أزمة أوكرانيا وهيكلة الزراعة العربية – الحائط العربي
أزمة أوكرانيا وهيكلة الزراعة العربية

أزمة أوكرانيا وهيكلة الزراعة العربية



لم يكن أحد يتصور أن الأزمة الروسية الأوكرانية سوف تتسبب في هذه الأزمة الطاحنة في الغذاء العالمي بعد أن تبين أن كلتا الدولتين تشاركان بحصص تقترب من 30% من إجمالي تجارة الغذاء في العالم متفوقتان على الولايات المتحدة الأمريكية التي تسهم بنحو 28% من تجارة الغذاء العالمي. فطبقا لبيان المعهد الدولي لأبحاث الغذاء فإن روسيا وأوكرانيا تساهمان بنحو 36% من تجارة القمح في العالم (24.1% لروسيا و 12% لأوكرانيا)، وبنحو 27% من تجارة الشعير العالمي (14.2% لروسيا و12.6% لأوكرانيا)، وبنحو 17% من تجارة الذرة الصفراء للأعلاف في العالم والتي تمثل 75% من مكونات الأعلاف النباتية للمواشي والدواجن وتتحكم في أسعارها وأيضا البيض والزبدة والجلود (15.3% لأوكرانيا و1٫7% لروسيا)، وبنحو 73% من تجارة زيوت عباد الشمس وهو الزيت الأكثر استخداما في العالم (49.6% لأوكرانيا و 23.1% لروسيا). يضاف إلي ذلك تحكم روسيا وحدها في تصدير نحو 15% من الأسمدة النتروجينية الغذاء الأساسي للنباتات، ونحو 17% من الأسمدة البوتاسية المهمة لإنتاج الغذاء، وبالتالي تتحكم روسيا وأوكرانيا في إنتاج الغذاء وأيضا في مدخلات إنتاجه. المشكلة الأكبر في أزمة الغذاء والتي تخصنا أن معظم الدول العربية ومنذ عام 2010 يعتمد على المحور الروسي الأوكراني بنسب من 80 – 100% في توفير وارداتها من الأغذية الأساسية، وبالتالي تأثرت أكثر من غيرها بتوقف التصدير تماما .لم تتأثر العديد من الدول المصدرة للغذاء بهذه الأزمة ولكنها تأثرت فقط بارتفاع أسعار البترول والطاقة، خاصة أن روسيا تصدر كميات كبيرة من البترول تتجاوز 100 ألف برميل يوميا للولايات المتحدة كما تتحكم في تصدير نحو 40% من الغاز لدول الاتحاد الأوروبي ونحو 20% من تجارة الغاز في العالم، وبالتأكيد فإن دولا مصدرة للقمح والزيوت والبقول مثل الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا ومعظم دول اليورو في أوروبا لم تتأثر بأزمة الغذاء الروسية الأوكرانية ولكنها تأثرت فقط بأزمتى ارتفاع أسعار الغاز والبترول وبنسب وصلت إلي 30% من سعرها قبل الأزمة، ولكن التأثير الأكبر كان في الدول المستوردة للغذاء خاصة المنطقة العربية والتي تستورد نحو 65% من إجمالي احتياجاتها من السلع الغذائية الإستراتيجية. الدول البترولية العربية لم تتأثر كثيرا بأزمة ارتفاع أسعار الغذاء عالميا، حيث إن ارتفاع أسعار تصدير بترولها سيعوضها عن ارتفاع وارداتها من الغذاء بينما أغلب الدول العربية غير المصدرة للبترول مثل لبنان ومصر وتونس والمغرب والصومال وجيبوتي واليمن وسوريا وعُمان سوف تتأثر كثيرا بأزمة الغذاء العالمية والتي تحملت نحو 1% من إجمالي ناتجها المحلي في أزمتي الغذاء السابقتين في عامى 2008، 2011. ومع كل أزمة غذاء عالمية والتي لم تصبح أزمة ارتفاع أسعار فقط ولكن أزمة أولوية الحصول على الغذاء من المناشئ الغربية المصدرة للغذاء حيث اشتكت دولة الكويت من تحويل بعض شحنات القمح المتجهة إليها