زيارة رئيس الوزراء العراقي إلى موسكو في هذا التوقيت إلى تحقيق العديد من الأهداف العراقية والروسية المشتركة، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:

١- تعزيز التعاون في مجال الطاقة: حظيت قضية توطيد التعاون العراقي-الروسي المشترك في قطاع الطاقة، بما في ذلك أنشطة شركات النفط الروسية في العراق، بأولوية خاصة خلال لقاء الرئيس الروسي مع رئيس الوزراء العراقي، ولا سيما أن موسكو تُولِي في الوقت الراهن، في أعقاب العقوبات الأمريكية والأوروبية المشددة على النفط والغاز الروسيين بعد العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، اهتماماً بارزاً لقضايا الطاقة التي توفر وارداتها حوالي ثلث عائدات الميزانية الحكومية الروسية، بينما تعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط بعد المملكة العربية السعودية.

وقد ذكر بوتين خلال لقائه بالسوداني في الكرملين، في ١٠ أكتوبر الجاري، أن قطاع الطاقة يعد أحد المحاور الرئيسية للتعاون الروسي-العراقي، وأن الدولتين تعملان على تعزيز التعاون في مجال الطاقة في إطار مجموعة “أوبك+” من أجل تحقيق الاستقرار في الأسواق العالمية.

وهناك العديد من شركات النفط الروسية التي تعمل في العراق، حيث تعقد أكبر شركة نفط روسية “روسنفت” صفقات مع حكومة إقليم كردستان منذ عام ٢٠١٧، وتضخ مليارات الدولارات في البنية التحتية لإنتاج النفط وشحنه. وتنتج شركة “لوك أويل” الروسية حوالي ٤٨٠ ألف برميل يومياً من النفط في حقل “غرب القرنة ٢” في العراق، في حين تشارك شركة “غازبروم نفط” الروسية في مشروع حقل “بدرة” النفطي في شرق العراق وفي حقلين بإقليم كردستان.

٢- رفع مستوى التنسيق في مواجهة الإرهاب: ركز رئيس الوزراء العراقي خلال لقائه بالرئيس الروسي على أهمية الدعم الذي قدمته روسيا للعراق في مكافحة الإرهاب، وتزويد موسكو بغداد بالأسلحة حتى تتمكن من مواجهة التنظيمات الإرهابية منذ عام ٢٠١٤. ومع تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم “داعش”، اتفقت العراق وروسيا وإيران وسوريا، في ٣٠ سبتمبر ٢٠١٥، على تشكيل لجنة مشتركة (تحالف رباعي) لتبادل المعلومات الاستخباراتية بهدف ملاحقة التنظيم الإرهابي الذي كان يسيطر في ذلك الوقت على مساحات شاسعة من دولتي العراق وسوريا، والحد من أنشطته الإرهابية، ولكن كان دور التحالف الرباعي للتصدي لتنظيم “داعش” في العراق ضعيفاً بالمقارنة بالدور المركزي الذي مارسه التحالف الدولي بقيادة واشنطن في القضاء على التنظيم الإرهابي بالعراق.

ورغم ذلك، فإن هناك تأكيدات عراقية على أن التحالف الرباعي لا يزال مهماً في تعزيز الجهود العراقية لمواجهة التنظيمات الإرهابية. فقد صرح الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، اللواء يحيى رسول، في ٨ سبتمبر الفائت، بأن التحالف الرباعي يُركزّ على التعاون الاستخباري.

٣- المشاركة في مشروع “طريق التنمية”: أعربت روسيا عن عزمها المشاركة في مشروع “طريق التنمية” الذي أعلنه السوداني في مايو الماضي، وهو خطة طموحة لتطوير البنية التحتية للسكك الحديدية لتصبح العراق مركز نقل إقليمياً يربط بين أوروبا والخليج العربي ضمن سياسة الحكومة العراقية للتحول نحو الاقتصاد المتعدد وعدم الاعتماد على النفط. فقد أكد إيجور ليفيتين، مساعد الرئيس الروسي، خلال لقائه برئيس الوزراء العراقي ووزير النقل العراقي، رزاق محيبس السعداوي، ببغداد في ٣ أكتوبر الجاري، على استعداد الحكومة الروسية للمشاركة في تنفيذ المشروع وتبادل الخبرات في مجال النقل.

٤- ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة: على الرغم من المساعي الأمريكية والعراقية لتوطيد العلاقات وتعزيز التعاون المشترك ولا سيما العسكري والاستخباراتي؛ فإنه ينظر إلى زيارة السوداني لموسكو على أنها إحدى أوراق الضغط العراقي على واشنطن في ظل استمرار فرضها قيوداً على تسليم بغداد مليارات الدولارات من عائدات النفط بسبب سياساتها لمواجهة ظاهرة تهريب العملة إلى إيران، وهو ما أدى لرفع سعر صرف الدولار في السوق العراقية الموازية الذي يثير قلق المسئولين العراقيين قبيل الانتخابات المحلية المزمع عقدها في ديسمبر المقبل، وتعطيل النشاط الاقتصادي العراقي. فقد أفاد تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال”، في ٥ أكتوبر الجاري، برفض واشنطن طلب بغداد مليار دولار نقداً من البنك الاحتياطي في نيويورك، على نحو يثير دائماً استياء من جانب الأخيرة.

٥- دعوات لدور روسي في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي: جاءت زيارة رئيس الوزراء العراقي لروسيا في أعقاب التصعيد العسكري بين الفصائل الفلسطينية بقيادة حركة “حماس” والقوات الإسرائيلية بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها “حماس” في ٧ أكتوبر الجاري. ومع تصاعد حدة العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الأراضي الفلسطينية، طالب السوداني موسكو باستخدام عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وامتلاكها حق النقض للمساعدة في وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية. وتأتي تلك الدعوات في ظل رفض روسي لاستمرار التصعيد العسكري، والتدخل الأمريكي الذي يزيد، في رؤية موسكو، من حدة المواجهات العسكرية وليس العمل على إنهائها، حيث تعتبر موسكو أن تجدد الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي هو مثال واضح على فشل السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

وهناك أولوية روسية لعدم توسع المواجهات العسكرية راهناً في الأراضي الفلسطينية، حيث ستكون لها تأثيرات على المصالح الروسية في الشرق الأوسط، إذا شملت حزب الله اللبناني أو القوات الإيرانية في سوريا، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام السوري المدعوم من روسيا، والذي يعتمد على الدعم العسكري لحزب الله.

نهج جديد

تقوم السياسة الخارجية العراقية راهناً على موازنة علاقاتها مع الحلفاء والشركاء الإقليميين والدوليين المتنافسين، والابتعاد عن سياسة المحاور. ففي الوقت الذي تسعى فيه بغداد لتعزيز العلاقات العراقية-الأمريكية، فإنها تحاول أيضاً توطيد العلاقات مع روسيا بما لا يؤثر على مصالحها مع الدولتين اللتين تشهد علاقاتهما في الوقت الراهن حالة من التوتر والتصعيد في أعقاب العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا، والتي لا تزال مستمرة حتى الآن. ويتسق نهج موازنة العلاقات ورفض سياسة المحاور مع مبدأ بدأت تنتهجه الحكومة العراقية الحالية قائم على “الدبلوماسية المنتجة” بحد تعبير فرهاد علاء الدين، مستشار العلاقات الخارجية لرئيس الوزراء العراقي، في مقال نشره بصحيفة “الشرق الأوسط”، في ٨ أكتوبر الجاري، قبيل زيارة السوداني لموسكو.