استراتيجية جديدة:
أسباب اهتمام تركيا بدعم التعاون العسكري مع مالي

استراتيجية جديدة:

أسباب اهتمام تركيا بدعم التعاون العسكري مع مالي



سعت تركيا خلال المرحلة الماضية إلى تطوير علاقاتها مع مالي، على نحو بدا جلياً في الإعلان عن حصول الأخيرة، في 6 يناير الجاري، على 20 طائرة مسيرة، من بينها طائرات من طراز “بيرقدارTB2” تركية الصنع، بالتوازي مع الجهود التي تبذلها تركيا لتوسيع نطاق التعاون التجاري مع مالي.

ومن دون شك، فإن تعزيز قدرات المؤسسة العسكرية في مالي يرتبط، في قسم منه، باستمرار المخاوف من إمكانية إقدام التنظيمات الإرهابية على استغلال التطورات السياسية الحالية من أجل رفع مستوى عملياتها خلال المرحلة القادمة.

خطوات إجرائية

حرصت تركيا على دفع العلاقات العسكرية مع مالي عشية وصول المجلس العسكري إلى صدارة السلطة بعد الإطاحة بحكم الرئيس إبراهيم ببكر كيتا في 18 أغسطس 2020، وظهر ذلك في تحول تركيا إلى مصدر رئيسي للصناعات الدفاعية والعسكرية لمالي، حيث حصلت الأخيرة، في مارس الماضي، على 3 طائرات مسيرة من طراز “بيرقدارTB2” وأربع مقاتلات من طراز “إل 39 الباتروس”.

وبالتوازي مع ذلك، مارست وكالة التعاون والتنسيق التركية دوراً بارزاً في إنشاء وإدارة مشاريع تنموية في غرب أفريقيا، خاصة في مالي. كما كانت تركيا من الدول التي أعلنت عن دعمها للسلطة الانتقالية في مالي، ودعم جهودها في مواجهة المكون الأزوادي في شمال البلاد، حيث أكد السفير التركي لدى مالي ايفي جيلان خلال حضوره حفل تسليم المسيرات التركية، في 6 يناير الحالي، على دعم بلاده لسيادة مالي وسلامة أراضيها، بالإضافة إلى تأكيد حقها في مواجهة معاقل عسكرية تابعة لتنسيقية الحركات الأزوادية في كيدال وتومبكتو.

أهداف متعددة

شكّلت صفقة المسيرات الأخيرة التي حصلت عليها باماكو من أنقرة نقطة انطلاق استراتيجية لدفع التعاون الدفاعي بين البلدين، بالنظر إلى ما تتيحه من فرص لتحقيق العديد من الأهداف، التي يتمثل أبرزها في:

1- توسيع نطاق النفوذ التركي: تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في دول غرب أفريقيا، وخاصة في مالي، وكان للمسيرات التركية دور أساسي في دعم هذا النفوذ. ولذلك حرصت تركيا على دعم العلاقات الدفاعية مع مالي، والاستثمار في هذا التعاون للحفاظ على نفوذها ودورها المتنامي في منطقة الساحل والصحراء الذي شهد صعوداً لافتاً خلال الفترة الماضية على حساب تراجع نفوذ بعض القوى الدولية الأخرى.

2- ملء فراغ الانسحاب الفرنسي: تراجع نفوذ فرنسا في دول الساحل والصحراء بشكل كبير خلال الشهور الأخيرة، لا سيما بعد انسحاب قواتها من تشاد والنيجر والجابون، فضلاً عن اتهام العديد من النخب السياسية الأفريقية لباريس بـ”التواطؤ” مع الجماعات الإرهابية في دول غرب أفريقيا.

وفي هذا السياق، تعكس صفقة المسيرات مع مالي رغبة أنقرة في تسريع وتيرة حضورها في منطقة الساحل والصحراء على حساب تآكل النفوذ الفرنسي، ولعل ما يعزز هذا الطرح هو إعلان تركيا عن حرصها على دعم وتطوير التعاون مع مالي في كافة المجالات، وفي الصدارة منها البرامج الدفاعية.

