تصاعدت وتيرة النشاط العملياتي لتنظيم “القاعدة” في اليمن خلال الفترة (6 – 14) سبتمبر الجاري، مقارنة بالنشاط العملياتي للتنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية، وإن كان أغلبها عمليات في إطار “دفاعي” لعرقلة الحملات الأمنية على معاقل التنظيم في محافظتي أبين وشبوة. وبشكل عام، فإن تحليل النشاط العملياتي للتنظيم يعكس رغبة في المواجهة لا الاختباء في مواجهة الحملات الأمنية، إضافة إلى فتح أكثر من جبهة للمواجهات، وبناء القدرات العملياتية والتشغيلية والتمويلية، ويرتبط بالأنماط العملياتية عدم رغبة التنظيم في خوض مواجهة مباشرة مفتوحة مع القوات الأمنية في الجنوب.
تتزايد التهديدات الأمنية جنوب اليمن بفعل النشاط العملياتي لفرع تنظيم “القاعدة” المسمى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب” أو “أنصار الشريعة”، وتحديداً منذ الهجوم على حاجز لقوات الحزام الأمني في مديرية أحور بمحافظة أبين (6 سبتمبر 2022)، أسفر عن مقتل نحو 21 من قوات الحزام الأمني، و7 عناصر من تنظيم القاعدة.
ويُعد الهجوم هو الأبرز والأكبر للتنظيم منذ عام 2019، رغم تنفيذ عدد من الهجمات خلال الأشهر القليلة الماضية لاستهداف القوات الأمنية والعسكرية في جنوب اليمن، بعد تحولات في اتجاهات الاستهداف من تنفيذ عمليات ضد الحوثيين، وفقاً لبيانات التنظيم نفسه.
ومنذ تنفيذ فرع “القاعدة” في اليمن الهجوم على قوات الحزام الأمني، تتابعت العمليات في ظل منحنى متصاعد للنشاط العملياتي.
ملامح التصعيد
يُمكن الوقوف على أبعاد واتجاهات النشاط العملياتي لفرع “القاعدة” في اليمن، منذ 6 سبتمبر الجاري، مع مقارنتها باتجاهات النشاط خلال الأشهر القليلة الماضية، كالتالي:
1- تصاعد وتيرة النشاط العملياتي: ثمة ملاحظة رئيسية تتعلق بالنشاط العملياتي لـ”القاعدة” في اليمن، تتعلق بتصاعد وتيرة العمليات، وخلال الفترة (6 – 14) سبتمبر، أعلن التنظيم عن تنفيذ 6 عمليات، وهو معدل متزايد للعمليات خلال تسعة أيام فقط، بينها الهجوم على قوات الحزام الأمني في أبين، وهي العملية الأبرز، في حين أنّ العمليات الخمسة الأخرى كانت أقل في الأهمية، وجاءت في سياق مواجهة العمليات الأمنية لملاحقة التنظيم في محافظتي أبين وشبوة.
وخلال الأشهر القليلة الماضية، نفّذ التنظيم عدداً من العمليات ولكنها كانت محدودة من حيث العدد، وإن كانت مؤثرة، مثل محاولة اغتيال قائد الحزام الأمني عبد اللطيف السيد، في مارس الماضي. وفي يونيو الماضي، نفذ التنظيم عمليتين، الأولى في محافظة أبين، والثانية في محافظة شبوة.
2- تركيز العمليات في “أبين” مقارنة بـ”شبوة”: من خلال رصد وتحليل النشاط العملياتي لـ”القاعدة” في اليمن، فإنه يركز العمليات في محافظتي أبين وشبوة، ولم يُعلن عن تنفيذ عمليات خارجهما خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو استمرار لاستراتيجية التنظيم بتركيز الجهود العملياتية على المحافظتين، لمحاولة إحداث اختراق أمني يمكنه من محاولة العودة إلى المشهد الميداني في جنوب اليمن، بعد فترة تراجع كبيرة منذ عام 2019 تحديداً، قبل أن يدشن لمرحلة جديدة في نوفمبر الماضي، ترتكز على تركيز العمليات لاستهداف المكونات الأمنية والعسكرية في الجنوب، وتراجع أي استهداف للحوثيين. واحتلت محافظة أبين المرتبة الأولى من حيث عدد العمليات خلال الفترة (6 – 14) سبتمبر الجاري، بواقع 4 عمليات، فيما شهدت محافظة شبوة تنفيذ عمليتين فقط. وبالنظر إلى العمليات التي نفذها التنظيم منذ مارس الماضي وحتى نهاية أغسطس الماضي، فإن محافظة أبين جاءت في المقدمة بواقع عمليتين، مقارنة بعملية واحدة في شبوة.
