توافق مستمر:
أهداف توسيع نطاق التعاون العسكري بين الجزائر وروسيا

توافق مستمر:

أهداف توسيع نطاق التعاون العسكري بين الجزائر وروسيا



أثارت الزيارة التي قام بها وفد عسكري روسي إلى الجزائر، في 16 سبتمبر الجاري، العديد من التساؤلات حول دلالاتها وتأثيرها على اتجاهات العلاقات العسكرية بين الجزائر وروسيا، خاصة أن الوفد ضم الجنرال الروسي سيرجي سورفيكين الذي كان قد أعفى من منصبه على خلفية التمرد الذي قامت به مجموعة فاجنر في 23 يونيو الماضي. وقد جاءت الزيارة بعد مرور ثلاثة أسابيع على زيارة قام بها وفد عسكري روسي آخر إلى ليبيا في 22 أغسطس الفائت، على نحو يوحي بأن روسيا ربما تعيد صياغة اتجاهات علاقاتها العسكرية مع بعض الدول ومستوى انخراطها في عدد من الأزمات في مرحلة ما بعد انتهاء تمرد فاجنر ومقتل قائدها يفجينى بريجوجين في 23 أغسطس الفائت.

دلالات عديدة

تأتي زيارة الوفد الروسي إلى الجزائر في خضم العديد من التطورات السياسية والأمنية على الصعيدين الدولي والإقليمي، ومن ثم يمكن إيجاز أهم دلالاتها على النحو التالي:

1- إعادة صياغة أدوار فاجنر: يبدو أن ضم الجنرال الروسي سيرجي سورفيكين إلى الوفد الذي قام بزيارة الجزائر يرتبط بمهمة أمنية جديدة وسرية، ويرجح أن تكون المهمة هي المشاركة في الإشراف على مجموعة فاجنر، حيث تقوم الحكومة الروسية في الوقت الحالي بدراسة مستقبل هذه المجموعة وقيادتها ومستوى انخراطها في العديد من الأزمات التي تشهدها بعض الدول الأفريقية. ويكتسب هذا الاحتمال وجاهة خاصة مع الوضع في الاعتبار أن هذه الزيارة جاءت بعد فترة وجيزة من مقتل القائد السابق لفاجنر، يفجيني بريجوجين، وبعد أسابيع من إعفاء سورفيكين نفسه من منصبه كقائد للقوات الجوية والفضائية في 23 أغسطس الفائت، وهو الذي كان قد أبدى رفضاً للتمرد ودعا عناصر المجموعة إلى التراجع عن تنفيذه.

وقد أثار قرار إعفاء سورفيكين من منصبه جدلاً واسعاً داخل الدول الغربية المعنية بتطورات الحرب الروسية-الأوكرانية حول أسباب ذلك ومدى تأثيره على تماسك المؤسسة العسكرية الروسية نفسها، وهو ما يبدو أنه دفع موسكو مجدداً إلى وضع حد لهذا الجدل عبر تكليف سورفيكين بمهام جديدة، فضلاً عن تعيينه رئيساً للجنة الدفاع الجوي التابعة لرابطة الدول المستقلة التي تجمع روسيا وثماني دول سوفيتية سابقة أخرى.

2- دعم العلاقات الثنائية بين الطرفين: أشارت تقارير عديدة إلى أن أحد أهداف زيارة الوفد الروسي إلى الجزائر تمثل في مناقشة صفقة شراء أسلحة روسية جديدة، لا سيما أن الجزائر تُعد إحدى أكبر الدول المستوردة لهذه الأسلحة. ومن هنا، فإن الزيارة تهدف إلى توسيع نطاق التعاون العسكري مع الجزائر، في الوقت الذي تعمل فيه الأخيرة على رفع مستوى ترسانتها العسكرية من الأسلحة الروسية في سياق التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية خلال الفترة الماضية.وقد كان لافتاً أن زيارة الوفد الروسي سبقتها زيارات قام بها مسئولون عسكريون جزائريون إلى روسيا، مثل رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أول السعيد شنقريحة الذي قام بزيارة موسكو في 31 يوليو الماضي، وأجرى مباحثات مع المسئولين الروس حول سبل تعزيز التعاون العسكري بين الطرفين.