والمدفوعة الثمن إلي بعض دول الاتحاد الأوروبي بما يعني أن التصدير أصبح انتقائيا ولا يخضع لآليات بورصات الغذاء فقط، ولكن للسياسات والتوافقات والتبعيات والتحالفات للدول الكبرى المصدرة للغذاء، ولذلك أصبح الأمر يحتاج إلي إعادة تقييم الدول العربية للموقف وتحديد هل من الأفضل لها الاستمرار في الشراء من البورصات العالمية بكل تقلباتها وتحكم السياسات الدولية والمضاربات فيها، أم من الأفضل الاستثمار الزراعي بداخلها في الدول العربية ذات الوفرة الزراعية من تربة ومياه وكذلك الاستثمار الزراعي في الدول غير العربية القريبة وذات اللوجيستيات الجيدة للشحن والتي لاتضع عوائق أو شروطا لشحنات الغذاء المزروعة لحساب الدول العربية، بالإضافة إلي تحسين طرق الزراعة في المنطقة العربية والتي لا يتجاوز المحصول فيها 50% من المعدلات العالمية، مع تطوير طرق الري إلي الري الشحيح الذي يمكننا من التوسع الزراعي وإضافة رقع زراعية جديدة في بعض البلدان العربية. وفي مصر ينبغي إعادة رسم السياسات الزراعية بما يتناسب مع إنتاج المزيد من الغذاء، وتقليل زراعات الخضراوات في الحقول المفتوحة ونقلها إلي نظم الصوبات الزراعية الأعلي إنتاجا والأقل استهلاكا للمياه، مع استغلال المساحات المفتوحة التي كانت تزرع بالخضراوات في زراعة الحاصلات الاستراتيجية. كما ينبغي لمصر أن تتوسع في زراعات كل من الذرة الصفراء للأعلاف وفول الصويا وهما المكونان الرئيسيان لتصنيع الأعلاف اللازمة للمواشي والدواجن، ومعهما أيضا زراعة عباد الشمس في العروة الصيفية والتي تسمح حاليا بذلك حيث لا يزرع فيها إلا 1.1 مليون فدان بالأرز، ونحو ربع مليون فدان بالقطن وأقل من 2 مليون فدان بالذرة البيضاء أغلبها يستخدم كعيدان وأعلاف خضراء للمواشي عوضا عن البرسيم الشتوي، وبالتالي يتبقى نحو أربعة ملايين فدان يمكن زراعتها مناصفة بين الذرة الصفراء والصويا وعباد الشمس. وبالمثل أيضا ينبغي لمصر ومن خلال أراضي الاستصلاح الجديدة في شمال سيناء والدلتا الجديدة ومحور الضبعة وغرب المنيا وتوشكي وشرق العوينات توفير مساحات 100 ألف فدان لزراعتها بالعدس وتحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل منه، ونحو نصف مليون فدان لزراعتها بالفول وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه، بالإضافة إلي التوسع التدريجي في زراعات القمح خلال خطة خمسية طبقا لما سيتم توفيره من مياه في مشروعات تبطين الترع وتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي والصناعية والاكتشافات الجديدة من المياه الجوفية. ويضاف إلي ذلك التوسع قليلا في زراعات الأرز لتحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل منه تحسبا لارتفاعات في أسعار القمح والبقول. رغم الفقر المائي العربي والمصري إلا أنه لا ينبغي لنا الاستسلام لتحكمات التحالفات الدولية في تصدير الغذاء ولا لمضاربات البورصات ولا لارتفاع أسعار البترول، والعمل على تطوير الزراعة العربية وحسن استغلال الموارد المائية المتاحة وتطوير الري وتحديث الزراعة لتقليل الاعتماد على الغير وتحجيم الواردات الغذائية.

نقلا عن الأهرام