جدل متصاعد:
أسباب معارضة الضربات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط

جدل متصاعد:

أسباب معارضة الضربات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط



أثار الإعلان عن إجراء وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تحقيق في الضربة الجوية التي أدت إلى مقتل ١٠ مدنيين بأفغانستان في ٢٩ أغسطس الماضي، والتي اعتبرت “خطأ مفجعاً” لتفسير المعلومات الاستخباراتية بصورة غير دقيقة، تساؤلات في الداخل الأمريكي حول جدوى الضربات العسكرية الأمريكية ضد التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما مع تصاعد الجدل داخل الأوساط الأمريكية حول شرعية تلك الضربات، ومدى اتفاقها مع القوانين الأمريكية، خاصة أن هذا الجدل توازى مع ما كشفت عنه صحيفة “نيويورك تايمز”، في ١٣ نوفمبر الجاري، من أن غارة جوية لم يعلن عنها نفذتها القوات الأمريكية، في ١٨ مارس ٢٠١٩ خلال الأيام الأخيرة من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، أدت إلى مقتل عشرات من النساء والأطفال، وأن بعض المسئولين بوزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية شككوا في شرعية الضربة وفيما إذا كانت تشكل جريمة حرب.

دوافع مختلفة

من هنا، يمكن تفسير أسباب تزايد الاتجاه نحو تقديم مشاريع قوانين متعددة تُقوِّض من سلطة الرئيس للتوجيه بشن مثل هذه الضربات بدون الرجوع إلى المؤسسة التشريعية التي يُخوِّلها الدستور الموافقة على العمليات العسكرية في الخارج. ويرفض الكثيرون داخل الولايات المتحدة الأمريكية الغارات العسكرية التي تشنها القوات الأمريكية من حين لآخر في منطقة الشرق الأوسط، وتتمثل أبرز أسباب رفضهم لها فيما يلي:

1- استهداف الضربات العسكرية الأمريكية للمدنيين: كثيراً ما وُجِّهت انتقادات للعمليات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، لأنها تسفر- إلى جانب تصفية الإرهابيين أو بعض قادة وعناصر المليشيات المسلحة-عن مقتل عشرات المدنيين من بينهم نساء وأطفال. وقد أشار تقرير صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن الضربة الجوية التي لم يعلن عنها في منطقة الباغوز قد أدت إلى مقتل ٨٠ شخصاً، وبحسب القيادة المركزية الأمريكية كان ١٦ مسلحاً و4 مدنيين من القتلى، ولم توضح ما إذا كان الستون الباقون مدنيين أم لا، وذلك يعود إلى أن النساء والأطفال في تنظيم “داعش” كانوا يحملون السلاح في كثير من الأحيان وفقاً لها. ويعتبر التقرير الغارة الأمريكية في الباغوز واحدة من أكبر العمليات العسكرية الأمريكية التي أسفرت عن ضحايا مدنيين في الحرب ضد تنظيم “داعش”، بينما لم يعترف بها الجيش الأمريكي علناً. وقد أقر الأخير، في 4 نوفمبر الجاري، بأن ضربة عسكرية فاشلة في كابول، في 29 أغسطس الماضي، أدت إلى مقتل 10 مدنيين من بينهم 7 أطفال.

وقد دفع تزايد عدد المدنيين الذين يقتلون في الضربات الجوية الأمريكية في العراق وأفغانستان المسئولين بمنظمة الأمم المتحدة إلى مطالبة القوات الأمريكية بمزيد من الحرص في العمليات العسكرية لحماية المدنيين. وفي أعقاب العديد من التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام الأمريكية التي تتحدث عن إصابة مدنيين في ضربات عسكرية أمريكية في المنطقة، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جو كيربي أن “الوزارة ووزير الدفاع لويد أوستن يأخذان على محمل الجد الالتزام بتجنب إلحاق الأذى بالمدنيين في العمليات العسكرية”.

2- تزايد الاعتماد على الطائرات من دون طيار: بدأت اتجاهات عديدة داخل الولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى الفشل في معالجة المشاكل المنهجية الناتجة عن تزايد الاعتماد على حروب الطائرات من دون طيار، على نحو يجعل الخسائر المدنية في المستقبل حتمية، خاصة في ضوء التوسع في استخدام هذه النوعية من الأسلحة سواء من جانب واشنطن أو من قبل خصومها الإقليميين والدوليين.

