احتواء المخاطر:
أهداف جولة وزير الخارجية الجزائري في غرب أفريقيا

احتواء المخاطر:

أهداف جولة وزير الخارجية الجزائري في غرب أفريقيا



بدأ وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، في 23 أغسطس الجاري، جولة أفريقية شملت كلاً من نيجيريا وبنين وغانا. وقد جاءت تلك الجولة في توقيت هام، حيث تشهد منطقة الساحل الأفريقي حالة من عدم الاستقرار السياسي بعد تصاعد حدة الأزمة السياسية بين منظمة “إيكواس” وقادة الانقلاب العسكري في النيجر، بسبب عدم امتثال المجلس العسكري في النيجر لمطالب المنظمة التي هددت باللجوء إلى الخيار العسكري كحل للأزمة. فيما تعارض الجزائر من جانبها الخيار العسكري وترى أنه لا يزال من الوقت متسع لبذل المزيد من الجهود الدبلوماسية وتغليب الخيار السياسي وتجنيب المنطقة العواقب والمخاطر الأمنية التي تهدد استقرارها.

ومن ثمّ، يبدو أن جولة وزير الخارجية الجزائري في هذا التوقيت تستهدف التوصل إلى صيغة تفاهم وتوافق لحل سياسي للأزمة بدلاً من الخيار العسكري الذي قد يؤدي إلى انفجار العديد من الأزمات الأمنية في المنطقة والتي تُشكل تهديداً لأمن الجزائر واستقرار حدودها الجنوبية، فضلاً عن أن الأزمة قد تمثل، من ناحية أخرى، فرصة للجزائر للاستفادة من تحول موازين القوى والمعادلة الدولية في المنطقة في تعزيز حضورها الاقتصادي والسياسي.

دوافع عديدة

يمكن القول إن ثمة اعتبارات عديدة دفعت الجزائر إلى تكليف وزير خارجيتها للقيام بهذه الجولة، يتمثل أبرزها في:

1- تغليب الخيار السياسي لحل الأزمة: أعربت الجزائر عن أسفها لما وصفته “إعطاء الأسبقية للخيار العسكري” في أزمة النيجر، وأكدت أنه لا تزال هناك فرص للحل السياسي لم تُستنفد، محذرة من خطورة التدخل العسكري. وقد سبق أن مارست الجزائر دوراً في الوساطة بين الحكومة المالية وجماعة الطوارق في شمال مالي، وذلك لمنع حدوث تدهور أمني في منطقة الساحل وخاصة في مالي، حيث أسفرت هذه الجهود عن إقناع الأطراف المالية المسلحة وحكومة باماكو بالتوقيع على اتفاق السلم والمصالحة في عام 2015.

وفي الوقت نفسه، ترغب الجزائر في طرح مقاربة أمنية في المنطقة تقوم على مبادئ محددة سبق أن تحدث عنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وهي رفض التدخل الأجنبي، وتشجيع الحوار الداخلي، والحفاظ على الوحدة الترابية والانسجام الوطني للدول.

2- حماية المصالح الاقتصادية في المنطقة: يشير بعض المراقبين إلى أن جولة وزير الخارجية الجزائري تستهدف حماية المصالح الاقتصادية الجزائرية مع دول غرب أفريقيا وخاصة مع نيجيريا. فرغم أن الجزائر تسعى للتوصل إلى حل سياسي، لكن الخلاف في وجهات النظر مع نيجيريا حول خيارات حل الأزمة في النيجر قد يمثل تهديداً لاستكمال مشروع أنبوب الغاز بين الجزائر والنيجر ونيجيريا، وهو المشروع الذي يمر من نيجيريا عبر النيجر ثم الجزائر لنقل الغاز إلى أوروبا، ويسمح بتصدير حوالي 30 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى أوروبا.

وتهدد حالة عدم الاستقرار السياسي والفوضى التي يمكن أن تترتب على التدخل العسكري في النيجر مستقبل هذا المشروع، ومن ثم فإن المبادرة الجزائرية للوساطة لحل الأزمة في النيجر تستهدف بالأساس حماية المصالح الاقتصادية، ولا سيما مشروع الغاز من خلال التوصل إلى حلول وسط تتجاوز المخاطر التي يمكن أن يفرضها التدخل العسكري.

