أزمة محتملة:
لماذا رفضت الصومال طلب إثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر؟

أزمة محتملة:

لماذا رفضت الصومال طلب إثيوبيا الوصول إلى البحر الأحمر؟



أثارت دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لاستعادة الوصول إلى البحر الأحمر مخاوف الحكومة الصومالية من أن يؤدي ذلك إلى تهديد سلامتها الإقليمية، حيث تطمح أديس أبابا في بناء وامتلاك قاعدة بحرية لها على البحر الأحمر، والحصول على تسهيلات للوصول إلى هذا البحر. ويستند رئيس الوزراء الإثيوبي في هذا الصدد إلى ما أسماه “أسباباً تاريخية وجغرافية وعرقية واقتصادية”، حيث قال إن “عدم القدرة على الوصول إلى البحر ستكون مصدراً محتملاً للصراع في المستقبل”.

لذلك، يتوقع أن تتجه التحركات الإثيوبية في المستقبل في أحد مسارين محتملين: أولهما، التصعيد العسكري للاستيلاء على مناطق داخل الصومال. وثانيهما، التفاوض مع أرض الصومال وجيبوتي من أجل إبرام صفقة لبناء قاعدة لوجستية وقاعدة بحرية لتعزيز ودعم القوة العسكرية والبحرية لإثيوبيا.

دوافع عديدة

هذه التحركات الإثيوبية قوبلت برفض من جانب الصومال، حيث نشرت وكالة “بلومبورج” الأمريكية تقريراً، في 13 أكتوبر الجاري، كشفت فيه أن الصومال لم تتجاوب مع طلب إثيوبيا الانخراط في مفاوضات من أجل منحها حق الوصول إلى ميناء على البحر الأحمر. ويمكن القول إن ثمة جملة من الدوافع التي تقف خلف حرص الصومال على تبني هذا الموقف، يتمثل أبرزها في:

1- الإشارة إلى حقوق تاريخية لإثيوبيا: استحضر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المنظور التاريخي لرأس علولا أبانيجا، المحارب الحبشي في القرن التاسع عشر، الذي اعتبر البحر الأحمر بمثابة “الحدود الطبيعية” لإثيوبيا. ومن ثم، تحدث آبي أحمد عن حقوق تاريخية لبلاده لم يوضح تفاصيلها، وأكد أن بلاده لديها حقوق طبيعية في الوصول مباشرة إلى البحر الأحمر، وأكد على موقع إثيوبيا بين البحر الأحمر والنيل، قائلاً: “ليس من الصواب أن نقول هذه المياه “النيل” تهم إثيوبيا وهذه المياه “البحر الأحمر” لا تهم، الطبيعة لا تقول ذلك”، وهو ما يعني، وفقاً لهذه الرؤية، أنه يجب على دول الجوار، بما في ذلك الصومال، منح إثيوبيا تسهيلات للوصول إلى البحر الأحمر، وأن الأخيرة قد تسعى لتحقيق ذلك عبر وسائل أخرى، في حالة ما إذا تعثر التوافق.

2- التهديدات المحتملة للسلامة الإقليمية: وهو ما انعكس في الرد الصومالي على تصريحات آبي أحمد، حيث أكد وزير الدولة الصومالي للشئون الخارجية علي عمر أنه في حين أن “الصومال ملزمة بتعزيز السلام والأمن والتجارة والتكامل، إلا أنها غير ملزمة بتوفير الوصول إلى أصول استراتيجية مثل الميناء”، وهو ما يعني أن الصومال ترى أن الوصول إلى توافق مع إثيوبيا في هذا الشأن سوف يؤثر على السلامة الإقليمية للدولة في وقت تواجه فيه أزمات داخلية لا تبدو هينة، نتيحة تصاعد حدة الصراع مع حركة “شباب المجاهدين” الإرهابية.