3- تنامي وتيرة التنافس الفرنسي-الروسي: تأتي زيارة الوفد الروسي إلى الجزائر في وقت تواجه فيه فرنسا عقبات عديدة للحفاظ على نفوذها في بعض دول الجوار مثل النيجر التي وقع فيها انقلاب عسكري مناوئ للنفوذ الفرنسي في 26 يوليو الماضي. وفي هذا السياق، تسعى روسيا إلى استغلال التداعيات السلبية العديدة التي فرضتها هذه التطورات على فرنسا في تعزيز حضورها في هذه المنطقة، وهو ما يبدو أنه كان أحد محاور المباحثات التي أجراها هذا الوفد في الجزائر، التي كان لافتاً أنها اتخذت موقفاً رافضاً للتدخل العسكري في النيجر من أجل إعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، حيث أكدت على ضرورة الاستناد إلى الخيار الدبلوماسي في تسوية الأزمة، على نحو لم يتوافق مع حسابات باريس.

4- رفع مستوى التنسيق في منطقة الساحل: حظي هذا الموقف الذي تبنته الجزائر إزاء الانقلاب العسكري الذي وقع في النيجر باهتمام خاص من جانب روسيا، خاصة أن الأولى لم تدعم التهديدات التي أطلقتها العديد من الدول، ومن بينها فرنسا، بإمكانية استخدام الخيار العسكري لإنهاء الانقلاب. بل إن تقارير عديدة أشارت إلى أن الجزائر رفضت السماح لفرنسا باستخدام أجوائها لتنفيذ عملية عسكرية في النيجر، قبل أن تنفيها الأخيرة. وهنا، فإن روسيا ترى أنه يمكن البناء على الموقف الجزائري من أجل رفع مستوى التنسيق بين الدولتين للتعامل مع التطورات المتسارعة التي تشهدها منطقة الساحل في الفترة الأخيرة وخاصة في النيجر.

5- تكريس النفوذ في ليبيا: تُولي الجزائر أهمية خاصة لتعزيز الاستقرار داخل جارتها الغربية، إلا أن المقاربة التي تتبناها في التعامل مع التطورات التي تشهدها الأخيرة دفعتها، في بعض الفترات، إلى توجيه انتقادات للتحركات التي يقوم بها الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، في حين أن روسيا تؤسس علاقات قوية مع الأخير وتسعى عبر ذلك إلى تعزيز حضورها كطرف لا يمكن تجاهله، خاصة عند إجراء عملية إعادة صياغة الترتيبات الأمنية والسياسية في ليبيا، والتي تواجه تحديات لا تبدو هينة بسبب اتساع نطاق الخلافات بين القوى السياسية الليبية والأطراف الإقليمية حول سبل إنهاء المرحلة الانتقالية والوصول إلى الاستحقاقات السياسية مثل الانتخابات الرئاسية. ومن هنا، يبدو أن موسكو والجزائر قد أدركتا أهمية توسيع نطاق التعاون تجاه ما يجري داخل ليبيا، على نحو يمكن من خلاله تفسير اهتمام الأولى بإرسال وفد عسكري إلى الثانية، بعد الزيارة التي قام بها وفد عسكري آخر إلى ليبيا بنحو ثلاثة أسابيع.

تحركات متواصلة

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الجزائر سوف تواصل خلال المرحلة القادمة تحركاتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، سواء فيما يتعلق بتوسيع نطاق تعاونها الثنائي مع قوى دولية رئيسية، مثل الصين وروسيا، أو ما يتصل بتعزيز حضورها في بعض الملفات التي تكتسب أهمية خاصة من جانبها لاعتبارات أمنية واستراتيجية عديدة، وفي مقدمتها تصاعد حدة الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا، واستمرار تداعيات الانقلاب العسكري في النيجر، وتفاقم الصراع داخل مالي بين الحكومة والحركات الأزوادية.