حسابات طهران:
أسباب تزايد التحذيرات من هجمات محتملة على المصالح الأمريكية بالمنطقة

حسابات طهران:

أسباب تزايد التحذيرات من هجمات محتملة على المصالح الأمريكية بالمنطقة



لا يبدو أن تجدد التحذيرات من إمكانية تعرض المصالح والقوات الأمريكية لهجمات في الفترة القادمة مرتبط فقط بتعثر المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول الاتفاق النووي؛ وإنما يتصل أيضاً بدعوة خامنئي إلى طرد القوات الأمريكية من منطقة شرق الفرات، ورفع مستوى التعاون العسكري بين روسيا وإيران، وتحييد “ملف سليماني” عن الاتصالات الجارية حالياً بشأن البرنامج النووي.

تكتسب التحذيرات التي أطلقها القائد الجديد للقوات الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط اللفتنانت جنرال ألكسوس جرينكوفيتش، في 22 يوليو الجاري، من إمكانية إقدام المليشيات الموالية لإيران على العودة إلى استهداف القوات والمصالح الأمريكية مجدداً، أهميتها من اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في الخبرة التي حصل عليها جرينكوفيتش خلال الفترة التي تولى فيها مسئولية العمليات العسكرية في العراق وسوريا وأفغانستان، ضمن القيادة المركزية الأمريكية، على نحو جعله على مقربة من الأحداث التي وقعت في تلك الدول، ولا سيما في الدولتين الأوليين اللتين تعرضت فيهما القوات الأمريكية لهجمات متعددة.

وقد كان لافتاً الحرص على التلميح إلى أن المسألة ربما لا تتعلق بـ”توقعات” وإنما بـ”معلومات”، حيث قال جرينكوفيتش في هذا الصدد: “رغم أننا لا نتعرض للهجمات باستمرار، لكننا نرى أن التخطيط لهجمات لا يزال مستمراً أيضاً. سيحدث شيء ما يطلق العنان لذلك التخطيط وهذه التحضيرات ضدنا”.

دوافع عديدة

يمكن تفسير إطلاق هذه التحذيرات في هذا التوقيت تحديداً في ضوء دوافع عديدة هى:

1- دعوة خامنئي إلى طرد القوات الأمريكية من شرق الفرات: كان لافتاً أن المرشد الأعلى علي خامنئي دعا خلال لقائه الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين في طهران، في 19 يوليو الجاري، إلى طرد القوات الأمريكية من شرق الفرات. إذ قال في هذا الصدد: “هناك قضية مهمة في سوريا وهى احتلال الأمريكيين للمناطق الخصبة والغنية بالنفط شرق الفرات، والتي يجب حلها بطردهم من تلك المنطقة”. وهنا، فإن واشنطن لا يبدو أنها تستبعد أن تكون تلك التصريحات بمثابة ضوء أخضر لمهاجمة القوات الأمريكية في تلك المنطقة، خاصة أنه نادراً ما يركز خامنئي على مواقع محددة للقوات الأمريكية في العراق أو سوريا أو أفغانستان.

2- توسيع نطاق التعاون العسكري بين إيران وروسيا: حرص جرينكوفيتش، خلال إطلاقه هذه التحذيرات، على الإشارة إلى التعاون العسكري بين إيران وروسيا، استناداً إلى المعلومات التي ذكرها سابقاً مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان بشأن استعداد إيران لمد روسيا بمسيرات متطورة لاستخدامها في أوكرانيا. وهنا، فإن ذلك يوحي بأن واشنطن لم تعد تستبعد أن يكون هناك تعاون روسي-إيراني للضغط على قواتها أو مصالحها في سوريا تحديداً، في سياق تمكين موسكو من امتلاك أوراق ضغط أكبر في إدارة مواجهاتها مع الدول الغربية حول الحرب في أوكرانيا.

وقد سبق بالفعل أن قامت القوات الروسية في سوريا، في منتصف يونيو الفائت، بمهاجمة مواقع لمليشيا محلية متحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية في محيط ثكنة التنف في جنوب شرق سوريا. ورغم أن القوات الروسية قامت بإخطار نظيرتها الأمريكية قبل الهجوم، على نحو دفع الأخيرة إلى مطالبة المليشيا المحلية بإخلاء مواقعها قبل شنه، فإن ذلك لم يخلُ من رسالة واضحة من جانب موسكو، مفادها أن استهداف القوات الأمريكية، خاصة عبر المليشيات الموالية لإيران، قد يكون خياراً مطروحاً كجزء من إدارة المواجهة حول أوكرانيا تحديداً. وبمعنى آخر، فإن موسكو كانت تدرك أن واشنطن ستبلغ حلفاءها بالضربة، إلا أن الهدف الأهم كان توجيه تحذير غير مباشر إلى واشنطن نفسها بأن هذا الخيار قائم وإن كان مؤجلاً.

