تواجه التحالفات العشائرية التي سعت مليشيا “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية (قسد) إلى تأسيسها خلال المرحلة الماضية تحديات عديدة في الوقت الحالي، على نحو بدا جلياً في اتساع نطاق المواجهات بين “قسد” ومقاتلي ما يسمى بـ”المجلس العسكري لدير الزور”، حتى وصلت إلى الذروة في 31 أغسطس الفائت مع انخراط مزيد من القبائل والعشائر العربية فيها، واستقدام “قسد” قوات لتعزيز مواقعها. وقد بدأت إرهاصات الصراع العنيف بين الطرفين في مناطق ريف دير الزور الشمالي الشرقي، منذ منتصف أغسطس الفائت، بعد رفض “المجلس” المشاركة مع العناصر الكردية في عملية عسكرية ضد قوات النظام السوري في غرب نهر الفرات، وأسفر ذلك في النهاية عن مقتل نحو 30 عنصر من الطرفين.
مؤشرات عديدة
تزايدت مؤشرات التوتر بين “المجلس العسكري لدير الزور” ومليشيا “قسد” خلال الفترة الأخيرة، ويتمثل أبرزها في:
1- اعتقال قائد “مجلس دير الزور”: قامت قوات “قسد”، في 27 أغسطس الفائت، باعتقال أحمد الخبيل المعروف بـ”أبو خولة الديري” قائد “المجلس العسكري لدير الزور”، بالإضافة إلىمحاصرة قادة “المجلس” في قاعدة عسكرية تابعة لـ”قسد”، على نحو اعتبره “المجلس” محاولة من جانب الأخيرة لإضعافه تمهيداً لتفكيكه في مرحلة لاحقة.
2- تكرار الاشتباكات بين الطرفين: اندلعت خلال الفترة الماضية اشتباكات عنيفة بين مقاتلي قبائل عربية داعمة لـ “المجلس العسكري لدير الزور” ومليشيا “قسد” المدعومة أمريكياً. وفي الوقت الذي تواصل فيه مليشيا “قسد” حملة تمشيط في البلدات التابعة لمناطق ريف دير الزور، شن مسلحون من “المجلس العسكري”، في 29 أغسطس الفائت، هجمات على مواقع عسكرية مختلفة تابعة لها. كما تم استهداف سيارتين للقوات الموالية للأخيرة على أطراف بلدة ضمان في ريف دير الزور الشمالي.
وبالتوازي مع ذلك، هاجم العشرات من عناصر “المجلس” ومسلحي عشيرة “العكيدات” التي ينتمي إليها “أبو خولة”، مقرات “قسد” بمناطق عدة في دير الزور، كما رفض “مجلس شورى عشائر البكير” الحملة الأمنية التي أطلقتها “قسد” في دير الزور، وتعهد بمواصلة القتال ضد “الإدارة الذاتية الكردية”.
3- فرض حظر التجوال في بعض المناطق: بالتزامن مع حملة الاعتقالات في صفوف العشائر، فرضت “قسد” حظر تجوال في مدينة الحسكة وناحيتي الشدادي والهول، كما اتجهت إلى الاستعانة بقوات التحالف الدولي لتعزيز حالة الأمن، ومحاصرة احتجاجات القبائل العربية المناهضة لتحركاتها في مناطق شرق الفرات.
4- انخراط العشائر العربية في الصراع: ارتفعت وتيرة التهديدات والتهديدات المضادة بين “قسد” والعشائر العربية. فقد أصدرت الأخيرة بياناً، في 30 أغسطس الفائت، أمهلت فيه قوات “قسد” 12 ساعة لإخلاء المنطقة التابعة لها في دير الزور، والإفراج عن “أبو خولة”. كما أعلنت العشائر النفير العام ضد كل مكونات “قسد” في إطار ما أطلقت عليه “عملية تطهير كامل لريف دير الزور”.
5- استمرار استهداف حقول النفط: في تطور جديد للمواجهات بين “قسد” و”المجلس العسكري لدير الزور”، استهدف مسلحون تابعون للأخير، بقذائف صاروخية، أحد آبار النفط الواقعة قرب حقل “كونيكو” للغاز الذي توجد فيه قاعدة لقوات “التحالف الدولي” في ريف دير الزور الشمالي. وأدى الهجوم، الذي وقع في 30 أغسطس الفائت، إلى اشتعال النيران في الحقل النفطي، وهو ما أثار استياء “قسد” التي يمثل النفط المورد الأهم بالنسبة لها، فضلاً عن أنه سيتم توظيفه كسلاح استراتيجي في أي مفاوضات محتملة مع القوى الخارجية المنخرطة في الأزمة السورية أو مع النظام السوري.