3- غلبة الاعتماد على النمط الدفاعي: بتحليل أنماط النشاط العملياتي في فترة تصاعد معدل العمليات، يمكن ملاحظة غلبة الاعتماد على النمط الدفاعي وليس الهجومي، حيث لم ينفذ التنظيم أي هجمات على مواقع أو تمركزات للقوات الأمنية في محافظتي أبين وشبوة باستثناء الهجوم الذي نفذه على حاجز لقوات الحزام الأمني يوم 6 سبتمبر الجاري، فيما جاءت العمليات الخمسة الأخرى في إطار ما وصفه بـ”صد” الحملات الأمنية. وهنا فإن التنظيم يركّز على عرقلة جهود العمليات الأمنية التي أطلقتها القوات الأمنية في الجنوب، الأولى “سهام الشرق” في 22 أغسطس الماضي في محافظة أبين، والثانية “سهام الجنوب” في 11 سبتمبر الجاري في محافظة شبوة، لملاحقة عناصر تنظيم “القاعدة” ومواجهة التهديدات الأمنية بعد تصاعد نفوذ التنظيم خلال الأشهر القليلة الماضية.
4- بروز الاعتماد على “تلغيم” الطرق: بتحليل عمليات التنظيم الأخيرة خلال شهر سبتمبر الجاري، فإنه يمكن ملاحظة تعدد تكتيكات التنفيذ في عمليات التنظيم ضد القوات الأمنية في جنوب اليمن، سواء في أبين أو شبوة، حيث اعتمد التنظيم على الاشتباك في عمليتين، الأولى ذات نمط هجومي على قوات الحزام الأمني في أبين (6 سبتمبر)، والثانية ذات نمط دفاعي لمواجهة حملة أمنية في منطقة المصينعة بمحافظة شبوة، وعملية واحدة باستخدام دراجة نارية (على الأرجح مفخخة)، وثلاث عمليات باستخدام العبوات الناسفة، في إطار “تلغيم” الطرق التي تسلكها الحملات الأمنية لمناطق نفوذ وتمركزات التنظيم في المحافظتين على حد سواء.
دلالات رئيسية
من خلال تحليل النشاط العملياتي لـ”القاعدة” في اليمن خلال المدى الزمني المُحدد، وفي ضوء عدد من السياقات على الساحة اليمنية، يمكن الإشارة إلى عدد من الدلالات لهذا التصعيد العملياتي، كالتالي:
1- اتجاه للمواجهة وليس الاختباء: يعكس النشاط العملياتي لـ”القاعدة” بطابعه الدفاعي،لمواجهة الحملات الأمنية على مناطق نفوذه في محافظتي أبين وشبوة، اتجاهاً ملحوظاً إلى اللجوء لخيار المواجهة لهذه الحملات، وليس الاختباء في مناطق جبلية وعرة، بانتظار انتهاء عمليات التمشيط للقوات المشاركة في الحملات، ومن ثم العودة إلى تنفيذ العمليات، وهذا يشير إلى اقتراب هذه الحملات من مناطق نفوذ رئيسية للتنظيم لا يرغب في خسارتها، بما يؤدي إلى تراجع للنشاط العملياتي في المحافظتين، إضافة إلى أنها محاولة لتصدير رسالة مفادها أن التنظيم لن يستسلم في مواجهة الحملات، وبقدر الخسائر التي يتعرض لها سواء مادية أو بشرية، سيقابلها خسائر في صفوف القوات المشاركة في الحملات الأمنية. وأعلن التنظيم في بيان حمل اسم “أنصار الشريعة” نشرته حسابات مقربة من التنظيم عبر مواقع للتواصل الاجتماعي، التأكيد على مواصلة مواجهة هذه الحملات، والتعهد بإفشالها كما حدث مع حملات سابقة. في المقابل، نقلت وسائل إعلامية عن المتحدث باسم القوات الجنوبية، محمد النقيب، تأكيده أن عملية “سهام الشرق” في محافظة أبين حققت أهدافها بنسبة 85%.
2- عدم الرغبة في مواجهة مفتوحة: يشير اعتماد التنظيم في مواجهة حملات القوات الأمنية في محافظتي أبين وشبوة، على “تلغيم” الطرق التي تسلكها القوات، من أجل عرقلة محاولات التقدم، وعدم الاعتماد على تكتيك الاشتباكات مع تلك القوات، إلى عدم الرغبة في خوض مواجهة مباشرة مفتوحة مع القوات الأمنية، وذلك يضمن للتنظيم عدة أهداف، أولاً: تكبيد القوات الأمنية أكبر قدر من الخسائر المادية والبشرية في آن واحد، جراء استهداف المركبات والمعدات العسكرية المشاركة في الحملات الأمنية، وثانياً: تجنب التنظيم خسائر بشرية في صفوف عناصره، بما يؤثر على الترتيبات الخاصة بمحاولة استعادة النفوذ في المحافظات الجنوبية، خاصة أن التنظيم فَقَدَ أعداداً كبيرة من عناصره بداية من عام 2015، بعد السيطرة على عدة مدن في محافظة الجنوب، والمواجهات التي خاضها خلال محاولات طرده من المناطق التي سيطر عليها، إضافة إلى غارات الطائرات من دون طيار الأمريكية.
