قام وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، لأول مرة منذ اثنى عشر عاماً، بزيارة دمشق، حيث التقى الرئيس السوري بشار الأسد، في 15 فبراير الجاري. وتطرح زيارة الصفدي، إضافة إلى الدوافع الإنسانية، في هذا التوقيت الذي يحمل دلالات مهمة، عدداً من الأسباب الرئيسية للانفتاح الأردني على سوريا؛ منها ما يتعلق بالمسائل السياسية وإشكاليات اللاجئين السوريين في الأردن، ومنها ما يختص بالأمور الاقتصادية وأهمية الجارة الشمالية إلى الأردن، من منظور أن الأخيرة هى أكثر الدول تضرراً بالأزمة في سوريا.
وفي تصريح لقناة “المملكة” الأردنية من مطار دمشق الدولي، أكد الصفدي أن زيارته إلى دمشق “كانت محطة لبحث العلاقات بين الأردن وسوريا، والجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي يُنهي الأزمة ويُنهي هذه الكارثة”.
دوافع متعددة
تسعى عمّان جاهدة إلى محاولة حلحلة الصراع السوري الذي اقترب من عامه الثاني عشر، وتلافي المزيد من التعقيدات التي قد تؤدي في محصلتها إلى إطالة عمر الأزمة السورية، وبالتالي إلى تعايش قسري مع آثارها التي تُفاقم معاناة الأردن اقتصادياً وسياسياً، واجتماعياً أيضاً.
والمُلاحظ أن هناك عدداً من الأسباب الدافعة إلى الانفتاح الأردني على سوريا، في هذا التوقيت، لعل أهمها ما يلي:
1- السعى إلى حل سياسي يُنهي الأزمة السورية: تبذل الأردن جهوداً حثيثة من أجل الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية من منظور أنها ضمن أكثر المُتضررين من الأوضاع الحالية في الجارة الشمالية له. وقد سبق لوزير الخارجية الأردني أن أعلن، في 28 سبتمبر الماضي، أن بلاده تحشد “لدعم إقليمي ودولي لعملية سياسية يقودها العرب في سبيل إنهاء الحرب المستمرة في سوريا منذ 11 عاماً”.
واللافت أن زيارة الصفدي إلى دمشق للمرة الأولى منذ عام 2011، تأتي بعد عقد مباحثات روسية–أردنية مستمرة، تركزت حول الأزمة السورية ومحاولة إيجاد حل سياسي شامل لها، فضلاً عن وجود أخطار على الحدود بين البلدين تعدّها عمّان تهديداً لأمن البلاد. وسبق أن قام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بزيارة الأردن، في 3 نوفمبر الماضي، حيث عقد مباحثات مع أيمن الصفدي، أكد خلالها الأخير أن “الوجود الروسي في جنوبي سوريا عامل استقرار في ظل الظروف الراهنة”؛ لافتاً إلى “ضرورة التنسيق بين الأردن وروسيا بشأن الوضع في الجنوب السوري”.
2- تزايد أهمية تطبيع العلاقات مع دمشق: منذ أكثر من عامين، وتحديداً في 2021، أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، أن الأردن هو “ثاني أكثر دولة تضرراً بعد سوريا، جراء العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية، إلى جانب أن الأردن تحتاج إلى التعامل مع الحكومة السورية، باعتبار أن الأردن تستضيف أكثر من مليون لاجئ سوري”. ولعل تصريحات الملك الأردني هذه، وصولاً إلى زيارة الصفدي إلى دمشق مؤخراً، تؤشر إلى إدراك الأردن فعلياً لأهمية العلاقات مع سوريا.
إذ تعتبر العلاقات التجارية بين دمشق وعمّان طوق نجاة للاقتصاد في كلا البلدين، حيث يواجهان تحديات إقليمية جراء ما يحدث من صراع في الداخل السوري. فالعلاقات الاقتصادية بين الجارتين لا يمكن فصلها، والأردن هى المستفيد الأكبر باعتبار أن سوريا دولة منتجة زراعياً، وكانت تزود الأردن بالمياه. ومن ثم تركز الأردن على محاولة التقليل من حدة التأزم الاقتصادي الذي تعاني منه، عبر إعادة تطبيع العلاقات مع سوريا؛ خاصة أنها تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة، إذ أظهرت إحصاءات وزارة المالية الأردنية، التي نشرت على الموقع الإلكتروني للوزارة، في أغسطس الماضي، أن الدين العام للأردن وصل، نهاية مايو 2022، إلى 19.4 مليار دولار، وأن الدين الخارجي قارب 21.4 مليار دولار.
