دوافع سياسية:
أسباب الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية مُبكرة في الجزائر

دوافع سياسية:

أسباب الإعلان عن إجراء انتخابات رئاسية مُبكرة في الجزائر



حسين معلوينطوي قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في 21 مارس الحالي، بإجراء انتخابات رئاسية مُبكرة على عدد من المؤشرات ذات الدلالات السياسية، أهمها محاولة الرد على ما أُثير من احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مُسمى، وإظهار عدم تمسك الرئيس بالاستمرار في السلطة، خاصة أن موعد الانتخابات الجديد يسبق الموعد الرسمي بحوالي ثلاثة أشهر، فضلاً عن رغبة تبون في الحصول على تفويض شعبي أكبر، من حيث إنه إلى الآن لم يُعلن عن تقدمه لسباق الانتخابات الرئاسية.

 يضاف إلى ذلك، الإصرار من جانب مؤسسة الرئاسة الجزائرية على الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي قبل نهاية العام، لعدد من العوامل الداخلية والخارجية، من منظور ما تتسبب به هذه العوامل من تنامي الضغوط السياسية على الرئيس والحكومة الجزائرية.

اعتبارات رئيسية

دون أدنى مقدمات، وفي خطوة مُفاجئة، أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في 21 مارس الحالي، عن إجراء انتخابات رئاسية مُبكرة، حدد لها السبت 7 سبتمبر القادم تاريخاً لإجرائها، أي قبل حوالي 3 أشهر من انتهاء ولايته الرئاسية الأولى. وقد جاء هذا الإعلان في بيان للرئاسة الجزائرية، دون الإشارة إلى دوافع تقديم موعد الانتخابات الرئاسية عن موعدها الأصلي، الذي كان مُقرراً في ديسمبر القادم.

واللافت في هذا السياق أن إعلان الرئيس الجزائري عن إجراء انتخابات رئاسية مُبكرة جاء عقب اجتماع حضره رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، ورئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، ورئيس المحكمة الدستورية، ورئيس الوزراء.

ويمكن تفسير قرار إجراء الانتخابات الرئاسية قبل موعدها في ضوء دوافع عديدة، يتمثل أهمها فيما يلي:

1- الرد على مسألة تأجيل الانتخابات الرئاسية: بعد الجدل السياسي الذي أُثير بشأن احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية، يأتي إعلان الرئيس تبون عن إجراء الانتخابات قبل موعدها الذي كان مُقرراً في نهاية العام، ليُمثل رداً على إثارة احتمال التأجيل.

والمُلاحظ أن الرئيس الجزائري بإعلانه هذا لم يكن يستهدف فقط الساحة السياسية الداخلية، ولكن أيضاً بعض وسائل الإعلام الخارجية، الإقليمية والدولية، التي أثارت مسألة “تأجيل الانتخابات الرئاسية” قبل عدة أشهر، وذلك في محاولة للتأكيد على استمرارية الجزائر في مسيرة الاستقرار السياسي والدستوري وعدم العودة من جديد إلى الإشكاليات السابقة التي كانت قائمة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وكانت أحد أسباب اندلاع ما يسمى بـ”حراك 2019″.

2- إظهار عدم التمسك بالاستمرار في السلطة: يتضمن إجراء انتخابات مُسبقة رمزية سياسية تؤشر إلى إظهار أن الرئيس عبد المجيد تبون غير متمسك بالسلطة، وغير مُصرّ على الاستمرار في الحكم في حالة ما إذا لم يكن هناك توافق سياسي على ذلك، بل هو على استعداد لترك الرئاسة للتداول “الديمقراطي”، وهي رسالة موجهة للخارج، ربما أكثر من الداخل الجزائري.

ولعل مما له دلالة أن الرئيس تبون لم يُعلن حتى اللحظة نيته الترشح لـ”عُهدة ثانية”، أو خوض انتخابات الرئاسة التي تم تقديم موعدها، تاركاً الأمر برمته إلى منطق الاحتمالات المفتوحة.

إلا أنّ وكالة الأنباء الجزائرية (الرسمية) أصدرت “برقية تحليلية”، في 22 مارس الجاري، لتوضيح بعض دوافع قرار تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، لأجل الإجابة عن التساؤلات المُثارة بشأنها؛ حيث أشارت إلى أن المغزى الأول من القرار هو “الإشارة الرسمية للخروج من أزمة حراك 2019″، وذلك من حيث إن “الدولة الجزائرية اليوم ليست في أزمة أو في حالة طوارئ، بل استعادت استقرارها”.

