تزايدت معدلات القتلى في صفوف المتطوعين المدنيين الداعمين للجيش في بوركينافاسو، بفعل هجمات لتنظيمات إرهابية تنشط في منطقة الساحل الأفريقي، خلال العام الجاري، بصورة لافتة؛ إذ سقط 8 قتلى من المتطوعين المدنيين خلال هجومين منفصلين وقعا في 19 سبتمبر الجاري، إضافة إلى سقوط مدنيين، فيما لم تُشرْ التقارير الإعلامية إلى سقوط عسكريين في تلك الهجمات.
وبات المتطوعون المدنيون هدفاً للتنظيمات الإرهابية، خاصة مع توالي عمليات الاستهداف، منها مقتل 36 منهم في هجوم إرهابي، وفقاً لبيان هيئة أركان الجيش البوركيني، في 5 سبتمبر الحالي، حيث اتجهت السلطة الانتقالية في بوركينافاسو إلى فتح التجنيد للمدنيين للتطوع في دعم الجيش البوركيني في جهود مكافحة الإرهاب، وتم الإعلان عن تجنيد 25 ألف شخص في نوفمبر 2022، مع الرغبة في زيادة العدد ليصل إلى 50 ألفاً، وفقاً للخطة المستهدفة.
نهج مستمر
يمكن الإشارة إلى تزايد معدلات استهداف “المتطوعين المدنيين” بالجيش البوركيني، ومقتل عدد كبير منهم، خلال شهر سبتمبر الجاري، في ضوء التالي:
1- هجمات متعمدة من التنظيمات الإرهابية: يتضح من خلال أعداد القتلى في صفوف المتطوعين المدنيين بالجيش البوركيني، أن ثمة استهدافاً متعمداً من قبل التنظيمات الإرهابية (سواء “القاعدة” أو “داعش”)، لهذه العناصر، باعتبارهم من معاوني الجيش، وبالتالي فإنهم يقفون حائلاً أمام مخططات التنظيمات الإرهابية لتوسيع النفوذ الميداني، وتحديداً باتجاه المناطق الحدودية مع مالي والنيجر.
ومن شأن الاستهداف المتعمد من قبل التنظيمات الإرهابية، أن يفرض ضغوطاً على تلك العناصر، بما قد يؤدي إلى تراجع بعضهم عن الانخراط في دعم الجيش البوركيني، أو منع انضمام عناصر جديدة لمعسكرات التدريب خلال الفترة المقبلة.
2- تصدر المتطوعين للصفوف الأمامية للمواجهات: لا تتوقف عمليات استهداف تلك العناصر على نطاق جغرافي محدد، وعلى أكثر من نطاق، بما يشير إلى نشر وتوزيع تلك العناصر في أكثر من منطقة، وربما يكون التوزيع مرتبطاً بنطاق جغرافي محدد، إذ يدافع المتطوعون عن المنطقة التي يقطنون بها، وفقاً لما هو مخطط له سلفاً.
وبناء على ذلك، فإن المتطوعين يتصدرون الصفوف الأولى للمواجهات، على اعتبار تكفلهم بمهام الدفاع عن مناطق المدنيين، مع تولي الجيش البوركيني مهام مكافحة الإرهاب، للتخفيف من أعباء المواجهة المفتوحة مع التنظيمات الإرهابية، والحاجة إلى توسيع أعداد المشاركين في عمليات مكافحة الإرهاب.
وبالنظر إلى الهجمات الثلاث التي سقط فيها متطوعون مدنيون، فإنها جاءت في مناطق جغرافية مختلفة، إذ كان الهجوم الأول في كومبري بمقاطعة ياتينغا، والثاني في سيراسو غربي البلاد، والثالث في كولبونغو بوسطها الشرقي.
3- محدودية تدريب “المتطوعين المدنيين”: يحصل المتطوعون المدنيون على تدريب لبضعة أسابيع في بعض المقرات المخصصة لهذا الغرض، ولكن يبدو أن هذه الفترة ليست كافية بالنسبة لتلك العناصر لمواجهة التنظيمات الإرهابية التي تمتلك قدرات قتالية أكبر، بحكم المشاركة في الهجمات الإرهابية، فضلاً عن عمليات التدريب، وتصنيف المنخرطين في صفوف تلك التنظيمات، لطبيعة العمليات والمهام المكلفين بها.
في حين أن المتطوعين من خلفيات مدنية، ولا يَسمح تدريبهم بالتصدي لهجمات التنظيمات الإرهابية، التي تتسم بالمفاجأة، مع التخطيط المسبق، لتحديد أعداد العناصر الإرهابية المشاركة في الهجمات، وهو ما قد يعطي أفضلية عددية للتنظيمات الإرهابية.
وفي ضوء عدم الكشف عن طبيعة التدريبات التي حصل عليها هؤلاء المتطوعون، لا يمكن الحكم على قدرتهم على التصدي لهجمات التنظيمات الإرهابية مستقبلاً.
4- غموض حول قدرات تسليح المتطوعين: يمتد الغموض بشأن المتطوعين المدنيين إلى حدود القدرات التسليحية، مقارنة بقدرات التنظيمات الإرهابية، التي تتدرج بين الاعتماد على الأسلحة البسيطة إلى المتوسطة وحتى استخدام المتفجرات، سواء في صورة عبوات ناسفة أو سيارات مفخخة.
