تراجع السيطرة:
أسباب تزايد اعتماد “داعش” على العبوات الناسفة في عملياته الإرهابية

تراجع السيطرة:

أسباب تزايد اعتماد “داعش” على العبوات الناسفة في عملياته الإرهابية



اتجه تنظيم “داعش” خلال الفترة الأخيرة إلى تبني تكتيك جديد في تنفيذ عملياته الإرهابية تحت اسم “العبوات أنجع..”، يعتمد على استخدام العبوات الناسفة في تلك العمليات، وهو ما حدث خلال شهر سبتمبر الجاري، حيث تنامى استخدام أفرع التنظيم المختلفة لهذا التكتيك، إذ تمكن تنظيم “داعش خراسان” خلال الفترة من 16 إلى 23 سبتمبر الجاري، وفقاً لبياناته، من تنفيذ ما يقرب من 14 عملية إرهابية اعتماداً على العبوات الناسفة بشكل أسفر عن سقوط ما يقرب من 60 قتيلاً وجريحاً، وذلك من مجمل 18 عملية إرهابية وقعت في أفغانستان خلال تلك الفترة، وهو التوجه نفسه الذي اتبعته أفرع التنظيم في غرب إفريقيا والصومال والعراق خلال الفترة نفسها. وقد بلغ عدد العمليات الإرهابية التي قامت بها أفرع التنظيم المختلفة خلال هذه الفترة 37 عملية، منها 23 عملية عبر استخدام العبوات الناسفة، على نحو يطرح تساؤلات عديدة حول أسباب اعتماد التنظيم على تكتيك العبوات الناسفة في المرحلة الحالية.  

دوافع مختلفة

يمكن تفسير تزايد اعتماد “داعش” على العبوات الناسفة تحديداً في تنفيذ عملياته الإرهابية خلال الفترة الحالية في ضوء دوافع عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تنفيذ عمليات بتكلفة منخفضة: تعتبر كُلفة تصنيع العبوات الناسفة منخفضة مقارنة بالأسلحة الأخرى التي تستخدم في العمليات الإرهابية، بالإضافة إلى القدرة على استخدام العبوات الناسفة في العديد من العمليات الإرهابية سواء باستهداف أماكن ثابتة أو متحركة. وقد كان لافتاً، على سبيل المثال، أن القوات العراقية أعلنت، في 2 سبتمبر الجاري، أنها نجحت في العثور على مخزن للعبوات الناسفة يضم كميات كبيرة من المواد المتفجرة من مُخلَّفات التنظيم في محافظة الأنبار.

2- تراجع الخسائر البشرية للتنظيم: تسفر العمليات الإرهابية التي تعتمد على العبوات الناسفة- في كثير من الأحيان- عن خسائر قليلة في العناصر التي تقوم بها، في مقابل ارتفاع عدد القتلى والمصابين من الفئات المستهدفة منها.

3- سهولة تصنيع العبوات الناسفة: تعد عملية تصنيع العبوات الناسفة أقل تعقيداً مقارنة بصناعة الأسلحة الخفيفة أو المتوسطة التي تستخدم في عمليات إرهابية أخرى، لاسيما من حيث المادة المستخدمة فيها.

4- توسيع نطاق المهام النوعية: يساعد الاعتماد على تلك العبوات التنظيمات الإرهابية في تعزيز قدرتها على تنفيذ عمليات إرهابية في وقت واحد، خاصة من خلال استخدام ما يسمى بـ”الانغماسيين” الذين يقومون باختراق صفوف فئات معينة لتنفيذ عمليات إرهابية ضدها تستهدف إيقاع أكبر عدد من القتلى والجرحى.

5- رفع مستوى التأثير الإعلامي: يفرض الاستناد إلى هذا التكتيك تحديداً تأثيراً واسعاً  على المستوى الإعلامي، نتيجة سهولة تنفيذ أكثر من عملية إرهابية في توقيت واحد وفي أماكن متعددة وضد أهداف متنوعة، على نحو قد يعطي- في بعض الأحيان- “صورة زائفة” عن سيطرة التنظيم الإرهابي وتنامي قدراته العسكرية والتنظيمية.

