صراع نفوذ:
أسباب تصعيد حركة “الشباب” ضد “داعش” في الصومال

صراع نفوذ:

أسباب تصعيد حركة “الشباب” ضد “داعش” في الصومال



في وقت تواجه فيه حركة “الشباب” ضغوطاً شديدة من قبل الحكومة الصومالية بتوجيهات من الرئيس حسن شيخ محمود، في إطار الحرب الشاملة التي تشنها لمكافحة الإرهاب، والتي بدأت منذ مايو 2022؛ يبدو أن ثمة معركة جانبية بين الحركة وفرع تنظيم “داعش” في الصومال، والذي يتمركز في مناطق شمال شرقي البلاد.

إذ كشفت وكالة الأنباء الرسمية الصومالية، في 13 مايو الجاري، عن تنفيذ حركة “الشباب” عمليات إعدام لعشرات من عناصر “داعش”، كانوا محتجزين لديها في سجون تابعة لها بمناطق ساكو، وجيلب، وكونيا برو بمحافظات شبيلي السفلى، وجوبا الوسطى. ورغم عدم إعلان حركة “الشباب” عن هذه الخطوة، فإن تنفيذ عمليات الإعدام يأتي في سياق تصعيد متبادل بين التنظيمين الإرهابيين على الساحة الصومالية.

توتر  مستمر

تشهد الصومال بين حين وآخر تصعيداً متبادلاً بين حركة “الشباب” وفرع “داعش”، عبر مواجهات مسلحة، كان آخرها اشتباكات موسعة في محافظة بري بولاية بونتلاند شمال شرقي الصومال، وهي تلك المنطقة التي يتمركز فيها تنظيم “داعش” بالبلاد بصورة أساسية، مقارنة بنطاقات جغرافية أوسع تحت سيطرة أو نفوذ حركة “الشباب”.

وفي أواخر شهر مارس الماضي، نشرت وكالة الأنباء الرسمية الصومالية بعض تفاصيل المواجهات التي اندلعت بين عناصر التنظيمين الإرهابيين، وتحديداً في منطقة غلغلا الجبلية، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 40 مسلحاً من الطرفين، إضافة إلى مقتل ثلاثة من كبار قادة حركة “الشباب” الميدانيين.

ولم يشهد النشاط العملياتي لفرع “داعش” في الصومال قفزة في عدد العمليات خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ لم يتجاوز عمليتين في الشهر الواحد، وهو ما يتضح من خلال حصر عدد العمليات التي أعلن عنها تنظيم “داعش” عبر صحيفة “النبأ” التابعة له، منذ الربع الأخير من العام الماضي وحتى 15 مايو الجاري، كما يوضح المخطط التالي:

ويُمكن ملاحظة تضاعف عدد عمليات تنظيم “داعش” في الصومال خلال الربع الأول من عام 2023، مقاربة بالربع الأخير من 2022، وإن كانت عمليات لا تعكس تطوراً بارزاً في قدرات تنظيم “داعش”، ولكن في الوقت ذاته تشير إلى محاولة زيادة النشاط العملياتي رغم الضغوط التي يتعرض لها من قبل قوات ولاية بونتلاند.

وتركزت عمليات “داعش” في محيط العاصمة مقديشيو إضافة إلى ولاية بونتلاند، بالاعتماد على العبوات الناسفة بشكل رئيسي، لاستهداف قوات عسكرية وأمنية، أو مسئولين في الحكومة.

دوافع مختلفة

يمكن تفسير التصعيد بين الطرفين من خلال المواجهات المسلحة التي اندلعت في الفترة الماضية، وصولاً إلى اتجاه الحركة لإعدام عناصر من “داعش”، في ضوء الدوافع التالية:

1- السعى لإضعاف نفوذ “داعش”: اعتمد فرع “داعش” في الصومال منذ بداية تأسيسه على قيادات وعناصر من حركة “الشباب”، الذين انشقوا وأعلنوا الولاء للتنظيم، وبالتالي، فإن ثمة اتجاهاً لدى “الشباب” لاستمرار الضغوط على “داعش” على أكثر من مستوى، لإضعاف فرع التنظيم الذي تراجع خلال العام الماضي بصورة ملحوظة، على مستوى النشاط العملياتي، مقارنة بعامي 2020 و2021، وهو ما قد يفسر عمليات إعدام عناصر التنظيم، وفقاً لما أعلنته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية، لإظهار عدم قدرة فرع “داعش” على حماية عناصره، وأنه بات ضعيفاً، وهي محاولة لعرقلة أي توجه لاستقطاب عناصر جديدة، أو استمالة عناصر “الشباب” خلال الفترة المقبلة، في ضوء تقارير عن وجود خلافات داخل الحركة، على مستوى القيادة العليا وإدارة العمليات الإرهابية.

2- الرد على المواجهات في بونتلاند: رغم عدم توفر معلومات حول هويات عناصر “داعش” الذين أعدمتهم حركة “الشباب”، وما إذا كانوا مشاركين في المواجهات الأخيرة بين الجانبين خلال شهر مارس الماضي، أم سبق اعتقالهم قبل هذا التاريخ؛ لكن بشكل عام يبدو أن إعدام عناصر التنظيم يأتي في سياق “ثأر” الحركة من “داعش”.