وفي ضوء التدريب المحدود، فإنه لا يتوقع امتلاك المتطوعين أسلحة متوسطة وكبيرة، فضلاً عن قدرات لتأمين مناطق المدنيين؛ إذ إن مكافحة التنظيمات الإرهابية تواجه أزمات بالنسبة لجيش نظامي، مثل جيش بوركينافاسو، الذي لا يمتلك القدرة على المواجهة في ظل القدرات الحالية، رغم القدرات التسليحية التي تفوق قدرات التسليح للمتطوعين.
وهنا، فإن المواجهة بين التنظيمات الإرهابية والمتطوعين المدنيين تعد غير متكافئة من الناحية النظرية، بما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة منهم خلال الأشهر الفائتة.
5- عرقلة مخططات إعادة توطين النازحين: أسفرت الهجمات الإرهابية في بوركينافاسو، وتحديداً في المناطق والبلدات الحدودية، التي تصل إليها التنظيمات الإرهابية، انطلاقاً من مالي والنيجر، عن تزايد معدلات النزوح. ومع انضمام المتطوعين المدنيين للجيش البوركيني، يبدو أن ثمة اتجاهاً لإعادة النازحين إلى مناطق إقامتهم، اعتماداً على توفير الحماية لهم من قبل تلك العناصر.
ويتضح أن تركيز التنظيمات الإرهابية على استهداف المتطوعين يرتبط بعرقلة مخططات السلطة الانتقالية لإعادة النازحين إلى مناطقهم التي خروجوا منها، إذ إنها ورقة مهمة بالنسبة للطرفين.
وتسعى التنظيمات الإرهابية لتوظيف النزوح للضغط على السلطة الانتقالية، مع تزايد تلك المعدلات، بفعل التركيز على استهداف المدنيين، وكان أحد انعكاساته الانقلاب الذي شهدته بوركينافاسو، في 23 يناير 2022، بدعوى تصاعد الانفلات الأمني وسوء إدارة المواجهات مع التنظيمات الإرهابية. في المقابل، فإن إعادة النازحين من شأنها أن تعطي شرعية للسلطة الانتقالية، وتخفف من الضغوط الداخلية.
6- انعكاسات الاضطرابات عقب انقلاب النيجر: مع انشغال بوركينافاسو بدعم السلطة الانتقالية في النيجر عقب الانقلاب الذي وقع في 26 يوليو الماضي، وإشارة تقارير إعلامية إلى إرسالها دعماً عسكرياً للنيجر، فإنه يتوقع أن يزيد الاعتماد على المتطوعين المدنيين في عمليات تأمين المدنيين، وتحديداً في المناطق الحدودية، التي تتعرض لهجمات مستمرة من التنظيمات الإرهابية.
وفي المقابل، فإن التنظيمات الإرهابية تسعى لاستغلال الأوضاع المضطربة في النيجر لتنفيذ عمليات على أكثر من اتجاه في دول الجوار الثلاث (مالي، وبوركينافاسو، والنيجر) بما يؤدي إلى زيادة استهداف المتطوعين، في ظل طبيعة دورهم لتأمين مناطق المدنيين.
أزمات معقّدة
رغم حشد السلطة الانتقالية في بوركينافاسو للمدنيين لتشكيل مجموعات متطوعين للمساعدة في مواجهة الإرهاب، إلا أن الخطوة قد تنطوي على نتائج عكسية، من ناحية زيادة سقوط المدنيين، مع الاعتماد على مجموعات مسلحة لا تتمتع بخبرات قتالية وقدرات تسليحية، لتحقيق تفوق في مواجهة هجمات الإرهابيين.
ورغم أن تلك الخطوة قد تكون مؤقتة لمواجهة الاستنزاف الكبير في فقدان أراضي الدولة، في ظل تصاعد حدة الصراع بين فرعي تنظيمي “داعش” و”القاعدة” على توسيع مساحة النفوذ والسيطرة الميدانية، إلا أنه يتضح أن ثمة أزمة تتعلق بالدعم اللوجيستي لهذه المجموعات، وحدود وطبيعة التنسيق المشترك مع الجيش البوركيني، لتقديم الأخير الدعم إلى مناطق المواجهات بين المتطوعين والتنظيمات الإرهابية، وهي جزئية ظلت محل تكهنات وغموض منذ اتجاه السلطة الانتقالية إلى تنفيذ هذه الخطة.
وعقب تشكيل مجموعات المتطوعين المدنيين، طُرحت تخوفات من انعكاسات تجنيد المدنيين على الصراع القبلي في بوركينافاسو، بين قبائل “الموسيس” أو “الموسّي”، وقبائل “الفولاني”، في ضوء صراعات قبلية تاريخية، واتهام الأخيرة بأنها الخزان البشري لإمداد التنظيمات الإرهابية بالعناصر، وفقاً لتقارير إعلامية غربية، هذا فضلاً عن احتمالات نشوب صراع بين مجموعات مسلحة والدولة في بوركينافاسو، بما يؤدي إلى انحراف الخطة عن مسارها، وتعزيز الصراعات المسلحة داخلياً.