3- احتواء المخاوف الأمنية المتعددة: رغم أن الجزائر تنظر إلى التحولات في المنطقة على أنها توفر فرصاً اقتصادية وسياسية يجب اغتنامها لتوسيع نطاق دورها ونفوذها الاقتصادي في المنطقة، وخاصة في ظل تراجع الدور الفرنسي وبروز الدور الروسي؛ لكن ثمة مخاوف جزائرية من أن تؤدي حالة عدم الاستقرار في المنطقة إلى تصاعد حدة التهديدات الأمنية على حدود الجزائر الجنوبية، لا سيما وأن التنظيمات الإرهابية لا تزال تنشط على الحدود، ويمكن أن تستغل الأوضاع في اختراق حدود الجزائر وتنفيذ عمليات إرهابية، فضلاً عن أن حالة عدم الاستقرار السياسي في الساحل قد تدفع الطوارق إلى تصعيد مطالبهم الانفصالية ومحاولة تأسيس دولة لهم، وهو ما لا يتوافق مصالح وحسابات الجزائر.

تداعيات محتملة

يتوقع أن تسفر جولة وزير الخارجية الجزائري عن العديد من النتائج التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- فشل المحادثات حول الحل السياسي: ينظر العديد من قادة “إيكواس” إلى أن الأزمة في النيجر هي أزمة إقليمية وليست أزمة داخلية، لأنها تهدد استقرار دول الإقليم، فقد تُشجع موجة الانقلابات التي وقعت في العديد من دول المنطقة قادة عسكريين في دول أخرى على الانقلاب على السلطة، وهو أمر يُهدد معظم دول المنطقة، ويتطلب تدخلاً حاسماً لمنعه، بينما يتمسك قادة الانقلاب في النيجر بالسلطة ويرفضون عودة الرئيس محمد بازوم، وهو ما يؤكد أن مهمة الوزير الجزائري صعبة، وخاصة في ظل تباعد وجهات النظر بين “إيكواس” والمجلس العسكري في النيجر.

2- تصاعد التوتر الفرنسي-الجزائري: تثير السياسة الجزائرية إزاء أزمة النيجر قلقاً فرنسياً من أن الجزائر تعمل ضد المصالح الفرنسية وتنحاز للسياسة الروسية في المنطقة، وهو الأمر الذي يزيد من حدة التوتر الفرنسي-الجزائري، خاصة أن الجزائر رفضت السماح للقوات الفرنسية باستخدام مجالها الجوي للتدخل العسكري في النيجر، كما أنّ باريس تطالب بعودة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة، ولا تعترف بالانقلاب العسكري وتدعم قرارات “إيكواس” فيما يتعلق بالتدخل العسكري لإنهاء الأزمة.

3- زيادة التنافس المغربي-الجزائري: تتابع المغرب بقلق التحركات الجزائرية في المنطقة وغالباً ما تفسرها على أنها موجهة ضدها وتستهدف استثمار الأوضاع في المنطقة للتوسع على حسابها، وهي التي تعتبر الجزائر حليفاً رئيسياً لروسيا في المنطقة، بينما تتهم الجزائر المغرب بأنها تتماهى مع السياسة الغربية، والأمريكية تحديداً، في المغرب العربي والساحل الأفريقي.

وتحاول الجزائر تحقيق مكاسب اقتصادية في إنجاز مشروعها للغاز الذي ينافس المشروع المغربي، وقد ترى المغرب في هذه التحركات استهدافاً لمصالحها الاقتصادية، فضلاً عن المصالح السياسية مثل الموقف من ملف الصحراء، الذي ستحاول الجزائر إقناع حلفائها الجدد بتأييد حق تقرير المصير في الصحراء بدلاً من دعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية.

تحديات قائمة

في المجمل، تعمل الجزائر على أن تمارس دوراً سياسياً ومحورياً في مستقبل المنطقة التي تشهد تحولات جيوسياسية لافتة. ومع ذلك، فإن الدور الجزائري يصطدم بالعديد من التحديات، وعلى رأسها إصرار “إيكواس” على التدخل العسكري، الأمر الذي يهدد بفشل المحادثات والتوصل إلى صيغة توافقية بين المنظمة وقادة الانقلاب في النيجر. وفي الوقت نفسه قد يثير الدور الجزائري حفيظة دول أخرى، وخاصة حلفاء فرنسا في المنطقة مثل تشاد وساحل العاج وبنين، فضلاً عن أن الدور السياسي الجزائري قد يؤجج المزيد من التوترات الجزائرية-الفرنسية والجزائرية-المغربية، حيث ينظر إلى الجزائر كحليف رئيسي لروسيا التي تتهم بأنها تمارس دوراً رئيسياً في هذه الاضطرابات والانقلابات العسكرية التي تشهدها منطقة الساحل الأفريقي.