تصعيد متبادل:
أسباب تزايد استهداف حركة “الشباب” للمواقع العسكرية

تصعيد متبادل:

أسباب تزايد استهداف حركة “الشباب” للمواقع العسكرية



تسعى حركة “شباب المجاهدين” الصومالية عبر استهداف مركز تدريب عسكري في العاصمة مقديشيو، إلى تحجيم انضمام الشباب إلى القوات الحكومية، وتخفيف الضغوط العملياتية ضد عناصر الحركة، وإلحاق خسائر بشرية ومادية في المقرات العسكرية، إضافة إلى تنفيذ تهديدات الحركة باستهداف أبناء القبائل المنخرطين في القتال ضدها، وممارسة ضغوط على القوات الأجنبية.

نفّذت حركة “شباب المجاهدين” الإرهابية عملية انتحارية جنوب العاصمة الصومالية مقديشيو، لاستهداف مركز “نعنع” لتدريب القوات العسكرية بمديرية ودجر، في 5 نوفمبر الجاري، عقب محاولة اقتحام انتحاري لمركز التدريب، قبل أن يفجر حزاماً ناسفاً كان يرتديه، ليسفر ذلك عن مقتل 11 شخصاً وإصابة 15 آخرين، بينهم مدنيون.

ومنذ تولي الرئيس حسن شيخ محمود الحكم في شهر مايو الماضي، بدأت الحكومة المركزية بالتنسيق مع حكومات الأقاليم، في شن عملية عسكرية شاملة ضد حركة “الشباب”، لمواجهة النفوذ المتزايد للحركة، وتحديداً منذ انسحاب القوات الأمريكية مطلع عام 2021.

وأمام تمكّن الحركة من السيطرة على بعض القرى والمناطق الاستراتيجية في وسط وجنوب الصومال، بدا أن ثمة تنسيقاً بين القبائل والحكومة الصومالية، لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها الحركة، وتحجيم التوسع الميداني لها، وهو ما أدى إلى تصاعد التوتر بين الأخيرة والقبائل.

اتجاه متصاعد

يُمثل استهداف حركة “الشباب” لمركز تدريب القوات العسكرية في العاصمة مقديشيو اتجاهاً متصاعداً لمهاجمة المقرات العسكرية في أكثر من منطقة، سواء العاصمة أو الولايات الأخرى. ومنذ مطلع شهر نوفمبر الجاري، نفذت الحركة 7 عمليات لاستهداف مقرات عسكرية متنوعة، مقابل 6 عمليات لأهداف أخرى، منها استهداف دوريات أو محاولة اغتيال قيادات عسكرية وحكومية.

ويمكن تحديد أبعاد استهداف المقرات العسكرية من قبل الحركة، كما جاء في وكالات تابعة لها، على النحو التالي:

1- استهداف مراكز التدريب العسكرية: لم يكن الهجوم الانتحاري لاستهداف مركز التدريب العسكري في العاصمة مقديشيو الأول من نوعه في مهاجمة المقرات العسكرية لتدريب القوات العسكرية، إذ سبقه استهداف لمدرسة تدريب عسكرية، في سبتمبر الماضي، ووقع هجوم انتحاري خارج مدرسة الجنرال ديغا بادان جنوب العاصمة خلال الأعوام القليلة الماضية، وهذه المدرسة سبق استهدافها في يونيو 2021 بهجوم انتحاري أيضاً. ورغم أن استهداف حركة “الشباب” لمراكز التدريب العسكرية ليس جديداً، إلا أن ثمة زيادة في المعدل خلال الشهرين الماضيين، بما يعكس اهتماماً من الحركة باستهداف هذه المراكز خلال الفترة المقبلة، في إطار المواجهات المفتوحة بين القوات العسكرية والأمنية الصومالية وعناصر الحركة.

2- التركيز على القواعد العسكرية: بموازاة استهداف مراكز التدريب العسكرية، فإن الحركة تركز على استهداف القواعد العسكرية، وتحديداً في مناطق بالعاصمة مقديشيو وجنوب الصومال، إذ أعلنت، في 3 نوفمبر الجاري، الهجوم على قاعدتين عسكريتين بالعاصمة مقديشيو وجوبا جنوب الصومال. كما أعلنت، بعد ذلك بيوم واحد، تنفيذ عملية انتحارية لاستهداف قاعدة عسكرية للقوات الخاصة الصومالية التي دربتها القوات التركية، في ولاية شبيلي الوسطى.

3- هجمات على مقرات لمليشيات موالية: تستهدف الحركة مقرات تابعة لمن وصفتهم بـ”المليشيات الحكومية”، إذ نفذت هجمات متزامنة، في 6 نوفمبر الجاري، “على قواعد عسكرية للمليشيات الحكومية والقوات الكينية في مديريتي ياقشيد ودينيلي بالعاصمة، وفي مدينة جنالي وبلدتي هوزنقو وتابتو بولايات بنادر وشبيلي السفلى وجوبا جنوب الصومال”.

4- مهاجمة مقر وزارة التعليم: بعيداً عن استهداف المقرات العسكرية التي تشارك في العمليات ضد عناصر حركة “الشباب”، كان لافتاً أن الأخيرة بررت استهداف وزارة التعليم الصومالية، أواخر شهر أكتوبر الماضي، لدورها “في تجنيد الطلاب، حيث انضم عدد كبير منهم إلى مليشيات الحكومة، والبعض الآخر تم استخدامهم كمرتزقة وتم تجنيدهم لبعض الدول الأجنبية”، وفقاً لبيان صادر عن الحركة في 29 أكتوبر الفائت. وكان بيان الحركة مؤشراً على تصاعد استهداف المقرات العسكرية والحكومية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع تحذير البيان من الاقتراب من قواعد ومقرات ومكاتب الحكومة في المدن والمناطق التي باتت تحت سيطرتها.

