تعزيز القدرات:
أبعاد مشاركة المغرب في مناورات “فلينتلوك 2023” العسكرية

تعزيز القدرات:

أبعاد مشاركة المغرب في مناورات “فلينتلوك 2023” العسكرية



شاركت القوات المسلحة الخاصة المغربية في المناورات العسكرية المشتركة “فلينتلوك” (Flintlock 2023) وذلك خلال الفترة من 1 إلى 15 مارس 2023، في دولة غانا برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وبمشاركة 1300 ضابط من 30 دولة أفريقية.

مناورات Flintlock 2023
– أجريت لأول مرة في عام 2005.
– تقودها القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”.
– تنظمها هذا العام دولتا غانا وكوت ديفوار.
– يشارك فيها 1300 جندي من 30 دولة.

أهداف محددة

يتم إجراء المناورات العسكرية المشتركة “فلينتلوك” التي تعد أكبر مناورات عسكرية مشتركة يتم إجراؤها بشكل سنوي للعمليات الخاصة للقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا، لتحقيق مجموعة من الأهداف، ومن أبرزها ما يلي:

1- تعزيز القدرات العسكرية للدول المشاركة، تتضمن المناورات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية والقوات المسلحة للدول الأفريقية المشاركة فيها، رفع قدرات هذه القوات وجاهزيتها لمواجهة المخاطر والتهديدات الأمنية التي تُواجهها، حيث تشمل هذه المناورات تدريب الضباط والجنود المشاركين فيها على استخدام الأسلحة والمعدات العسكرية، والتدريب على إطلاق النار في ظروف مناخية مختلفة وخاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة، والتدريب كذلك على الإسعافات الأولية على يد مجموعة من الضباط الأمريكيين المتخصصين في تلك الأمور، وذلك بهدف تطوير قدرات القوات المسلحة الخاصة داخل الدول الأفريقية، وتحسين الاستعداد المشترك لمواجهة المخاطر والتهديدات الأمنية القائمة.

2- مراقبة الحدود المشتركة لمنع تسلل العناصر الإرهابية، تهدف هذه المناورات بشكل رئيسي إلى تعزيز قدرات الدول المشاركة فيها لتأمين حدودها المشتركة مع دول الجوار، وخاصة مع دول منطقة الساحل والصحراء (مالي، بوركينافاسو، النيجر، تشاد، موريتانيا) التي تنشط بها بعض التنظيمات الإرهابية وتهدد الأمن القومي للدول الأفريقية جنوب الصحراء، وأيضاً دول شمال أفريقيا والمغرب العربي ومنها المغرب، حيث ازدادت مخاوف هذه الدول من احتمالات تسلل بعض العناصر المنتمية للتنظيمات الإرهابية وزعزعة الأمن القومي لهذه الدول، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية للتأكيد على تعاونها الأمني والعسكري مع الدول الصديقة والحليفة لها في غرب القارة الأفريقية لتعزيز التعاون والتنسيق الأمني والعسكري المشترك.

3- التصدّي للمخاطر الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء، يأتي إجراء هذه المناورات في الوقت الذي تشهد فيه دول منطقة الساحل والصحراء انقلابات عسكرية وعدم استقرار سياسي وأمني، وذلك على غرار ما شهدته مالي وتشاد من انقلابات ضد أنظمة الحكم السياسية التي كانت قائمة فيها، وهو ما أتاح الفرصة لبعض التنظيمات الإرهابية -مثل تنظيمي القاعدة وداعش- لتصعيد أنشطتها في محاولة لتعزيز سيطرتها على مناطق جديدة، وهو ما انعكس في شنهم هجمات إرهابية ضد المدنيين وكذلك أفراد المؤسستين الأمنية والعسكرية في هذه الدول التي أصبحت تعاني من تصاعد أنشطة هذه التنظيمات التي أقامت تحالفات إقليمية تمتد من دول الساحل والصحراء وحتى دول غرب أفريقيا مثل توجو وبنين وكوت ديفوار (ساحل العاج)، وهو ما تسبب في حالة من الفوضى الأمنية في هذه الدول، بشكل تهددت معه مصالح الدول الغربية. وتجدر الإشارة إلى أن للولايات المتحدة والمغرب تاريخاً مشتركاً في مواجهة الإرهاب والتطرف، وذلك من خلال مشاركة المغرب في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش، وكذلك التعاون في تبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن العناصر المنتمين للتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء.

4- الإعداد لمناورات الأسد الأفريقي في يونيو المقبل، يأتي انعقاد هذه المناورات العسكرية المشتركة قبل ثلاثة أشهر تقريباً من إجراء مناورات الأسد الأفريقي في المغرب في شهر يونيو القادم، وهي المناورات الأكبر والأضخم التي يتم إجراؤها في القارة الأفريقية، والتي من شأنها تعزيز التحالف الاستراتيجي في بُعديه الأمني والعسكري بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن ذلك يعكس التعاون الاستراتيجي الذي يتسم بالقوة بين واشنطن والرباط في الوقت الراهن، وذلك في مواجهة التقارب الجزائري الروسي والاستعداد لإجراء مناورات عسكرية مشتركة خلال العام الجاري وفقاً لما أعلنته موسكو من قبل.

