أنموذج وحدوي عربي ناجح – الحائط العربي
أنموذج وحدوي عربي ناجح

أنموذج وحدوي عربي ناجح



د. علي محمد فخرو

موضوع التعامل مع كل مشاكل أمة العرب بإرادة وإيديولوجية وأفعال تنسيقية وحدوية تضامنية مشتركة أصبح موضوعاً وجودياً، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من أخطار وتحديات وآمال.

ولأن الأمر كذلك، نحتاج إلى جهود متكررة، وإلى إصرار متصاعد لإدخال وترسيخ وتجذير أهمية هذا الأمر الوجودي في أذهان ومشاعر وضمائر وسلوكات شباب وشابات هذه الأمة. وفي الوقت نفسه تعرية وتفنيد محاولات قوى الخارج الاستعمارية، وقوى عمى البصيرة والردة الداخلية، لتشويه ورفض ومحاربة كل توجه عروبي وحدوي، من أجل إبقاء هذه الأمة في حالة تجزئة عبثية، وتخلف حضاري، وضعف أمام كل عدو.

في مقال الأسبوع الماضي، أبرزت ما فعله غياب العمل التضامني العربي المشترك لمواجهة وباء التنظيمات الإرهابية، والتعامل مع انتشار وباء «كورونا» في بلاد العرب، ومد يد العون الأخوي القومي والإنساني لشعب سوريا الشقيقة في مواجهة فواجع الزلازل في الشمال السوري، في الوقت الذي شلت قواه الذاتية بالمحاصرة والمقاطعة الاقتصادية المفروضة من قبل النفوذ الأمريكي اللئيم المهيمن على المنطقة العربية برمتها.

في صورة مغايرة لمثل ذلك التخبط والعجز المؤدي إلى اليأس بسبب غياب الإرادة الوحدوية التضامنية والعمل القومي المشترك، دعني أسرد كيف يثمر العمل العربي القومي التضامني من خلال الحديث عن تجربة عربية واعدة عايشتها منذ ولادتها، وإلى يومنا هذا. إنها قصة المجلس العربي للاختصاصات الصحية الذي احتفلنا منذ بضعة أيام بعيد ميلاده الخامس والأربعين على شواطئ البحر الميت في القطر الأردني الشقيق.

بدأت ولادة المجلس منذ خمس وأربعين سنة، أثناء فترة الزخم القومي الوحدوي الجارف، كاقتراح لإنشاء المجلس من قطر عربي، البحرين، والذي قُدم لمجلس وزراء الصحة للدول العربية في الخليج العربي. وقد استجاب مجلس الوزراء يومها في الحال، وقدمه بدوره لمجلس وزراء الصحة العرب أثناء اجتماع له في ليبيا في عام 1976، بدوره وافق هو الآخر.

وهكذا، وبتوفر الفكر الوحدوي، وبتوفر إرادة وحماس لكل خطوة وحدوية عند الأغلبية الساحقة من وزارات الصحة العربية أصبح المجلس العربي للتخصصات الطبية واقعاً عربياً وحدوياً في عام 1978.

وبحماس شديد وافق القطر العربي السوري الشقيق، على التبرع بمبنى كمركز للمجلس، وبمساعدة سنوية سخية إلى أبعد الحدود، من أجل تكاليف إدارة المجلس من دمشق، قلب العروبة النابض.

لقد بدأ المجلس ببرنامج تدريبي متكامل، وشهادة تخصصية عليا مماثلة لشهادات أكثر الدول تقدماً، لتخريج أخصائيين استشاريين في أربعة تخصصات لينتهي الآن ببرامج تدريبية وشهادات عليا نالها أكثر من خمس وعشرين ألف متدرب ومتدربة، في تسعة وخمسين تخصصاً صحياً.

ومنذ بدء قيامه، كان المجلس حصيلة تعاون تام بين مجلس وزارة الصحة العرب، وعدد من وزارات الصحة ووزارات التعليم العالي وكليات الطب، التي تمثلت في هيئة عليا ومجلس تنفيذي ومجالس علمية تخصصية، للإشراف على ووضع الضوابط العلمية والتنظيمية ولإدارة المجلس بصورة مستقلة غير خاضعة إلا للهيئة العليا الخاضعة بدورها لنظام أساسي ولوائح داخلية وخطط استراتيجية خمسية.

ومن أجل تأكيد صفته القومية أصبح المجلس واحداً من المؤسسات المنخرطة في منظومة الجامعة العربية التي أعانته هي الأخرى على الاستمرارية والنمو. وهكذا تحقق الهدف الأساسي من تكوين المجلس: تقليل نزيف وهجرة العقول والقدرات العلمية العربية في حقول الطب والصحة إلى خارج الوطن العربي، وإبقاء تلك العقول والقدرات لخدمة شعوب الوطن العربي.

هذا سرد لإنجاز عربي مشترك ساهم في حل مشكلة عربية عامة من خلال الإيمان بالمصير العربي الواحد، وبالتالي العمل العربي المتضامن الواحد، نقدمه لشابات وشباب الأمة كأنموذج للطريق الوحدوي العروبي الذي نتمنى أن يسلكوه بوعي وإصرار وإرادة من أجل إنهاض أمتهم وخدمة شعوبهم، وتأكيد ذواتهم وعيش الكثير من أحلامهم.

نقلا عن الخليج