3- زيادة القدرات العملياتية والتمويلية: يعكس تحرك التنظيم على مستوى عملياته خلال الأشهر القليلة الماضية، والاستمرار على نفس النهج بتنويع العمليات بين محافظتي أبين وشبوة؛ رغبة في فتح أكثر من جبهة للمواجهة والعمليات،من خلال اتّباع نمط لا مركزي في العمليات، وتوزيع عناصره بين المحافظتين في إطار مجموعات صغيرة، بما يُصعب عملية استهدافهم ورصدهم،بما يقلل من حدة الضغوط على التنظيم في جبهة واحدة فقط، بما يُسهل عملية محاصرته وتحجيم نشاطه ونفوذه، مقابل امتلاكه مرونة في العمل بين محافظتين بصورة أكبر.
كما يرتبط فتح التنظيم العمل على أكثر من جبهة، تعزيز وزيادة قدراته العملياتية والتشغيلية، ويزيد من احتمالية استقطاب وجذب عناصر جديدة خلال الفترة الماضية، بما مكّنه من النشاط العملياتي في نطاق جغرافي يمتد لمحافظتين، إضافة إلى زيادة القدرات التمويلية خلال الفترة الماضية، والسعي لزيادتها من خلال التفاوض على إطلاق سراح مسؤولين أمميين اختطفهم التنظيم، وبث إصدار لأحد المسؤولين مطلع شهر سبتمبر الجاري، يدعو فيه الأمم المتحدة لتلبية طلبات التنظيم، من أجل إطلاق سراحه وزملائه.
4- استغلال التوترات جنوبي اليمن وتحديداً مع “الإصلاح”: يرتبط النشاط العملياتي لتنظيم “القاعدة” في اليمن، بمحاولة زيادة نفوذه خلال الفترة المقبلة، اعتماداً على التوترات السياسية بين مكونات الجنوب اليمني، وتحديداً الخلاف بين أعضاء بالمجلس الرئاسي من قيادات “المجلس الجنوبي” من ناحية، وبين حزب التجمع اليمني للإصلاح -إخوان اليمن- من ناحية أخرى، على خلفية اتجاه حزب الإصلاح من خلال مكونات أمنية موالية له إلى الاشتباك مع عدد من المكونات الأمنية في الجنوب اليمني، وتحديداً في محافظة شبوة، خلال شهر أغسطس الماضي، قبل إخماد محاولة التمرد. وربما تم إطلاق عملية “سهام الشرق” في أبين، وعملية “سهام الجنوب” في شبوة، على وقع التخوفات من انعكاسات التوترات السياسية والأمنية على نشاط تنظيم “القاعدة”، خاصة أنه يحاول استغلال حالة التوترات لصالحه في تجنيد العناصر، وإمكانية استقطاب عناصر جديدة مناوئة للمجلس الرئاسي و”المجلس الجنوبي”.
بناء القدرات
وأخيراً، فإن النشاط العملياتي لـ”القاعدة” في اليمن، منذ 6 سبتمبر الجاري، وعلى الرغم من أنه يتسم بالنمط الدفاعي لمواجهة وعرقلة الحملات الأمنية في محافظتي “أبين وشبوة”، إلا أنه يعكس تمكن التنظيم من بناء القدرات بشكل صامت، في ضوء الانشغال عن مواجهة التنظيم خلال السنوات الماضية، على وقع الخلافات والتوترات السياسية بين عدد من المكونات الجنوبية، وعدم إدماج كل المكونات الأمنية بالجنوب في هيكل واحد، وتراجع الغارات الأمريكية، حتى بات التنظيم يمثل تهديداً متزايداً للحالة الأمنية، قبل إطلاق حملتين في أبين وشبوة لتحجيم نشاط ونفوذ التنظيم، وإن كانت عملية مواجهة التنظيم تحتاج في المقابل إلى بناء قدرات الأجهزة الأمنية خلال الفترة المقبلة، لاستمرار جهود ملاحقة التنظيم وعناصره، لمنع أي اختراقات أمنية جديدة مستقبلاً.