3- الحصول على تفويض شعبي أكبر: من الواضح أن قرار تبكير موعد الانتخابات الرئاسية، من دون أن تسبقه أحداث أو توترات سياسية، أو مؤشرات سلبية عن الحالة الصحية للرئيس، يأتي كمؤشر دالٍ على نية تبون الترشح لفترة ولاية رئاسية ثانية، رغم عدم الإعلان عن ذلك حتى الآن.

وبالنظر إلى ضعف الأحزاب الجزائرية الحالية، وتردد كثير من الشخصيات الحزبية أو المستقلة عن الترشح، فضلاً عما يتسم به الوضع السياسي العام في البلاد من استقرار؛ كل ذلك يؤشر إلى الرسالة التي يُريد تبون إيصالها بأن الجزائريين هم من سيطلبون ترشح الرئيس مرة أخرى، بما يعني الرغبة في الحصول على تفويض شعبي أكبر.

4- إجراء الانتخابات قبل نهاية العام: من المنظور القانوني والدستوري الجزائري، تنتهي رسمياً العهدة الرئاسية للرئيس تبون في 19 ديسمبر القادم، وتُجرَى الانتخابات قبل شهر من نهاية العهدة الرئاسية، وبالتالي فإن تقديم موعد الانتخابات يأتي من أجل الانتهاء من هذا الاستحقاق الانتخابي قبل نهاية العام، خاصة أن فترة تقديم الموعد ليست طويلة، بقدر ما هي محاولة لتقديمها من الشتاء إلى الخريف.

إذ أن إجراء الانتخابات في نهاية نوفمبر وبداية ديسمبر ربما لا يكون مُناسباً من منظور الأحوال المناخية، التي ستؤثر على الفعاليات السياسية والحملات الانتخابية، فضلاً عن تأثيرها على نسبة المشاركة في عمليات الاقتراع، بما يعني أن أحد أسباب تبكير الانتخابات هو “سبب تقني”.

5- تنامي الضغوط السياسية داخلياً وخارجياً: يبدو أن استباق الموعد الرسمي للانتخابات هو نوع من استباق إكراهات وضغوط ذات بعدين داخلي وخارجي، وذلك من خلال محاولة إرباك عدد من الأطراف التي تحاول إعاقة التغيير، وعرقلة السياسات الداخلية والخارجية للرئيس، خاصة في ظل مجموعة من الإخفاقات التي تعرضت لها سياسات تبون على المستوى الخارجي، الإقليمي والدولي.

فكما ترى اتجاهات عديدة، فقد أخفقت الجزائر في كثير من الملفات. فعلى المستوى الإقليمي، كشفت الأزمات التي تشهدها مالي والنيجر وليبيا عن تراجع دور الجزائر في الجوار الإقليمي بعد أن كانت طرفاً منخرطاً بشكل مباشر في بعض تلك الأزمات على غرار الأزمة في مالي. أما على المستوى الدولي، فقد توترت علاقاتها مع فرنسا رغم الجهود التي تبذل من أجل تطويرها في الفترة الأخيرة، بالتوازي مع تزايد الخلافات مع بعض الدول الأوروبية وفي مقدمتها إسبانيا، بالإضافة إلى نجاح المغرب في استقطاب مزيد من الدعم لمقاربتها تجاه قضية الصحراء. وأيضاً، ظهر الإخفاق في عدم الحصول على دعم روسيا والصين لطلب الجزائر الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، على نحو رأت فيه هذه الاتجاهات أن التوجه الجزائري ناحية الشرق الآسيوي لم يكن ناجعاً بالقدر الكافي.

مسارات متوازية

في هذا السياق، يُمكن القول إن الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر، وإن كان مُفاجئاً، ورأت فيه اتجاهات عديدة تعبيراً عن حال من الانقسام داخل مكونات السلطة الجزائرية التي يمكن أن تحول دون تجديد تبون ولايته الرئاسية، إلا أن مخرجات الاجتماع الذي سبق الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات تؤكد على حال التوافق بين مكونات السلطة الجزائرية، وتلغي فكرة احتمال رحيل تبون وانتخاب رئيس جديد.

وإذا كان تبون لم يُعلن عن نيته الترشح لولاية ثانية، فإن كافة المؤشرات السياسية ترجح نيته في هذا الترشح، على الأقل من منظور ما دأبت عليه الحكومة الجزائرية من الحديث المتواصل مؤخراً عن برنامج 2030، سواء في قطاعات الطاقة أم التجارة، أم غيرها من المجالات الحكومية المهمة.