ارتدادات التصعيد:
أسباب فرض عقوبات أمريكية جديدة على برنامج المُسيَّرات الإيرانية

ارتدادات التصعيد:

أسباب فرض عقوبات أمريكية جديدة على برنامج المُسيَّرات الإيرانية



بدأت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في رفع مستوى ضغوطها مجدداً على إيران، في ظل اتساع نطاق الخلافات بين الطرفين، وعدم نجاح المفاوضات التي أُجريت خلال الفترة الماضية في تسوية بعضها على الأقل. ففي هذا السياق، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، في 19 ديسمبر الجاري، عن فرض عقوبات جديدة على شبكة تضم 10 كيانات و4 أفراد مقرهم في إيران وماليزيا وإندونيسيا وهونج كونج بتهمة دعم برنامج المُسيَّرات الذي تقوم إيران بتطويره، عبر شراء مكونات تُقدر قيمتها بمئات الآلاف من الدولارات لمساعدة القوة الجوية في منظمة “جهاد الاكتفاء الذاتي” التابعة للحرس الثوري على تحقيق مزيد من التقدم في هذا البرنامج.

واللافت في هذا السياق، هو أن هذه العقوبات والاتهامات تلقي الضوء على الجهود التي تبذلها إيران من أجل الحصول على بعض المكونات التي يمكن أن تساعدها في تطوير برنامج المُسيَّرات، وهي السياسة نفسها التي اتّبعتها قبل ذلك في تطوير البرنامجين النووي والصاروخي.

وقد وصل الأمر إلى حد اتهامها بمحاولة الحصول على بعض تلك المكونات من داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، على نحو يبدو جلياً في إعلان القضاء الأمريكي، في اليوم نفسه، عن توجيه اتهامات لرجلين أحدهما إيراني والآخر صيني بمحاولة شراء مكونات تكنولوجية أمريكية الصنع يمكن استخدامها في المجالين السلمي والعسكري، بالمخالفة للقانون الأمريكي والقيام بعد ذلك بمحاولة نقلها إلى إيران.

اعتبارات عديدة

يمكن تفسير توقيت فرض عقوبات جديدة على برنامج المُسيَّرات الذي تعمل إيران على تطويره في المرحلة الحالية في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تزايد الهجمات ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا: لا يمكن فصل اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض عقوبات جديدة على برنامج المُسيَّرات الإيرانية عن اتساع نطاق الهجمات التي تشنها المليشيات الموالية لإيران في كل من العراق وسوريا، وهو المسار الذي بدأ مع قيام إسرائيل بشنّ عملياتها العسكرية داخل قطاع غزة بعد تنفيذ “كتائب القسام”- الذراع العسكرية لحركة حماس- عملية “طوفان الأقصى” داخل غلاف غزة في 7 أكتوبر الماضي.

وبحسب تقديرات عديدة، فقد وصل عدد الهجمات التي تعرضت لها القواعد الأمريكية في العراق وسوريا خلال الفترة من 17 أكتوبر وحتى 18 ديسمبر الجاري، إلى نحو 101 هجوم، منها 46 في العراق و55 في سوريا.

وتُوجّه واشنطن اتهامات مباشرة إلى طهران بأنها مسئولة عن تصاعد حدة تلك الهجمات في ضوء النفوذ الذي تمتلكه لدى تلك المليشيات، والذي يمكنها -في رؤية الأولى- من ضبط ردود فعل تلك المليشيات إزاء التطورات الميدانية التي تجري في قطاع غزة بما يتوافق مع مصالحها وحساباتها.

2- تصاعد تهديدات الحوثيين للملاحة الإسرائيلية: توازت هذه الخطوة الجديدة التي أقدمت عليها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مع بداية التحرك على المستوى الدولي لتشكيل قوة بحرية جديدة من أجل التعامل مع التهديدات التي تفرضها الهجمات التي تشنها المليشيا الحوثية في اليمن ضد السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل. وتستخدم المليشيا في هذا الصدد الطائرات من دون طيار والصواريخ الباليستية، وهي آليات ترى واشنطن أن إيران كان لها دور بارز إما في نقلها إلى داخل اليمن أو تطويرها وتدريب عناصر المليشيا على استخدامها.

وقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل، في 19 ديسمبر الجاري، عن تشكيل قوة بحرية جديدة تحت اسم “قوة حماية الازدهار” والتي تضم 10 دول من أجل حماية حركة التجارة في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهي الخطوة التي سبق أن وجهت إيران تهديدات إزاءها، حيث قال وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني، قبل ذلك بخمسة أيام، إن “أي محاولة لتشكيل هذه القوة سوف تفرض مشكلات استثنائية في مواجهة الدول المشاركة فيها”.

3- رفع الحظر الأممي عن برنامج الصواريخ الباليستية: رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية، والدول الغربية بشكل عام، لم تستطع منع رفع الحظر الأممي المفروض على الأنشطة المرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، في 18 أكتوبر الماضي؛ إلا أنها لم تتوقف عن محاولات الرد على ذلك. ففضلاً عن حرص تلك الدول على الإبقاء على العقوبات الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية قائمة حتى بعد رفع الحظر الأممي، الذي روجت إيران إلى أنه يمثل نجاحاً لها في مواجهة الضغوط الغربية؛ فإنها تحاول في الوقت نفسه تقليص الخيارات المتاحة أمام إيران للاستمرار في تطوير برنامجي الصواريخ الباليستية والمُسيَّرات، وذلك عبر فرض عقوبات على الشركات والأفراد الذين تتهمهم بدعم الجهود التي تبذلها إيران للالتفاف على تلك العقوبات والحصول على مكونات للبرنامجين حتى من داخل الدول الغربية نفسها.

4- الدعم العسكري الإيراني لروسيا: رغم أن الجدل الذي تصاعدت حدته بين إيران والدول الغربية حول الاتهامات التي توجهها الأخيرة إلى الأولى بتقديم دعم عسكري لروسيا لمساعدتها في إدارة عملياتها العسكرية داخل أوكرانيا، تراجع إلى حد ما، خلال الأشهر الأخيرة، خاصة مع بدء الحرب الإسرائيلية داخل قطاع غزة؛ إلا أنه سرعان ما سيتجدد مرة أخرى، في ظل استمرار تصاعد حدة الحرب في أوكرانيا، ومحاولة روسيا توظيف الانشغال الدولي بالحرب في قطاع غزة من أجل تحقيق تقدم ميداني نوعي يعزز من موقعها في مواجهة الضغوط والعقوبات الغربية.

وفي هذا الصدد، لا تستبعد الدول الغربية أن تتجه إيران إلى استغلال رفع الحظر الأممي عن الأنشطة المرتبطة ببرنامج الصواريخ الباليستية، من أجل تعزيز تعاونها العسكري مع روسيا، خاصة أنها تستعد في الفترة القادمة، للحصول على مقاتلات “سوخوي 35” من الأخيرة، في إطار الصفقة التي أشار إليها أكثر من مسئول إيراني، رغم حرص روسيا على عدم الخوض في الجدل الذي صاحب ذلك.

تحرك مضاد

رغم أن إيران تحرص دائماً على التقليل من أهمية وتأثير العقوبات التي تفرضها الدول الغربية عليها؛ إلا أن ذلك لا ينفي أنها ربما تتجه إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية للرد على تلك العقوبات، خاصة أنها تسعى بدورها إلى استغلال الانشغال الغربي بالحرب في غزة لتحقيق تقدم في البرامج السابق الحديث عنه، على نحو يبدو جلياً في إعلانها عن زيادة كمية اليورانيوم المخصب التي تمتلكها بنسب مختلفة بنحو 690 كيلوجراماً خلال الفترة ما بين أغسطس وحتى ديسمبر 2023، فضلاً عن نشر مسيرات “كرار” بعيدة المدى التي تم تزويدها بصواريخ “جو-جو” لتعزيز منظوماتها الدفاعية.