دوافع مختلفة
يمكن تفسير تطور المواجهات العسكرية بين “المجلس العسكري لدير الزور” وقوات “قسد” في ضوء اعتبارات عديدة هى:
1- تصاعد المخاوف من تهميش العشائر العربية: تنامت خلال الفترة الأخيرة مخاوف العشائر والمكونات العربية في دير الزور من مساعي “قسد” لتهميش حضورها بشأن إدارة مناطقها. وقد اندلعت على إثر ذلك اشتباكات بين عناصر “المجلس العسكري” وما تسمى الشرطة العسكرية لمليشيا “قسد” في 25 يوليو الماضي.
وفي سياق متصل، فإن اعتقال قادة عسكريين من العشائر أثار حفيظة المكون العربي، وهو الأمر الذي وفّر بيئة خصبة لزيادة وتيرة التصعيد، ولا سيّما في ظل انخراط العشائر العربية في أرياف حلب وحماة وحمص في معارك مع قوات “قسد”.
2- استمرار تبني سياسات التمييز: ترتبط المواجهات، وفقاً لتقارير عديدة، برفض أهالي دير الزور السياسات التمييزية التي تمارسها الإدارة الذاتية الكردية التي تسيطر على دير الزور ذات الغالبية العربية. وبحسب مراقبين وتقديرات محلية، فإن تصاعد حدة الاضطرابات الأمنية واستمرار ظاهرة اغتيال القادة العسكريين والوجهاء أثار أيضاً حالة من الاعتراض لدى المواطنين، توازت مع تفاقم الأزمة المعيشية في تلك المناطق على نحو وفر مناخاً مواتياً لتصاعد تلك المواجهات.
3- منع انتقال عدوى الاحتجاجات: لا تنفصل المواجهات بين “قسد” والعشائر العربية في دير الزور عن التطورات المحلية في الداخل السوري، وتصاعد الاحتجاجات التي تشهدها مدن جنوب سوريا، وخاصة درعا والسويداء والقنيطرة، بالإضافة إلى عدد من المدن الساحلية في اللاذقية وجبلة، فضلاً عن تصاعد الاحتجاجات في بعض مناطق مدينة حلب والعاصمة دمشق للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
وفي هذا السياق، وفي ضوء التدهور الملحوظ في الأوضاع المعيشية في دير الزور التي تهيمن عليها قوات “قسد”، بالإضافة إلى حالة الانسداد السياسي بين الجماعات المحلية في هذه المناطق والإدارة الذاتية الكردية، فإن ثمة مخاوف لدى الأخيرة من انتقال عدوى الاحتجاجات إلى هذه المناطق، وهو ما قد يزيد من أعباءها، ويدخلها في نفق مظلم، خاصة أن مناطق دير الزور شهدت في الآونة الأخيرة احتجاجات متقطعة، وهو ما دفع “قسد” لمطالبة العشائر العربية بفض الاحتجاجات الداعمة لـ”المجلس العسكري لدير الزور”، بل وطالبت بمنح مقاتليه “إجازة إجبارية” لحين دعوتهم للخدمة مرة أخرى.
4- كبح نفوذ قادة “المجلس العسكري”: تعود المواجهات العسكرية بين “قسد” و”المجلس العسكري”، في قسم منها، إلى محاولة الأولى تقليص نفوذ الأخير، خاصة بعد محاولاته تعزيز قدراته العسكرية وتوسيع نطاق القاعدة الشعبية المؤيدة له، على نحو اعتبرت “قسد” أنه سوف يخصم من نفوذها ومن المكاسب التي حققتها في إطار الحرب ضد تنظيم “داعش”.
توتر مستمر
ختاماً، يمكن القول إنه من المرجح استمرار حالة التوتر بين الجانبين في محاولة لفرض كل منهما نفوذه في دير الزور، بما يعزز استمرار عدم الثقة بينهما، إلا أنه من المستبعد أن تستمر المواجهات العسكرية طويلاً، نظراً لمحدودية القدرات العسكرية لـ”المجلس العسكري لدير الزور”، وضعف مهارات عناصره القتالية، وذلك خلافاً لقوات “قسد”التي اكتسبت خبرات قتالية بسبب المواجهات مع تنظيم “داعش”، فضلاً عن تلقيها دعماً عسكرياً واستخبارياً من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي اعتبرت أنها طرف أساسي في الحرب ضد التنظيم.