تناقض مصالح:
أسباب تعثر مبادرة باتيلي حول الانتخابات في ليبيا

تناقض مصالح:

أسباب تعثر مبادرة باتيلي حول الانتخابات في ليبيا



في محاولة لإيجاد توافق وطني حول القوانين الانتخابية، يسعى المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، لطرح مُبادرة جديدة؛ تتعلق بدعوة الأطراف السياسية الرئيسية إلى طاولة حوار جديد، لحل الخلافات قبل إجراء الانتخابات؛ خاصة تلك الأطراف المُعترف بها دولياً، والتي تتمثل في المجلس الرئاسي، ومجلس النواب، وقيادة الجيش الوطني، وحكومة الوحدة الوطنية، والمجلس الأعلى للدولة.

إلا أن جهود باتيلي اصطدمت بعدد من العقبات، التي سوف تؤدي إلى إجهاضها قبل بدايتها؛ من بينها تباين مواقف الفرقاء الليبيين بين رفض وقبول، وحتى التشكيك في المبادرة والدعوة إلى الحوار؛ إضافة إلى تحفظ مجلس النواب على الدعوة، لكونها استبعدت حكومة “الاستقرار”، برئاسة أسامة حماد، المُكلفة من قِبل البرلمان؛ فيما التزمت أطراف سياسية أخرى الصمت حيال الدعوة. هذا، فضلاً عن الخلافات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بخصوص القوانين التي ستُجرى على أساسها الانتخابات.

دوافع رئيسية

تتعدد الأسباب التي تُساهم في تعثر مبادرة باتيلي، ودعوته للحوار في ليبيا، ويتمثل أبرزها في:

1- تباين المواقف من دعوة باتيلي للحوار: قوبلت دعوة باتيلي لما أُطلق عليه “الخمسة الكبار” للحوار، بمواقف متحفظة، وأُخرى تتضمن القبول الضمني، في حين رفضها بعض الأطراف السياسية، خاصة من يمثلون الجنوب الليبي.

فقد استبق أعضاء مجلسي النواب والدولة عن المنطقة الجنوبية، دعوة المبعوث الأممي بإصدار بيان مشترك يتضمن رفض الدعوة، من منظور أن باتيلي قد حصر الحل السياسي في ليبيا، في هؤلاء الخمسة الذين لا يوجد من بينهم من يُمثل الجنوب الليبي.

أيضاً، أعربت الحكومة المُكلفة من مجلس النواب- حكومة الاستقرار- عن استنكارها “إقحام حكومة منتهية الولاية”، في إشارة إلى حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة؛ مُعلنة الرفض القاطع لإشراك كل من حكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي في الحوار.

2- رفض مجلس النواب المشاركة في الحوار: أعلن البرلمان الليبي رفضه لدعوة باتيلي. ولم يتوقف الأمر عند حدود الرفض، ولكن المجلس اتهم، في بيان له، البعثة الأممية بـ”عدم الحياد والانحياز لأطراف معينة، وعمله على ترسيخ الانقسام والتشظي بين الليبيين”.

وانتقد مجلس النواب، في بيانه، موقف باتيلي من حكومة الاستقرار، المُكلفة من جانب المجلس، و”عدم دعوتها لهذا الحوار، رغم حصولها على الثقة، مقابل دعوة حكومة الوحدة الوطنية، رغم انتهاء مدتها القانونية”؛ بما يعني أن موقف مجلس النواب المُعلن برفض الدعوة إلى الحوار غير قابل للتغير، إلا إذا قام المبعوث الأممي بتوجيه الدعوة إلى حكومة أسامة حماد المُكلفة من جانب المجلس.

3- الخلافات بين مجلسى النواب والدولة: جاءت دعوة باتيلي استناداً إلى الاختلاف حول مُخرجات لجنة “6+6″، التي كانت قد شُكِلت من المجلسين، لأجل إعداد القوانين التي ستُجرى على أساسها الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولا سيما بعد اعتماد مجلس النواب، مطلع أكتوبر الماضي، نسخة معدلة من القوانين الانتخابية.