ووفقاً للإعلام الصومالي الرسمي، فإن المواجهات السابقة أسفرت عن مقتل قيادات بارزة في “الشباب”، إضافة إلى مقتل العشرات من الجانبين، وهو ما يُشير إلى احتمال أن تكون عملية الإعدامات رداً على المواجهات، بغض النظر عن الطرف الذي بادر بالهجوم على الآخر.

3- محاولة توسيع نطاق السيطرة: يمكن النظر إلى الإعدامات والمواجهات بين “الشباب” و”داعش” في سياق الصراع والتنافس بين الطرفين على السيطرة والنفوذ، إذ يسعى كل طرف إلى محاولة إظهار تمتعه بالنفوذ على الساحة الصومالية، وتحديداً في ولاية بونتلاند.

وتشهد بعض المناطق الجبلية الوعرة في بونتلاند تمركزات لحركة “الشباب” كما هو الحال بالنسبة لتنظيم “داعش”، وإن كانت الولاية نقطة التمركز والنفوذ الرئيسية في الصومال، ولكن هذا لا يمنع حركة “الشباب” من محاولة تعزيز تمركزاتها في بونتلاند، والاستفادة من المناطق الجغرافية الجبلية الوعرة.

وتواجه حركة “الشباب” نشاطاً للقوات الصومالية والأجنبية المشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب، وبالتالي تسعى إلى تعزيز تمركزاتها ونفوذها في أكثر من منطقة، خاصة مع تقارير إعلامية تشير إلى تراجع سيطرة الحركة على مناطق واسعة في وسط الصومال، إضافة إلى مواجهة تحديات قد تتصاعد خلال الفترة المقبلة على مستوى الولايات الجنوبية، مع تقدم العمليات، وإمداد القوات العسكرية بمزيد من العناصر المنضمة حديثاً للجيش الصومالي.

4- حرمان التنظيم من تعزيز صفوفه: يمكن قراءة إعدام حركة “الشباب” لعناصر “داعش” في سياق تخوفات من انعكاسات عمليات مكافحة الإرهاب على الحركة في المناطق الجنوبية من البلاد، التي باتت نقاط تمركزات الحركة ومناطق نفوذها الرئيسية، بعد التراجع في المناطق الوسطى، وفقاً لتأكيدات وتقديرات رسمية صومالية، بعد إطلاق العمليات الشاملة منذ مايو 2022.

وهنا، فإن الحركة ربما وجدت أن التخلص من عناصر “داعش” المحتجزين لديها يمثل أولوية خلال الفترة الحالية، خاصة مع عمليات مكافحة الإرهاب ضد معاقل الحركة، والاتجاه إلى تكثيف تلك العمليات خلال الفترة المقبلة، لانتزاع سيطرة الحركة على الأراضي في الولايات الجنوبية، وهو ما قد يسفر عن عدم القدرة على السيطرة على أماكن الاحتجاز التابعة للحركة، وهو سيناريو قد يُشكل خطراً على نفوذ حركة “الشباب” حال إمكانية فرار عناصر “داعش”، ومن ثم العودة إلى فرع التنظيم المتمركز في بونتلاند، بما يعزز من قدراته العددية، على نحو يشكل خللاً في موازين القوى بين التنظيمين في الصومال، خاصة مع الضغوط المفروضة على الحركة والاتجاه إلى إضعافها.

ضغوط مزدوجة

وأخيراً، قد تدفع عمليات الإعدامات لعناصر “داعش” إلى تنفيذ الأخير عمليات انتقامية من حركة “الشباب” خلال الفترة المقبلة، أو اتخاذ خطوة مماثلة لاحتجاز عناصر من الحركة، حال إظهار أي من الطرفين مؤشرات لتأكيد ما نشرته وكالة الأنباء الرسمية الصومالية، خاصة مع حساسية العلاقة بين الطرفين على الساحة الصومالية، في إطار التنافس والصراع بينهما، ويتوقع أن يكون الرد في إطار ولاية بونتلاند، وتحديداً في المناطق المتنازع عليها.

ولكن رد فرع “داعش” سيتوقف على حدود قدرته على فتح جبهة مواجهة مع حركة “الشباب”، في حين أن التنظيم يواجه ضغوطاً من جانب قوات ولاية بونتلاند، في ظل العمليات التي تشنها لملاحقة عناصره، إذ تمكنت من قتل قيادي في التنظيم يدعى أبو البراء الأماني في يناير 2023. وبشكلٍ عام، فإن التنظيمين يواجهان عمليات للجيش الصومالي في الولاية، مع التركيز على حركة “الشباب”، وسبق أن أعلن الجيش تدمير قواعد للأخيرة في جبال بمنطقة أوفين بمحافظة بري خلال مارس الماضي، على نحو سوف يؤثر على حدود التصعيد فيما بينهما خلال المرحلة القادمة.