3- عدم اتخاذ إجراءات قانونية ضد المسئولين: كان لافتاً أن بعض لجان تحقيق وزارة الدفاع الأمريكية في حوادث إصابة ضربات عسكرية أمريكية عشرات المدنيين، لم توصي باتخاذ إجراء قانوني أو تأديبي ضد المسئولين عن بعض تلك الضربات، وقد أثار ذلك موجة غضب داخل الأوساط الأمريكية. وفي هذا الشأن، قال السيناتور الديمقراطي كريس مورفي في تغريدة على موقع “تويتر”، في 17 سبتمبر الماضي: “عندما لا تكون هناك مسائلة وعواقب عن خطأ بهذا الحجم فإنه يبعث برسالة بأنه سيتم التسامح مع قتل الأطفال والمدنيين”.

4- تقويض سلطات الحرب الممنوحة للرئيس: مع شن الرؤساء الأمريكيين- الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء- ضربات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط ضد التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة بدون الرجوع إلى الكونجرس، استناداً على تفويض عامي 2001 و2002، سعى العديد من أعضاء الكونجرس إلى تقييد سلطات الحرب للرئيس الأمريكي واستخدام القوة العسكرية بدون الرجوع إلى المؤسسة التشريعية. وقد قدموا العديد من مشاريع القوانين في هذا الشأن لتعديل التفويضين خوفاً من أن يؤدي استخدام الرئيس الأمريكي لهما بدون قيود إلى دفع القوات الأمريكية للانخراط في حرب جديدة في المنطقة، في وقت يدعون إلى إنهاء الحروب اللانهائية في الخارج.

5- مخاوف من استهداف القوات الأمريكية في المنطقة: تتصاعد المخاوف داخل الولايات المتحدة الأمريكية من أن تزايد العمليات العسكرية الأمريكية ضد المليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية في المنطقة سيكون له تداعيات سلبية على المواطنين والقوات العسكرية الأمريكية، حيث قد تدفع خصوم واشنطن إلى شن هجمات ضد القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة، على نحو بدا جلياً في الهجوم على قاعدة التنف العسكرية في سوريا في ٢٠ أكتوبر الفائت، والذي جاء رداً على استهداف القوات العسكرية الأمريكية مواقع عسكرية إيرانية في سوريا. وفي رد على تلك المخاوف، ذكرت الإدارة الأمريكية أنها تتخذ الإجراءات الضرورية والمناسبة والمدروسة عند شن ضربات عسكرية ضد المليشيات المسلحة في المنطقة، بهدف الحد من مخاطر التصعيد، فضلاً عن توجيه رسالة ردع واضحة لا لبس فيها لخصومها.

اتجاهان رئيسيان

بينما يرفض تيار متصاعد داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ولاسيما في مجلسي النواب والشيوخ مع تزايد دور التيار التقدمي داخلهما، الضربات العسكرية الأمريكية استناداً للأسباب السابقة، فإن هناك تياراً آخر يرى أن تلك الضربات ضرورية لتوجيه رسالة بأن الإدارة الأمريكية ملتزمة بحماية الأمريكيين المنتشرين في بعض دول المنطقة وقوات التحالف التي تقدم الدعم للقوات الأمريكية، وأن هناك تكلفة عالية للهجمات التي يشنها الخصوم، لاسيما إيران التي تتبنى سياسات تهدد أمن واستقرار المنطقة. بيد أن ارتفاع عدد القتلى من المدنيين خلال الضربات العسكرية الأمريكية الاستباقية والإجهاضية للتنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة الموالية لإيران، ورفض بعض المُشرِّعين والمنظمات الحقوقية الأمريكية لها، ربما يدفع وزارة الدفاع الأمريكية إلى مراجعة الإجراءات التي تسبق الضربات لتقييم مدى إمكانية حدوث خسائر في صفوف المدنيين، والتي تذكر في معظم التقارير الخاصة بالتحقيقات التي تجري في العمليات العسكرية الأمريكية بالمنطقة.