أزمة ممتدة:
أسباب إنهاء العمل باتفاقية السلام في مالي

أزمة ممتدة:

أسباب إنهاء العمل باتفاقية السلام في مالي



يأتي قرار المجلس العسكري المالي، في 26 يناير الجاري، بإنهاء العمل باتفاقية السلام الموقعة مع الجماعات الانفصالية في عام 2015، في سياق الحرب المستمرة بين الجيش المالي والجماعات المسلحة الأزوادية في الشمال، حيث تمكن الجيش- بدعم من مجموعة “فاجنر” الروسية- من السيطرة على مدينة كيدال معقل الطوارق في الشمال، فيما وجهت مالي اتهامات للجزائر- الوسيط الرئيسي في جهود إعادة السلام إلى شمال مالي- بالتدخل في شئونها الداخلية ما أجج من حدة التوترات بين الجانبين.

ورغم أن المجلس أعلن، في اليوم التالي، عن تشكيل لجنة لإدارة حوار مع تلك الجماعات، إلا أن ذلك لا ينفي أن مالي تبدو مقبلة على استحقاقات صعبة، سياسياً وأمنياً، خاصة أن هذه الجماعات قد تلجأ، في سياق ردها على تلك الخطوة، إلى خيارات ربما تؤدي إلى تأجيج حالة عدم الاستقرار داخل مالي خلال المرحلة القادمة.

دوافع عديدة

على مدى ثمانية أعوام، مثّلت اتفاقية السلام مدخلاً لتحقيق الاستقرار في مالي، إلا أنها بدأت تتعرض لاختبارات صعبة، بداية من سبتمبر الماضي، بعد أن تصاعدت حدة المواجهات المسلحة بين الجيش والحركات الانفصالية، عقب انسحاب بعثة الأمم المتحدة في مالي “مينوسما” من شمال مالي، في 28 من هذا الشهر، على نحو دفع الطرفين إلى التحرك من أجل ملء الفراغ الناتج عن هذا الانسحاب.

ورغم أن الجيش استطاع، في 14 نوفمبر الماضي، السيطرة على مدينة كيدال الاستراتيجية، إلا أن ذلك لم ينه المواجهات المسلحة، على نحو دفع الجيش إلى البحث عن خيارات أخرى لإدارة الصراع مع تلك الحركات، مثل إلغاء اتفاقية السلام. ويمكن تفسير إقدام المجلس العسكري على اتخاذ تلك الخطوة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- رفض الجماعات المسلحة الدعوة للحوار: أكد المتحدث باسم المجلس العسكري، في بيانه الذي بثه التلفزيون الرسمي، أن المجلس العسكري يعزو مسئولية إنهاء الاتفاقية إلى التغير في مواقف بعض الجماعات الموقعة عليها، حيث رفضت الاستجابة، في 2 يناير الجاري، لدعوة الجنرال اسيمي غويتا، الرئيس الانتقالي في البلاد، إلى حوار مباشر بين الماليين من أجل المصالحة والقضاء على جذور الصراعات المجتمعية والطائفية.

وفي هذا السياق، قال غويتا إن “وحدة الدولة المالية وسلامة أراضيها لن يتم مناقشتها”، بينما أكد المتحدث باسم تمرد الطوارق، المولود رمضان، أن “إعلان غويتا عن حوار سلام كان وسيلة للإعلان عن بطلان الاتفاقية بشكل نهائي وإنهاء الوساطة الدولية بين الطرفين”.

2- إنهاء دور الوساطة الجزائرية: تعتبر الجزائر هي الوسيط الرئيسي في جهود إعادة السلام في شمال مالي، وقد اتهم البيان الذي أذاعه المتحدث باسم المجلس العسكري، في 26 يناير الجاري، من جديد الجزائر بممارسة “الأعمال العدائية” والمسئولية عن إنهاء اتفاقية السلام، مما يشير إلى تصاعد التوترات المالية-الجزائرية بشأن الوضع في شمال البلاد، حيث سبق أن اتهم المجلس العسكري، في 23 ديسمبر الفائت، الجزائر بالتدخل في الشئون الداخلية للبلاد، كما وجهت باماكو انتقاداتها لعقد الحكومة الجزائرية اجتماعات مع جماعات الطوارق التي تقيم على أراضيها بدون إشراك السلطات المالية، وهو ما أثار أزمة دبلوماسية بين البلدين.

3- استثمار تراجع الجماعات المسلحة: تشير تطورات الأوضاع العسكرية في شمال البلاد إلى تراجع نفوذ الجماعات المسلحة في المناطق التي تمكن الجيش من السيطرة عليها مثل مدينة كيدال، معقل الطوارق، ويبدو أن الجيش المالي يستغل سيطرته العسكرية في تعزيز موقعه التفاوضي وإعادة التفاوض من جديد على اتفاقية سلام مع الجماعات المسلحة في الشمال.

تداعيات محتملة

يتوقع أن يفرض هذا القرار تداعيات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تصعيد العمليات ضد الجيش: ربما تتجه الجماعات المسلحة إلى تصعيد عملياتها العسكرية ضد الجيش المالي، وذلك بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية، مثل جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التي يقودها أحد زعماء الطوارق، وهو إياد أغ غالي. وقد أشارت تقارير إلى عقد اجتماعات سرية بين قادة الجماعات المسلحة وجماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، وذلك لتنسيق العمليات ضد الجيش ومجموعة “فاجنر” الروسية. وكان لافتاً أن ذلك توازى مع الانتقادات القوية التي وجهها إياد أغ غالي إلى روسيا، حيث توعد بهزيمتها في منطقة الساحل الأفريقي، وندد بعمليات “فاجنر” ضد الطوارق.

2- استمرار التوتر بين الجزائر ومالي: تستضيف الحكومة الجزائرية، حسب ادعاءات السلطات المالية، عناصر من قادة الجماعات المسلحة في شمال مالي، وقد نددت الأخيرة، في 23 ديسمبر الفائت، بالاجتماعات التي تعقدها السلطات الجزائرية مع هذه العناصر بدون إشراكها. فيما لوحت، حسب تقارير عديدة، باستضافة عناصر من حركة “الماك” الانفصالية ودعمها ضد الجزائر.

3- انخراط المغرب في جهود الوساطة: في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات المالية-الجزائرية توتراً متنامياً، فإن العلاقات المالية-المغربية تشهد تقارباً ملحوظاً، وخاصة بعد انضمام مالي للمبادرة الأطلسية التي طرحها الملك محمد السادس لربط دول الصحراء بالمحيط الأطلسي، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الجزائر التي توجه اتهامات للمغرب بانتهاج سياسة التحريض ضدها.

وعلى ضوء ذلك، من المتوقع أن تعمل المغرب على تعزيز حضورها الدبلوماسي والسياسي في منطقة الساحل، وربما تتجه إلى الإعلان عن مبادرة سياسية ودعوة الجيش المالي والجماعات المسلحة للحوار، واستضافة مفاوضات بين الجانبين على الأراضي المغربية، على غرار الاجتماعات التي تستضيفها بين الأطراف الليبية.

ختاماً،من المتوقع أن يثير قرار المجلس العسكري المالي ردود فعل وتحركات في الداخل المالي وعلى مستوى الإقليم، ولا سيما فيما يتعلق باتجاه الجماعات المسلحة المرتبطة بجماعة الطوارق إلى التصعيد العسكري ضد الجيش، وزيادة التنسيق بين هذه الجماعات والتنظيمات الإرهابية، على نحو يوحي بأن مالي تبدو مقبلة على مرحلة جديدة سوف تشهد استحقاقات مهمة على المستويين السياسي والأمني.