تنسيق سياسي:
أهداف زيارة رئيس إقليم كردستان لتركيا

تنسيق سياسي:

أهداف زيارة رئيس إقليم كردستان لتركيا



قام رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، بزيارة رسمية إلى العاصمة التركية أنقرة، في 20 يونيو الفائت، وأشار مسؤول كردي إلى أن بارزاني ناقش في تركيا قضايا مختلفة منها الأمن في المنطقة، بالإضافة إلى صادرات النفط التي تمثل أولوية قصوى لإقليم كردستان، حيث تعرّض الإقليم لخسائر هائلة بعد وقف أنقرة صادرات تبلغ 450 ألف برميل يومياً من شمال العراق عبر خط “جيهان” في 25 مارس الماضي على خلفية إصدار هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية بباريس حكماً يُلزم تركيا بدفع تعويضات للعراق.

وقد أسفرت الزيارة عن اتفاق الطرفين على رفع مستوى التعاون الثنائي بين أنقرة والإقليم، وتسريع وتيرة مفاوضات إعادة الصادرات النفطية للإقليم عبر الأراضي التركية، إلى جانب التنسيق حيال مكافحة التنظيمات المسلحة شمال العراق.

ضغوط محركة

ثمة العديد من الدوافع الضاغطة التي تقف وراء التقارب بين أنقرة وحكومة إقليم كردستان، وتفسر في الوقت نفسه إقدام رئيس وزراء الإقليم على زيارة تركيا في هذا التوقيت، وهو ما يمكن بيانه على النحو التالي:

1- محاصرة شبهات الفساد المرتبطة باتفاق النفط 2014: لا تنفصل زيارة رئيس حكومة كردستان لتركيا عن سعيه لمحاصرة شبهات فساد تم تمريرها عشية توقيع بنود الاتفاق النفطي في العام 2014 بين الإقليم وأنقرة من جانب واحد دون العودة إلى الحكومة الاتحادية. وينصّ هذا الاتفاق الذي يمتد لخمسين عاماً على تصدير نفط كردستان مقابل تحصيل إيرادات مالية بديلة عن حصة الإقليم من الميزانية العراقية المحتجزة، بسبب خلافات بين بغداد وأربيل. ويشار إلى أن ثمة شبهات فساد كبيرة مرت من خلال الاتفاق، وتخشى حكومة الإقليم من كشف النقاب عنها، وهو ما قد يخصم من الرصيد التقليدي للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقف على أعتاب انتخابات تشريعية مفصلية خلال المرحلة المقبلة.

2- احتواء التحركات التركية إزاء حزب الاتحاد الوطني الكردي: توترت العلاقة بين تركيا وحزب الاتحاد الوطني الكردي في السليمانية في الفترة الماضية، وظهر ذلك في اتهامات تركية للحزب بفتح المجال أمام أنشطة حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة أمريكياً في شمال شرق سوريا. كما شنت أنقرة في أبريل الماضي قصفاً بطائرات مسيرة بالقرب من مطار السليمانية، ناهيك عن قرار تركي بشأن تعليق الرحلات الجوية من وإلى السليمانية. بيد أن تركيا اتجهت في يونيو الجاري إلى اتخاذ مجموعة من التدابير لتعزيز جسور التواصل مع الاتحاد الوطني الكردستاني شريك السلطة في الإقليم، والغريم السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني.

وظهر ذلك في زيارة وفد من ممثلي الشركات التركية في يونيو الجاري إلى محافظة السليمانية، وهو ما يعكس توجهاً تركياً لإعادة النظر في طبيعة العلاقة مع حزب الاتحاد الوطني ثاني أكبر الأحزاب في كردستان العراق. وقد اتسمت التحركات المستجدة من جانب الحكومة التركية تجاه حزب الاتحاد الوطني الكردي بالتنوع، على نحو يبدو جلياً في تطوير التعاون سواء تعزيز النفوذ التركي في الإقليم أو على صعيد محاولات تركيا تفكيك العلاقة بين حزب الاتحاد الوطني ومنظمة حزب العمال الكردستاني التي تصنفها تركيا “إرهابية”.

