تتربع المنطقة العربية على قمة المناطق المستوردة للغذاء فى العالم وبنسب تجاوزت 65% من احتياجاتها من السلع الأساسية، وبإجمالى إنفاق تجاوز 100 مليار دولار، وهذا مايضعها فى مشكلة مع أى اضطراب فى أسواق الغذاء العالمية سواء بسبب ارتفاع أسعار البترول أو بسبب الحروب فى الدول المصدرة للغذاء، أو بسبب الجفاف والقحط وتغيرات المناخ التى تضرب بعض دول إنتاج الغذاء كما هو حادث حاليا فى إنتاج القمح الشتوى فى الهند بسبب ارتفاع الحرارة المفاجئ هناك خلال شهرى مارس وأبريل. هناك سببان رئيسيان لانعدام الأمن الغذائى العربى أولهما أسباب خارجة عن الإرادة مثل نقص الموارد المائية من الأنهار والأمطار والمياه الجوفية، وكذا نقص الترب الزراعية وسوء توزيعها فى المنطقة العربية وارتفاع درجات الحرارة بما يؤدى إلى استيراد الماء من مناطق الوفرة الزراعية على صورة غذاء ومواد خام. السبب الثانى يعود إلى تخلف الزراعة العربية عن الركب العالمى فى الزراعة المتقدمة والذكية والحديثة، حيث مازال الفأس والمنجل والشرشرة والزراعة اليدوية والحصاد البدائى مسيطر على غالبية زراعات المنطقة العربية، حيث لا يزيد استخدام الآلة والجرارات الزراعية عن نصف مثيلاتها عالميا، وكذلك تراجع معدلات إضافة الأسمدة الكيماوية عن الموصى به عالميا وعدم استخدام التقاوى عالية الإنتاجية وبالتالي، لايتجاوز إنتاج الأراضى العربية نصف المعدلات العالمية رغم أن بدايات الزراعة انطلقت من وادى النيل وبلاد مابين النهرين فى مصر والعراق. وتستطيع البلدان العربية تقليص نسبة الفجوة الغذائية إلى النصف بالاستثمار فى التحديث الزراعى واستخدام التقاوى عالية الإنتاجية والمعدلات السمادية العالمية، ولعل ماقامت به دولة فتية مثل الإمارات العربية المتحدة والتى فاقت صادراتها الزراعية وصناعتها الغذائية عن معدلات مثيلاتها فى دول عربية عريقة فى الزراعة يكون مثالا يحتذى به. الندرة الفيزيائية فى الموارد الزراعية فى المنطقة العربية من شح المياه ونقص الأراضى القابلة للزراعة وارتفاع الحرارة والبخر العالى لاعلاج لها حاليا إلا باستيراد الغذاء أو الزراعة فى بلدان الوفرة الزراعية لحساب المنطقة العربية بسبب وقوع أغلب الدول العربية فى منطقة الصحراء الكبرى والتى تمتد من دول الخليج وحتى المغرب وموريتانيا. الاعتماد على استيراد الغذاء من البورصات العالمية يضعنا تحت ضغوط مضاربات البورصات وتذبذب إنتاج الغذاء عالميا بسبب الاحترار العالمى أو تعمد تقليص مساحات زراعات بعض الحاصلات الإستراتيجية مثل القمح والأرز ومحاصيل الزيوت لرفع أسعارها وتحقيق عائد أكبر، أو بسبب تراجع الإنتاجية فى دول تحقق الاكتفاء الذاتى من محاصيل الحبوب خاصة الدول كثيفة السكان مثل الصين والهند وبنجلاديش وباكستان ومعها مصر والمنطقة العربية، وكذا الحروب بين الدول المصدرة للغذاء كما هو حادث الآن فى الأزمة الأوكرانية وخروج ثُلت الصادرات الغذائية من تجارة الغذاء العالمى ونحو ثلاثة أرباع صادرات زيوت عباد الشمس من التجارة العالمية بما خلق أزمة طاحنة عالميا سواء فى أسعار القمح والحبوب التى ارتفعت بنحو 34% أو زيوت الطعام التى أرتفعت بنسبة 60%، والتى حددت بعض الدول الأوروبية بألا يزيد شراء الفرد على زجاجة واحدة من الزيوت بحجم لتر حتى تنتهى الأزمة الحالية وتتراجع أسعار البترول ومعها أسعار الغذاء العالمي.