3- تصاعد الطموحات البحرية لأديس أبابا: أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في خطابه أمام البرلمان الإثيوبي أن “البحر الأحمر والنيل سيحددان إثيوبيا”، مشيراً إلى أن “مناقشة مسألة الوصول إلى البحر الأحمر لا يجب أن تكون من المحرمات”. وهنا، فإن ذلك لا ينفصل عن اتجاه إثيوبيا إلى إعادة بناء قوتها البحرية وتأسيس أسطولها البحري، حيث تطمح في أن تكون قوة بحرية وتمتلك قواعد على البحر الأحمر، ومن ثم فإن الأمر، وفقاً لرؤية أديس أبابا، يرتبط بأهداف عسكرية أكثر من كونه تطلعاً للوصول إلى تسهيلات بحرية للشحن ونقل البضائع. وقد يشير ذلك إلى طموحات بحرية توسعية في دول الجوار، وربما يسفر عن محاولة احتلال أو اقتطاع أجزاء ومناطق من دول الجوار، وخاصة الموانئ المطلة على البحر الأحمر.

سيناريوهان محتملان

يبدو أن هناك مسارين محتملين للتحركات الإثيوبية في المستقبل من أجل الحصول على منفذ بحري على البحر الأحمر: يتمثل الأول، في التصعيد العسكري للاستيلاء على موانئ صومالية، حيث يوحي تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بأن “الوصول إلى البحر حق طبيعي لإثيوبيا” بأن الأخيرة لا تستبعد أياً من الخيارات المتاحة لتحقيق ذلك بما فيها الخيار العسكري.

وانطلاقاً من ذلك، قد تستغل إثيوبيا الأوضاع الأمنية المتدهورة في الصومال للتدخل من أجل الاستيلاء على أجزاء منها. ومع ذلك، فإن التصعيد العسكري من جانب إثيوبيا يظل مستبعداً في الوقت الحالي، وخاصة في ظل التوترات والصراعات الداخلية ولا سيما بين الحكومة وجيش تحرير الأورومو، فضلاً عن أن المشكلات الاقتصادية التي تواجهها البلاد لا توفر خيارات عديدة في هذا الصدد، حيث تأثرت الموارد المالية للبلاد بشدة بسبب انتشار الوباء العالمي “كوفيد-19” واستمرار الحرب الأهلية التي اندلعت منذ عامين وشارك فيها متمردون من منطقة تيغراي.

وينصرف الثاني، إلى إحراء مفاوضات من أجل بناء قاعدة بحرية في أرض الصومال أو جيبوتي، وهو السيناريو المرجح، حيث اقترح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن تَمنح حكومته 30% من أسهم الخطوط الجوية الإثيوبية، أو شركة “إثيو تيليكوم”، وهي شركة اتصالات إثيوبية تعمل كمزود رئيسي لخدمات الإنترنت والهاتف، مقابل حصص مماثلة في موانئ بالدول المجاورة.

وقد أشار آبي أحمد بالفعل إلى أن ميناء زيلع، وهو ميناء يقع في شمال أرض الصومال على بعد حوالي 17 كم من الحدود الصومالية مع جيبوتي، كان يخدم مدينة هرر الإثيوبية في السابق، وهو ما يعني أن الحكومة الإثيوبية تطمح في بناء قاعدة بحرية لها في تلك المنطقة.

وتحاول الحكومة الإثيوبية بالفعل إجراء مفاوضات مع بعض الدول مثل جيبوتي وأرض الصومال التي تسعى إلى اعتراف دولي بها. ورغم أن جيبوتي تبدو منفتحة على التفاوض مع الحكومة الإثيوبية في هذا السياق، حيث أكد ألكسيس محمد كبير مستشاري الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله، أن بلاده “ستنتظر أن تقترح إثيوبيا وسيلة سلمية للوصول إلى البحر الأحمر”، إلا أن ذلك لا يعني أنها تبنت موقفاً نهائياً في هذا الصدد، حيث أنها في انتظار ما سوف تؤول إليه التطورات في المنطقة، وتقييم الجدوى التي يمكن أن تنتج عن ذلك.

متغيرات حاكمة

ختاماً، تُبدي الحكومة الصومالية قلقاً من التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بشأن الحصول على تسهيلات للوصول إلى منفذ على البحر الأحمر، خاصة أنه لم يستبعد أياً من الخيارات المتاحة لتنفيذ ذلك. ومع ذلك، فإن تحديد مدى قدرة أديس أبابا على المضي قدماً في اتخاذ خطوات تنفيذية في هذا الصدد سيعتمد ليس فقط على مدى تغير التوازنات الداخلية لصالح الحكومة المركزية، وإنما أيضاً على مدى التوافق أو التباين في سياسات دول الجوار إزاء هذه الطموحات الإثيوبية.