3- استئناف تصدير نفط كردستان عبر ميناء جيهان التركي: يتم تصدير جزء كبير من نفط كردستان وذلك عبر ميناء جيهان التركي، وقد توقفت عمليات تصدير النفط منذ 25 مارس الماضي، بعد إصدار غرفة التجارة الدولية ومقرها باريس حكماً في قضية تحكيم ضد تركيا لصالح بغداد. وأمرت الغرفة تركيا بدفع تعويضات لبغداد قيمتها 1.5 مليار دولار نظير الأضرار التي لحقت بها من تصدير حكومة إقليم كردستان النفط دون تصريح من الحكومة في بغداد بين عامي 2014 و2018.

في هذا السياق، تسعى حكومة الإقليم إلى حل قضية تصدير النفط، وإقناع أنقرة باستئناف ضخ النفط عبر ميناء جيهان. بيد أن تركيا تعارض وتتذرع بإشكاليات فنية، لكن يبدو أنها تبحث عن ضمان امتيازات كانت توفرت لها بتعاملها المباشر مع حكومة كردستان أو على الأقل خفض التعويضات التي يستوجب على أنقرة دفعها للحكومة المركزية في بغداد.

4- توسيع نطاق التنسيق الأمني بين تركيا وحكومة إقليم كردستان: تستهدف الزيارة في جانب معتبر منها رغبة أنقرة فيتوسيع نطاق التنسيق الأمني مع حكومة إقليم كردستان، ولا سيما فيما يتعلق بإنهاء وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق لمنع تكرار العمليات التي تقوم بها عناصر الكردستاني في الداخل التركي، وآخرها في نوفمبر الماضي. ويشار إلى أن العلاقة بين أنقرة والكردستاني قد عادت للشحن مجدداً بعد إعلان الأخير إلغاء الهدنة التي اتخذها عشية زلزال 6 فبراير الماضي الذي ضرب مناطق جنوب تركيا وشمال سوريا، ناهيك عن رفض الكردستاني للهجمات التي يشنها الجيش التركي في التوقيت الحالي ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في الشمال السوري.

5- موازنة ضغوط حكومة بغداد على تركيا: تمارس الحكومة المركزية في بغداد ضغوطاً متصاعدة على السلطات التركية بسبب انتهاكاتها للأراضي العراقية تحت دعاوى مطاردة حزب العمال الكردستاني. ولعل آخر مؤشرات ذلك كان القصف التركي في 23 مايو الماضي منطقة سنجار شمال العراق، أي بعد زيارة السوداني لتركيا بأقل من شهرين فقط. وفي هذا السياق، تسعى تركيا إلى الاستعانة بحكومة مسرور بارزاني لدعمها في مواجهة هذه الضغوط، وعرقلة صدور أي قرار محتمل من مؤسسات حكومة بغداد المركزية ضد التدخلات التركية شمال العراق.

انعكاسات محتملة

في إطار المحركات السابقة، هناك جملة من الدلالات المهمة التي تعكسها زيارة مسرور بارزاني لتركيا، في الصدارة منها تعزيز النفوذ التركي في إقليم كردستان العراق الذي يمثل نقطةارتكاز محورية تستطيع تركيا من خلالها محاصرة حزب العمال الكردستاني شمال العراق. وفي ظل تودد إقليم كردستان العراق يتوقع أن تستجيب حكومة الإقليم للمطالب التركية بشأن عملياتها العسكرية ضد الكردستاني. بالتوازي، فإن هذه الزيارة قد تسفر عن تعزيز التنسيق المشترك بين أربيل وأنقرة بشأن عمليات تصدير نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي مقابل حصول تركيا على امتيازات خاصة، سواء على صعيد العملات التي تحصل عليها أو فيما يخص وارداتها من النفط العراقي بأسعار تنافسية ومدة توريد أكبر.

ختاماً، يمكن القول إن زيارة بارزاني لتركيا تكشف عن رغبة الإقليم في حل القضايا الخلافية مع تركيا بشأن عمليات تصدير النفط عبر ميناء جيهان التركي، وتشير إلى أن أنقرة تمثل رئة تنفس أساسية لأربيل لا يمكن الاستغناء عنها. كما أن هذه العلاقة الخاصة يمكن أن تسهم في تحييد ضغوط الحكومة المركزية في بغداد بشأن التدخلات التركية في شمال العراق، بيد أن هذه الزيارة تصطدم بالعديد من العقبات أهمها إصرار تركيا على عدم دفع التعويضات التي أقرتها هيئة تحكيم باريس للعراق، فضلاً عن شكوك بارزاني حيال التقارب الحادث في التوقيت الحالي بين أنقرة وغريمه السياسي في الإقليم حزب الاتحاد الوطني في السليمانية.