كل التوقعات بشأن الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية تشير الى أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان سيفوز بولاية رئاسية ثالثة، وذلك بعدما أمّن تجيير أصوات المرشح الثالث سنان أوغان له، ما يسهّل له كثيراً إمكان الفوز على منافسه كمال كليتشدار أوغلو.
هكذا يُرجّح أن يبقى أردوغان رئيساً ومعه برلمان يتمتع فيه بغالبية 321 مقعداً من أصل 600. طبعاً لن يكون انتصار أردوغان كاملاً. فهو انتقل إلى جولة انتخاب ثانية تحصل للمرة الأولى في تاريخ تركيا. كما أنّ الغالبية التي يتمتع بها “حزب العدالة و التنمية” وحلفاؤه في البرلمان، ليست مريحة، خصوصاً أنّها تمثل بنتائجها تراجعاً عن الغالبية التي كان يتمتع بها في البرلمان السابق.
لكن فوز الرئيس التركي وحزبه في انتخابات2023 يقلب رأساً على عقب حسابات إقليمية راهنت، في أقل تقدير، على هزيمة تلحق إما بأردوغان في الانتخابات الرئاسية، أو بحزبه في الانتخابات البرلمانية. وانقلاب الحسابات يصيب بشكل مباشر العلاقات بين تركيا بالنظام السوري. فاستراتيجية الانفتاح التي اعتمدها أردوغان بدعم من روسيا تجاه النظام في دمشق، أثمرت في لحظة حرجة بالنسبة إلى أردوغان، لاسيما في أعقاب زلزال شباط (فبراير) الماضي المدمّر، اقتناص الرئيس التركي موضوع عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم. وفي مواجهة انفتاح أردوغان كان النظام السوري مدعوماً من الإيرانيين يتمسك بموقف سلبي منه، مع أن الرئيس التركي أبدى استعدادًا لعقد قمة مع الرئيس بشار الأسد، المر الذي واجهه النظام بالرفض مشترطاً الانسحاب التركي من الأراضي السورية مقدّمة لتطبيع العلاقات.
إزاء ذلك، حافظ أردوغان على موقف ملتبس من مسألة الانسحاب حتى موعد الانتخابات، وفي هذا الوقت كان يتعرّض إلى حملة من المعارضة رفعت شعار إعادة اللاجئين وتطبيع العلاقات مع النظام في دمشق. لكن مع انتقاله الى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي يبدو أنّه ضَمنَها منذ الآن، بدأت ملامح التحول في موقف أردوغان تتظهر.
ففي موقف لافت أطلقه قبل يومين على محطة “تي آر تي”، ورداً على سؤال يتعلق بالانسحاب التركي من سوريا، قال أردوغان: “الانسحاب التركي من سوريا يعني تدفق المزيد من اللاجئين إلى تركيا، ويعني سيطرة التنظيمات الإرهابية على مناطقنا الحدودية، وهذا يعني انّ الصواريخ والقذائف ستعود وتمطر الحدود التركية”.
بهذا الموقف حسم أردوغان مسألة الانسحاب من الشمال السوري، كما انّه سبق ان اعلن انّ خطة إعادة اللاجئين السوريين الى بلادهم شملت حتى الآن 500 ألف شخص، وأنّه يعتزم تنظيم عودة مليون لاجئ سوري خلال عام من الآن. بهذا المعنى، فإنّ أردوغان اختار تمييع قضية اللجوء السوري لمصلحته، والأهم أنّه أعلن جهاراً رفضه الانسحاب من الشمال السوري على قاعدة أنّ النظام في دمشق لا يمكنه ضبط الحدود، وبالتالي فقد أرجأ مشروع التطبيع الذي سعت اليه روسيا إلى مرحلة لاحقة قد لا تأتي. وقد يكون الرئيس السوري استشعر الامر بشكل مسبق، عندما هاجم تركيا خلال كلمته امام القمة العربية في جدة الأسبوع الماضي. ومن هنا، يمكن القول انّ التطبيع بين تركيا والنظام السوري مؤجّل، لفترة طويلة يرجح ان تكون الى ما بعد انتهاء ولاية أردوغان بعد 5 أعوام. فطالما أردوغان في السلطة في تركيا، من الصعب تصور حصول تطبيع مع الأسد، لاسيما انّ روسيا حليفة الأسد لا تملك الكثير من أدوات الضغط لدفع تركيا الى التطبيع. فتعثر حرب روسيا على أوكرانيا يعزز موقع تركيا، ويوسّع لها هوامش المناورة بين الغرب وروسيا. وبالتالي لم يعد الرئيس التركي بحاجة للعب ورقة التطبيع مع دمشق، ولا حتى ورقة اللجوء السوري بالشكل الذي حصل في الأشهر القليلة الماضية.
نحن إذاً أمام واقع يريح أردوغان إذا فاز يوم الاحد بولاية ثالثة، على قاعدة عدم حاجته في المدى المنظور لتقديم تنازلات في المسألة السورية، لا للأسد ولا لبوتين!
نقلا عن النهار العربي