ورغم أن القوانين الانتخابية قد صدرت عن مجلس النواب الليبي، وفق ما نص عليه التعديل الدستوري “13”، المتوافق عليه مع المجلس الأعلى للدولة، وعن طريق لجنة “6+6” المشتركة بين المجلسين، ومن ثم لا يحق لأي كان رفضها؛ رغم ذلك، يأتي الخلاف عبر إصرار مجلس النواب على ضرورة تشكيل حكومة جديدة تتولى إدارة الانتخابات؛ في حين يتمسك مجلس الدولة بالنسخة غير المعدلة من القوانين، التي تم إنجازها من جانب اللجنة، مطلع يونيو الماضي، بعد اجتماعات مدينة بوزنيقة المغربية.

4- انتقادات الداخل الليبي للمبعوث الأممي: يواجه عبد الله باتيلي انتقادات متعددة في الداخل الليبي، تعود إلى بعض تحركاته وتصريحاته الأخيرة، خاصة تلك المتعلقة بالقوانين الانتخابية؛ حيث إنه، في الإحاطة الأخيرة له أمام مجلس الأمن الدولي، كان قد أعلن عن تحفظه على قوانين الانتخابات التي صادق عليها البرلمان، ووضعتها لجنة “6+6”.

يضاف إلى ذلك الاتهامات الخاصة بتجاوز باتيلي لصلاحياته، والتدخل في الشأن الليبي، من جانب بعض البرلمانيين والسياسيين الليبيين؛ وذلك بناءً على عدم أحقيته في التدخل في القوانين الانتخابية، سواء بالموافقة أو الرفض. وأيضاً، ما يحاول البعض اتهام باتيلي به، وفي مقدمتهم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، الذي اتهم باتيلي، في تصريحات لقنوات إعلامية محلية، منذ أيام، بمحاولة “التدخل في التشريعات، وهو ما يعني أن النظام القانوني في ليبيا سيكون خاضعاً لتأثيرات خارجية”.

5- عدم وجود “مبادرة” بالمعنى الدقيق للكلمة: إن ما طرحه المبعوث الأممي إلى ليبيا، مؤخراً، لا يحمل “مبادرة جديدة” بالمعنى الدقيق؛ بقدر ما يدور الحديث حول محاولة إعادة ما كان قد سبق وأن طرحه، في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، في أكتوبر الماضي، بدعوة القادة الرئيسيين في ليبيا للحوار، بهدف التوافق والإسراع بإجراء الانتخابات.

بل، من الواضح هو لجوء باتيلي إلى مبادرته المؤجلة، التي سبق أن أطلقها، في مارس الماضي، والتي تتعلق بـ”إنشاء لجنة على مستوى عالٍ، تجمع أصحاب المصلحة والقادة الليبيين، بمن فيهم ممثلو المؤسسات السياسية، والشخصيات السياسية المهمة على الساحة الليبية، وزعماء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى ممثلين عن النساء والشباب”.

أزمة ثقة

يُمكن القول إن ما يحاول المبعوث الأممي طرحه ليس مبادرة جديدة بقدر ما هو إعادة لما سبق أن أعلنه من ضرورة “إنشاء لجنة توجيهية رفيعة المستوى، لإعداد الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات”؛ تلك المؤجلة منذ عام 2021. واللافت، أن باتيلي، بعد عام من مهمته الأممية، يحاول من جديد طرق أبواب ساسة البلاد المتصارعين في ما بينهم حول السلطة.

رغم ذلك، فالملاحظ هو تباين مواقف هؤلاء الساسة، الذي يعود إلى “أزمة ثقة” حول كيفية إجراء الانتخابات؛ وهي الأزمة التي تدفع إلى إمكانية أن يُدخِلْ باتيلي تغييرات في الاستراتيجية المستقبلية للتعامل مع الأزمة الليبية. إلا أن هذه التغييرات سوف تكون محكومة، في قادم الأيام، بالمتغيرات الدولية، بما يعني أن الانتخابات الليبية لن تتم إلا عبر الاتفاق بين الدول المعنية بالملف.