3- استمرار الضربات الإسرائيلية في سوريا: شنت إسرائيل ضربة عسكرية جديدة في سوريا، في 22 يوليو الجاري، على نحو أدى إلى مقتل 3 عسكريين وإصابة 7 آخرين، حيث استهدفت مكاتب للمخابرات الجوية ومكتباً لضابط رفيع المستوى ومستودع أسلحة تابعاً لإيران في محيط منطقة السيدة زينب. ورغم أن هذه الضربة ليست الأولى من نوعها، وربما لن تكون الأخيرة، فإنها -على ما يبدو- سيكون لها تأثير بارز على مسار التصعيد بين إيران وحلفائها من جانب وإسرائيل من جانب آخر، وهو ما يعود في المقام الأول إلى أنها الضربة الأولى بعد انتهاء جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن في المنطقة، والتي بدأها بإسرائيل في 13 يوليو الجاري، حيث وقّع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد ما يسمى “إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل”، ووجه عبره رسائل تحذير عديدة إلى إيران. ومن هنا، ربما تكون إسرائيل قد حاولت عبر هذه الضربة اختبار ردود الفعل إزاءها، سواء من جانب إيران وحلفائها أو من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الغالب، فإن إيران سوف تعتبر هذه الضربة بمثابة أول مؤشر على التوافق الجديد الذي توصلت إليه واشنطن وتل أبيب خلال الزيارة، وهو ما يبدو أنه موضع اعتبار من جانب الإدارة الأمريكية على نحو دفعها إلى عدم استبعاد ألا تنحصر ردود إيران على الضربة في الجانب الإسرائيلي فحسب، وإنما قد تمتد إلى القوات الأمريكية في سوريا.

4- حرص طهران على تحييد “ملف سليماني”: ما زالت إيران مصرّة على تحييد “ملف سليماني” عن الاتصالات التي تجري بشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، على نحو يوحي بأنها ما زالت حريصة على استبعاد التوصل إلى توافق حوله أو إنهائه في سياق التفاهمات الحالية التي ترعاها أطراف أخرى بهدف تعزيز فرص الوصول إلى صفقة نووية. ففي هذا السياق، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في 21 يوليو الجاري، إن “الولايات المتحدة الأمريكية عرضت عبر وسطاء تسوية ملف اغتيال الجنرال قاسم سليماني، لكن إيران رفضت ذلك”، مضيفاً أن “هذا الملف لم يُغلق بعد، وأن الانتقام لسليماني واجب حتمي”.

وهنا، فإن إدارة الرئيس بايدن ربما ترى أن جزءاً من هذا “الانتقام” قد يكون في سوريا والعراق عبر استهداف القوات والمصالح الأمريكية، وقد يمتد إلى دول أخرى تنشط فيها المليشيات الموالية لإيران، خاصة أن إيران حريصة في الوقت الحالي على إلقاء الضوء على نفوذها الإقليمي، في سياق استعراض قدراتها وأوراق الضغط التي تمتلكها، سواء للرد على رفض الإدارة الأمريكية مقاربتها في المفاوضات النووية، أو لتوجيه تهديدات مباشرة لإسرائيل في إطار التصعيد المتواصل بين الطرفين، أو للرد على ما انتهت إليه جولة الرئيس بايدن في المنطقة من نتائج.

احتمال قائم

تاماً، يمكن القول إن استهداف المصالح والقوات الأمريكية بالمنطقة يبقى احتمالاً قائماً ولا يمكن استبعاده. وربما تكمن المفارقة في أن هذا الاحتمال قد لا يرتبط مباشرة بما سوف تؤول إليه المفاوضات النووية في النهاية، خاصة أن إيران ما زالت حريصة على تبني سياسة الفصل بين الملفات، بما يعني أنه حتى في حالة إبرام صفقة تعزز من خيار استمرار العمل بالاتفاق النووي، فإن ذلك لا يعني أن تلك المصالح والقوات سوف تكون بمنأى عن الاستهداف.