دلالات عديدة

يطرح اعتماد “داعش” مؤخراً على هذا التكتيك دلالات رئيسية عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- يعتبر هذا التكتيك الذي يعتمد على “العبوات الناسفة” في العمليات الإرهابية دليلاً على أن التنظيم يمر بمرحلة من عدم الاستقرار، سواء على مستوى التنظيم المركزي في سوريا والعراق، أو على صعيد باقي أفرع التنظيم بالدول المختلفة، وهو ما ظهر في حرصه على التخلي عن الاستراتيجية التي أطلق عليها “السيطرة والتمكين”، والتي اتبعها منذ الإعلان عن تأسيسه في عام 2014 وحتى سقوط الباغوز في سوريا في مارس 2019.

2- يعكس هذا التوجه الجديد مدى الضعف الذي يعاني منه التنظيم حالياً، الذي يبدو جلياً في محاولته الحفاظ على عناصره الإرهابية عبر استخدام العبوات الناسفة، وهو مؤشر على تراجع عدد الإرهابيين الذين انضموا إليه خلال السنوات التي أعقبت سقوط مشروعه في الباغوز  في مارس 2019. ويعني ذلك في المقام الأول، أن القيام بتنفيذ عمليات إرهابية نوعية بات يواجه عقبات عديدة، ويتطلب الاعتماد على نمط جديد في تنفيذها عبر استخدام العبوات الناسفة.

3- يرتبط هذا التكتيك بأحد أركان استراتيجية التنظيم التي أعلن عنها بعد مقتل قائده السابق أبو بكر البغدادي، في العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في محافظة إدلب السورية في 27 أكتوبر 2019، والتي جاءت تحت عنوان “الظهور والتلاشي”، والتي تعكس الأزمات والضغوط التي يتعرض لها في المرحلة الحالية، حيث تعتمد تلك الاستراتيجية على تنفيذ عمليات إرهابية خاطفة، في ظل عدم وجود مناطق تخضع لسيطرة التنظيم يمكن أن تمثل نقطة انطلاق رئيسية لتنفيذ مثل تلك العمليات.

4- ربما يتجه التنظيم خلال المرحلة القادمة إلى الانخراط فيما يمكن تسميته بـ”حرب عصابات” ضد القوى المحلية والدولية المناوئة له، والتي فرضت العمليات التي شنتها ضده خسائر بشرية ومادية لم يستطع تعويضها خلال الفترة الماضية، وهو ما عبّر عنه التنظيم من خلال تبني مقاربة تسمى “فترات عدم التمكين”، والتي تتناول الآليات التي يمكن من خلالها أن يتعايش التنظيم مع تراجع قدرته على الحفاظ على المناطق التي سبق أن سيطر عليها منذ الإعلان عن تأسيسه في عام 2014.

5- بدا لافتاً أن التنظيم يحرص على تكرار الآليات نفسها التي سبق أن اتبعتها تنظيمات إرهابية تعرضت لأزمات مماثلة في الفترة الماضية، على غرار تنظيم “القاعدة”، وهو ما يوحي بأن قياداته وكوادره الحالية تفتقد القدرة على وضع خطط قتالية جديدة للرد على العمليات الأمنية والعسكرية التي تشن ضده، أو تبني آليات غير تقليدية للالتفاف على الإجراءات الأمنية التي تتخذها الدول التي تتواجد بها أفرع التنظيم لتقليص قدرة الأخيرة على تهديد أمنها واستقرارها.

في النهاية، يمكن القول إن تزايد العمليات الإرهابية التي يعلن تنظيم “داعش” مسئوليته عنها في الفترة الأخيرة يعود إلى اعتماده بشكل ملحوظ على تكتيك العبوات الناسفة، على نحو يبدو جلياً في تلك العمليات التي قامت بها أفرع التنظيم في أفغانستان والعراق والصومال. ورغم أن التنظيم يسعى عبر هذا التكتيك إلى تأكيد نفوذه واستمرار نشاطه الإرهابي رغم كل الضربات التي تعرض لها في الفترة الماضية، فإن تصاعد الاعتماد عليه يمثل في الوقت نفسه مؤشراً على أن تلك الضربات فرضت تداعيات لا تبدو هينة على قوة التنظيم وتماسكه الداخلي، خاصة أنها تأتي في الوقت الذي تتراجع فيه قدرته على استقطاب المزيد من العناصر الإرهابية، نتيجة فقدانه مساحات واسعة من المناطق التي سبق أن سيطر عليها، فضلاً عن قيادات وكوادر لم يستطع ملء الفراغ الناتج عن غيابها.