وعلى صعيد متصل، تستخدم أنقرة علاقاتها بدول الساحل الأفريقي، وفي الصدارة منها مالي كوسيلة للرد على التحركات التي تقوم بها باريس والتي تعتبرها أنقرة مناوئة لمصالحها في بعض الملفات، فضلاً عن أن هذا التعاون لا ينفصل عن رغبة أنقرة في الرد على الخطوة التي اتخذتها باريس، في 28 ديسمبر الفائت، بمنع استقدام أئمة أجانب بما فيهم الأتراك، حيث كان الرئيس إيمانويل ماكرون قد أعلن، في بداية عام 2020، عن رغبته في إنهاء مهام نحو 300 إمام أرسلتهم دول مختلفة مثل تركيا والجزائر والمغرب وغيرها، وزيادة عدد الأئمة المدربين في فرنسا.

3- مواجهة التنظيمات الإرهابية في مالي: تحاول مالي عبر الحصول على الطائرات من دون طيار من طراز “بيرقدار” التركية تعزيز قدرتها على مواجهة خصومها، لا سيما التنظيمات الإرهابية وتنسيقية الحركات الأزوادية. وتجدر الإشارة إلى أن الأخيرة كانت قد أعلنت، في 4 أكتوبر الماضي، عن سيطرتها على قاعدة عسكرية جديدة تابعة للجيش المالي، لتشكل بذلك القاعدة الخامسة التي تمكنت من السيطرة عليها. ومن هنا، ربما تحاول مالي الحصول على مزيد من تلك الطائرات في المرحلة القادمة، من أجل تقليص قدرة هذه الجهات على توسيع نطاق انتشارها وسيطرتها على مناطق وقواعد أخرى، على نحو سوف يفرض تهديدات مباشرة للحكومة في مالي.

4- موازنة القوى الإقليمية والدولية المنافسة: لا تنفصل صفقة المسيرات التركية مع مالي عن رغبة أنقرة في تعزيز قدراتها الاستراتيجية لموازنة أدوار منافسيها الإقليميين والدوليين في مالي، وخاصة إيران وروسيا، حيث أسست الدولتان علاقات قوية مع الأخيرة.

فقد قام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بزيارة مالي، في 22 أغسطس 2022، لتأكيد دعم بلاده لمالي في مواجهة العقوبات التي تفرضها الدول الغربية. كما تمارس عناصر مجموعة “فاجنر” الروسية دوراً رئيسياً في دعم العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش المالي ضد الجماعات الإرهابية. وحسب تقارير عديدة، فإن “فاجنر” تسيطر، وفق اتفاقيات مع الحكومة المالية، على مناجم ذهب وألماس وغيرها.

وعلى صعيد متصل، فإن جهود تركيا لتطوير علاقاتها الدفاعية مع مالي تأتي في سياق مخاوفها من استئثار الصين وروسيا بالنفوذ في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية، خاصة بعد حصول مالي على حزمة من المساعدات العسكرية من روسيا خلال الأشهر الأخيرة، والتي كانت قد أعربت، في 14 أكتوبر الماضي، عن استعدادها لإنشاء محطة للطاقة النووية في مالي، في حين منحت الصين مالي بعض المعدات العسكرية لمالي من أجل دعم عملياتها العسكرية ضد الأطراف المناوئة لها.

ختاماً، يمكن القول إن صفقة المسيرات التركية مع السلطة الانتقالية في مالي تأتي في إطار استراتيجية تركية جديدة تستهدف ترسيخ الحضور في منطقة غرب أفريقيا، وهو ما يعني أن تركيا ربما تتخذ مزيداً من الخطوات التي تهدف إلى تعزيز علاقاتها مع دول تلك المنطقة، وفي مقدمتها مالي.