دلالات هامة

تحمل مشاركة المغرب في هذه المناورات مجموعة من الدلالات السياسية والعسكرية، ومن أبرزها ما يلي:

1- تعزيز أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب، تعكس المناورات العسكرية المشتركة التي اشتركت فيها المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأفريقية في نسختها الحالية، التركيز على احترام حقوق الإنسان وبناء إجراءات الثقة بين المواطنين المحليين ودولهم من جهة، وبين المواطنين المحليين والدول المنخرطة في مكافحة الإرهاب والتطرف في دول منطقة الساحل والصحراء والدول الأفريقية من جهة أخرى، خاصةً وأن هذه الدول مرت بخبرات سيئة بشأن تدخل بعض الدول الأجنبية في الشؤون الداخلية لبلادهم تحت تسمية مكافحة الإرهاب والتطرف. ولعل أبرز مثال على ذلك التدخل الفرنسي الذي ترك انطباعات بالغة السوء في مكافحة الإرهاب والتطرف في دول منطقة الساحل والصحراء، وهو ما دفع شعوب هذه الدول (السكان المحليين) وخاصة في بوركينافاسو والنيجر ومالي للمطالبة بإخراج القوات الفرنسية من بلادهم، ليحل محلها الدور الروسي المتصاعد بقوة.

2- تعزيز شراكة مغربية أمريكية، تأتي مشاركة المغرب في هذه المناورات العسكرية المشتركة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتعكس التقارب الأمريكي المغربي في الوقت الراهن على كافة المستويات السياسية في ظل التأييد الأمريكي للمقترح المغربي الخاص بتسوية قضية الصحراء، وأيضاً على المستوى العسكري، حيث أصرت واشنطن على إقامة مناورات الأسد الأفريقي في المغرب خلال شهر يونيو القادم، وذلك رغم مطالبة بعض الدول وعلى رأسها الجزائر لنقل هذه المناورات من المغرب، خاصة وأن رئيس القيادة العسكرية الأمريكية الأفريكوم الجنرال “مايكل لانجلي” قام بزيارة الجزائر في 8 فبراير الماضي لمناقشة تعزيز التعاون العسكري معها، إلا أن إدراك واشنطن لثقل الدور المغربي في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، دفعها لتعزيز تعاونها العسكري مع الرباط بشكل أكبر من أجل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في أفريقيا جنوب الصحراء، وبالتالي تعزيز علاقات الشراكة بين الرباط وواشنطن، خاصة وأن السنوات الماضية شهدت عقد صفقات أسلحة بين الطرفين تسمح للقوات المسلحة المغربية بالحصول على بعض الأسلحة الأمريكية المتطورة لتحديث ترسانتها المسلحة.

3- تعزيز دور الولايات المتحدة في أفريقيا، يعكس إجراء هذه المناورات العسكرية المشتركة مع 30 دولة أفريقية، الإصرار الأمريكي على استعادة دورها ونفوذها المتراجعين في القارة الإفريقية بشكل سمح لغيرها من القوى الدولية مثل الصين وروسيا بملء هذا الفراغ خلال السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي أصبحت المصالح الاستراتيجية الأمريكية مهددة، وهو ما دفع إدارة الرئيس “بايدن” الحالية لتوظيف مقاربة سياسية وأمنية واقتصادية في محاولة لاستعادة دورها المتراجع في القارة الأفريقية، مع التركيز على الدول ذات الثقل السياسي والعسكري ومنها المغرب التي تشهد علاقاتها مع فرنسا حالة من التوتر الدبلوماسي على خلفية تورط باريس في إثارة البرلمان الأوروبي ضد أوضاع حقوق الإنسان في المغرب. وفي ظل هذا التوتر ترى واشنطن أن الوقت مناسب لتعزيز علاقاتها مع المغرب بما يساعدها في تنفيذ أهداف الاستراتيجية الأمريكية الخاصة باستعادة نفوذها في أفريقيا مرة أخرى

.4- دعم قضية الصحراء في مواجهة التحركات الجزائرية، تعكس المشاركة المغربية في هذه المناورات دون مشاركة الجزائر، تعزيز المكانة الإقليمية للمغرب كدولة مستقرة بقدرات عسكرية متطورة، تسمح لها بتوظيف هذه القدرات في مجال مكافحة الإرهاب والتهديدات الأمنية التي تمثلها جبهة البوليساريو، وتوظيف هذه المشاركة لدعم قضية الصحراء بشكل أكبر في مواجهة التحركات الجزائرية الدبلوماسية على الصعيدين الإقليمي والدولي في محاولة لاستمالة مواقف الدول الأفريقية والغربية لدعم مطالب جبهة البوليساريو الخاصة بالحصول على حق تقرير المصير، وهو ما انعكس في مطالبة الممثل الدائم للجزائر في مجلس الأمن الدولي خلال كلمته في الدورة الـ52 لمجلس حقوق الإنسان بمدينة جنيف السويسرية في 3 مارس الجاري، حيث طالب المجتمع الدولي بدعم حقوق الشعب الصحراوي في إقامة دولته الصحراوية من خلال الحصول على حق تقرير المصير، وهو ما ترفضه المغرب وتدعمها واشنطن في ذلك الأمر، وهو ما يدعم الموقف المغربي في مواجهة التحركات الجزائرية المناوئة لها.