دوافع متداخلة

يُشير تعدد استهداف المقرات العسكرية، على تنوعها، إلى جملة من الدوافع المتداخلة، يأتي في مقدمتها:

1- تحجيم انضمام عناصر جديدة: بالنظر إلى تكرار استهداف مراكز التدريب العسكرية، فإن العمليات التي تنفذها الحركة تأتي في محاولة لتحجيم انضمام العناصر الشابة إلى القوات الحكومية، من خلال ضعف الإقبال أو تراجع بعض المنضمين، لقطع إمدادات العنصر البشري عن القوات العسكرية التي تشارك في مكافحة حركة “الشباب”، إذ إن هذه العمليات لا تستهدف فقط الشباب، وإنما أيضاً أسرهم الذين قد يمارسون ضغوطاً لمنع انضمام أبنائهم للقوات العسكرية. وتأتي تحركات حركة “الشباب” في ظل مساعي إعادة بناء الجيش الصومالي، خلال السنوات القليلة الماضية، لتعزيز القدرات لمواجهتها.

2- تخفيف ضغوط العمليات على الحركة: يمكن النظر إلى استهداف حركة “الشباب” للمقرات العسكرية على اختلافها، في إطار محاولة تخفيف الضغوط العملياتية التي تنفذها القوات الصومالية بالتعاون مع بعض المليشيات الموالية لها، خاصة مع إعلان الرئيس الحالي أكثر من مرة عن خوض الصومال حرباً شاملة لمواجهة النفوذ المتصاعد لحركة “الشباب” عسكرياً من خلال التعاون مع الأطراف الإقليمية والدولية في عمليات التدريب، خاصة بعد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بإعادة القوات الأمريكية للصومال مجدداً، إضافة إلى محاولة الحكومة الجديدة محاصرة الحركة عبر تجفيف منابع التمويل، والضغط لعدم الاستجابة لـ”الإتاوات” التي تفرضها.

3- تقييد تحركات القوات الحكومية: ربما يرتبط تصاعد استهداف المقرات العسكرية على تنوعها بهدف تكتيكي لتعطيل استجابة المقرات العسكرية التي تضم قوات تشارك في مكافحة الإرهاب، وتقييد تحركاتها لمواجهة عمليات الحركة التي تهدف إلى توسيع نفوذها في المناطق القريبة من تلك المقرات، إذ إنه من الصعوبة انطلاق قوات عسكرية من تلك المقرات خلال الهجمات عليها، خوفاً من اقتحام كبير لعناصر الحركة، يوقع خسائر بشرية ومادية في المعدات العسكرية.

وبشكل عام، فإن الهجوم على بعض المقرات العسكرية، يأتي لأغراض تخريبية، للمنشآت والمعدات العسكرية، وبالتالي يعرقل تطوير القدرات، ويحافظ على قدرٍ من التوازن في المواجهات بين القوات العسكرية وحركة “الشباب”، في ضوء تطور القدرات العملياتية للأخيرة، بعد تزايد الموارد المالية، بما أتاح تعزيز القدرات العسكرية.

4- تهديد القوات الأجنبية الموجودة: تستهدف عمليات حركة “الشباب” على المقرات العسكرية مواقع تضم قوات أجنبية تشارك في عمليات مكافحة الإرهاب، بهدف الضغط على تلك القوات من خلال توالي الاستهداف وإيقاع خسائر بشرية، ومن شأن ذلك دفع دول مثل كينيا إلى تحجيم المشاركة في عمليات الملاحقة لعناصر الحركة، وإبقاء دورها منحصراً في تقديم الدعم أو الاتجاه إلى تأمين الحدود مستقبلاً.

5- توجيه رسالة ردع لـ”انتفاضة القبائل”: خلال الأشهر القليلة الماضية، اتجه بعض أبناء القبائل إلى الاصطفاف عسكرياً مع القوات الصومالية لطرد عناصر الحركة من المناطق التي سيطروا عليها منذ العام الماضي، في إطار انتفاضة ضد ممارسات عناصر الحركة للسيطرة الميدانية، وعمليات التنكيل بالرافضين لها، وفرض “الإتاوات”، إضافة إلى حالة الانفلات الأمني التي أحدثتها الحركة باستهداف قيادات حكومية وشخصيات بارزة في الولايات المختلفة، ويُمكن تفسير استهداف مقرات تتبع لمليشيات موالية للحكومة، في إطار رسالة لردع “انتفاضة القبائل”، وتنفيذ تهديدات الحركة باستهداف أبناء القبائل الذين ينخرطون مع الحكومة في قتال الحركة.

تخوفات متزايدة

وأخيراً، فإن تصاعد هجمات حركة “الشباب” على المقرات العسكرية يعكس تخوفاتها من عملية التعبئة التي يُنفذها الرئيس الحالي والحكومة الجديدة، داخلياً وإقليمياً ودولياً، لمواجهة نفوذها المتزايد والسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي بصورة ملحوظة منذ العام الماضي، بما يفسر الاتجاه إلى تركيز العمليات على استهداف القوات العسكرية، كرد فعل على العمليات المستمرة لملاحقة عناصر الحركة.