لا يبدو فى الأفق أن الأزمة الأوكرانية سوف تنتهى قريبا ولا أن البترول سيعود إلى سعر 60 دولارا للبرميل، وبالتالى سيستمر خروج ثلث صادرات الغذاء فى العالم عن الخدمة ومعها ارتفاع أسعار البترول والتى تدخل فى إنتاج الغذاء بنسبة 33% أخرى وبالتالى فعلى الدول العربية أن تبحث عن حل عاجل للتعامل السريع سواء مع أزمة إمداد الغذاء أو مع ارتفاع أسعاره التى تهدد بزيادة نسبة الفقر والجوع فى المنطقة العربية خاصة فى الدول غير البترولية وانضمام الطبقة الوسطى إلى طبقة الفقراء. بعض الدول العربية لجأت فرادى للاستثمار الزراعى فى بعض بلدان الوفرة الزراعية فى الفلبين وتايلاند وتركيا واندونيسيا، وبعض دول منابع النيل وبعض دول أمريكا الجنوبية، ولكن الأمر يحتاج إلى أن تذهب الدول العربية للاستثمار الزراعى الخارجى تحت مظلة جامعة الدول العربية والتخطيط المستقبلى حتى عام 2050 لاحتياجات 22 دولة عربية من الحبوب والزيوت ومختلف صنوف الغذاء وإعادة هيكلة السياسات الزراعية العربية سواء بالتحديث والذكاء الزراعى أو بزراعة الحاصلات الإستراتيجية التى تمثل أغلب الواردات العربية، حيث لا تكتفى المنطقة العربية مجتمعة إلا من الخضراوات والفاكهة والبطاطس والأسماك، وأن استمرار استيراد الغذاء من المناشئ الأساسية الكبرى لتصدير الغذاء سوف يضعنا فى تبعية غذائية تليها احتمالية التبعية السياسية أيضا كما رأينا مؤخرا فى قصر روسيا تصديرها للغذاء إلا إلى الأصدقاء الذين يؤيدون الموقف الروسي، وتحويل أمريكا شحنة قمح متجهة إلى دولة عربية وتحويلها إلى دولة حليفة فى أوروبا.
الزراعة فى الخارج فى بلدان الوفرة الزراعية تحت مظلة اتحاد عربى برعاية الجامعة العربية تتطلب التخطيط للزراعة فى نصفى الكرة الأرضية الشمالى والجنوبى لضمان إمدادات الغذاء طوال العام مثل الاستثمار الزراعى فى الأرجنتين والبرازيل ودول جنوب إفريقيا، وأيضا فى كندا وأمريكا وبعض البلدان الأوروبية وفى روسيا والمجر ورومانيا وتركيا، وبعض دول جنوب شرق آسيا، شريطة موافقة هذه الدول على تخصيص أراض زراعية قابلة للزراعة الفورية وليست أراضى استصلاح تتطلب سنوات من الجهد والمال والتقنيات حتى تدخل فى الزراعة وتبدأ فى الإنتاج كما حدث فى تجارب مصرية مع بعض دول التحالف الروسى للاستثمار الزراعى فيها فى بداية الألفية الحالية. مستقبل الأمن الغذائى العربى حتى عام 2050 يحتاج إلى تخطيط ودراسات مستقبلية عن احتياجات المنطقة العربية مجتمعة من الحبوب والزيوت ومختلف صنوف الغذاء ثم تحديد المساحات التى ينبغى زراعتها سواء كان داخليا أو خارجيا مع زراعة مطورة حديثة .
نقلا عن الأهرام