3- تخفيف الضغوط الناتجة عن اللاجئين السوريين: كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، قد حذر، في 11 سبتمبر الماضي، خلال استقباله المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، فيليبو غراندي، من “التدني اللافت في الدعم الدولي للاجئين في المنطقة”؛ وكانت هذه إشارة إلى أن الأردن تستضيف نحو 650 ألف لاجئ سوري مُسجلين لدى الأمم المتحدة، بينما تُقدر عمّان عدد الذين لجأوا إلى المملكة بنحو 1.3 مليون شخص.
وبالتالي، تأتي أهمية تصريح الصفدي لقناة “المملكة” الأردنية، في ختام زيارته إلى دمشق، بأنه “بحث خلال لقائه بالرئيس السوري بشار الأسد، ووزير الخارجية فيصل المقداد، الجهود المبذولة لتهيئة الظروف التي تسمح بالعودة الطوعية للاجئين، وتُخلص سوريا من الإرهاب الذي يُشكل خطراً علينا جميعاً”؛ خاصة أن هناك تقارير محلية تُحذر من أزمة كبيرة قد تواجه اللاجئين السوريين في الأردن، تجعلهم غير قادرين على تأمين الحياة الكريمة، خاصة مع تأكيد الأردن أن تكلفة اللاجئين على أراضيها تتجاوز 12 مليار دولار سنوياً.
4- التفاعل الإيجابي مع تعليق “قانون قيصر”: عندما تقوم وزارة الخزانة الأمريكية بتعليق “قانون قيصر”، كي تصل المعونات لسوريا بسبب الزلزال، فهذا الإجراء يفتح الباب لدول أخرى لإعادة التواصل مع سوريا، ويأتي في مقدمتها الأردن التي تفاعلت إيجابياً مع هذا الإجراء.
والحاصل أن الأردن لم تقطع علاقاتها أبداً مع سوريا، لكن علاقاتها مضطربة منذ أمد طويل مع جارتها الشمالية، وكانت الأردن تدعم، في وقت سابق، جماعات المعارضة الرئيسية التي سعت للإطاحة بالرئيس السوري، لكنها لاحقاً دعمت الحملة العسكرية بقيادة روسيا التي استعادت الجنوب السوري من تلك الجماعات، بما يُمثله ذلك من أهمية أمنية بالنسبة إلى الأردن. ومن ثم يبدو أن الأخيرة، وإن كان مُضطرة إلى التقارب مع سوريا، فإنها قرأت جيداً دلالة تعليق “قانون قيصر” الأمريكي، ودلالة التوقيت، في الانفتاح على سوريا.
وفي هذا تعتمد الأردن على أن التمسك بسياسات “كل شيء أو لا شيء”، أصبح من الماضي، وأن الخطوة الأمريكية الأخيرة، إضافة إلى الوجود الروسي وهزيمة الإرهاب، كل هذه العوامل سوف تؤسس لمشهد جديد، سيفرض نفسه كعامل مثبت لاستقرار طويل الأمد، يفرض بدوره الاعتراف بمفاعيله كأمر واقع في منطقة “الهلال الخصيب”.
خطوة جديدة
يمكن القول إن زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الأولى منذ اثنى عشر عاماً، إلى سوريا، تقاطعت بين المسارات الإنسانية والدبلوماسية والسياسية، لتُشكل في مجملها “خطوة انفتاح” جديدة في العلاقات الأردنية-السورية. بل، كما يبدو من دلالات الزيارة، وتوقيتها، فإنها تجمع بين موقف الأردن، من المنظور الإنساني، تجاه سوريا وتداعيات ما تعرضت له من آثار الزلزال المُدمر لبعض محافظاتها، وبين موقف عمّان السياسي بضرورة الخروج بحل سياسي للأزمة السورية؛ خاصة أن الأردن هى أكثر الدول تضرراً جراء ما يحدث في الداخل السوري وتداعياته السياسية والاقتصادية، وربما الاجتماعية، على الداخل الأردني.