دبلوماسية اقتصادية:
أبعاد عقد طهران معرض “إكسبو إيران 2023”

دبلوماسية اقتصادية:

أبعاد عقد طهران معرض “إكسبو إيران 2023”



تُعد العلاقات التجارية بين إيران والعديد من الدول إحدى الأدوات التي تعتمدها طهران في تعزيز تحالفاتها المحدودة، وفي هذا الإطار يأتي عقدها معرض “إكسبو” في نسخته الخامسة، والذي تأجل عقده لمدة 4 سنوات، حيث يتضمن انعقاده عدة أبعاد استراتيجية من ضمنها تعزيز المصالح التجارية مع دول الخليج خاصة السعودية، والاعتماد على أداة التبادل التجاري كمبرر حتمي لتعزيز الربط البري والبحري مع الشرق الأوسط، إضافة إلى استغلال التطورات السياسية والأمنية في المنطقة العربية لزيادة التقارب التجاري والاقتصادي مع دولها بدون تحفظات، مع احتمالية أن يكون التبادل التجاري هو نقطة انطلاق لنهج متدرج في عودة العلاقات الاقتصادية الكاملة مع كافة الدول العربية.

إذ تعقد طهران النسخة الخامسة من معرض القدرات التصديرية الإيرانية “إيران إكسبو 2023” خلال الفترة 7/10 مايو 2023، وذلك بحضور العديد من رجال الأعمال والمسؤولين من عدة دول من غالبية المناطق المتاخمة وغير المتاخمة لإيران، وفيما يلي أهم المعلومات بشأن المعرض الذي يعقد حالياً:

1- الهدف: يهدف المعرض بشكل عام إلى تسويق السلع الإيرانية خاصة غير النفطية، وتعزيز بنية الشركات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة إلى جانب الشركات التصديرية المعروفة، وفي الوقت نفسه تقليص آثار الحصار الغربي المفروض على التجارة الخارجية لإيران. وفي هذا الإطار، توقع “علي رضا بيمان باك” رئيس منظمة ترويج التجارة الإيرانية، أن يسفر معرض 2023 عن توقيع صفقات واتفاقات تجارية تصل إلى 2 مليار دولار.

2- المشاركون: يُعقد بحضور وزراء، ونواب وزراء، ومسؤولين، بالإضافة إلى رؤساء غرف تجارية، وممثلي شركات، وذلك من 65 دولة من بينهم دول خليجية هي: السعودية، والإمارات، وقطر، وسلطنة عُمان، ودول أوروبية مثل ألمانيا وبلجيكا، إضافة إلى روسيا ودول آسيوية مثل الهند والصين، ودول من أمريكا الجنوبية مثل البرازيل وفنزويلا والمكسيك (وفق ما ذكره “علي رضا بيمان باك”). وفي المقابل، يشارك مسؤولون إيرانيون في فعاليات المعرض، إضافة إلى مشاركة أكثر من 750 شركة إيرانية (وفق ما ذكره نائب وزير الخارجية الإيراني للدبلوماسية الاقتصادية “مهدي سفاري”).

3- الفرص المطروحة: بالنسبة للمجالات التي سيتم التركيز عليها، فقد أشار “بيمان باك” إلى أن المعرض يهدف إلى عرض قدرات ومنتجات إيران التصديرية في 12 قطاعاً، مثل: الصناعة، والزراعة، والطاقة، والطب والدواء، لافتاً إلى أن ممثلي الدول المشاركين في المعرض سيزورون موانئ إيران الشمالية والجنوبية لاستكشاف المجالات المحتملة للتعاون المتبادل. وفي هذا السياق، صرح الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” أثناء كلمته الافتتاحية لمعرض 2023 بأن إدارته تمكنت من تصدير سلع قيمتها أكثر من 50 مليار دولار منذ توليه السلطة في أغسطس 2021، لافتاً إلى أن ذلك يعتبر رقماً قياسياً خلال 40 عاماً.

أبعاد إيجابية

يوفر المعرض فرصة لإيران للانفتاح على العالم الخارجي في ضوء تطورات إقليمية ودولية تمهد لذلك الأمر، فجدير بالذكر أن النسخة الأولى من معرض “إيران إكسبو” عُقدت في 2013، ثم تلتها النسخة الثانية في 2017، والثالثة في 2018، والرابعة في 2019، ثم توقف عقده لمدة 4 سنوات، وهو ما تم إرجاعه إلى جائحة “كوفيد-19″، إلا أنه يُرى أن النسخة الرابعة في 2019 لم تَلْقَ رواجاً مقارنة بالنسخ السابقة، بسبب تكثيف العقوبات على طهران، وكذا تدهور علاقاتها مع غالبية دول منطقة الشرق الأوسط، مما دفع طهران إلى تأجيل انعقاده، ولكن تأتي النسخة الخامسة “إكسبو 2023” في سياقات جديدة شجعت طهران على عقد المعرض في ذلك التوقيت، وذلك على النحو التالي:

1- تعزيز المصالح التجارية بين إيران ودول الخليج: إن حضور العديد من دول الخليج بوفود تضم رجال أعمال يطرح إمكانية إعادة العلاقات التجارية وتعزيزها مع بعضها، وتحديداً السعودية والإمارات. وُيعد التبادل التجاري بين القطاع الخاص شبه الرسمي بين كل من إيران وتلك الدول تمهيداً لتعزيز التجارة بشكل رسمي بين حكومة الطرفين، لا سيما وأن التوجهات الإيرانية والخليجية تركز على تعزيز دور القطاع الخاص داخلياً. فبالنسبة للسعودية على سبيل المثال، تضمنت رؤية 2030 ضرورة تمكين القطاع الخاص، وفي المقابل تسعى طهران لتفعيل المادة 44 من الدستور الإيراني التي تبرز أهمية القطاع الخاص، وكذا وثيقتها الصادرة في 2003 باسم “إيران في أفق 2025″، والتي تركز على محورية إيران في محيطها الإقليمي، وذلك من خلال بعض الأدوات وعلى رأسها توظيف صادرات إيران في مد نفوذها الاقتصادي إلى دول الجوار، كما يُرى أن طهران تتبع النهج السعودي والإماراتي نفسه المتدرج في عودة العلاقات مع تركيا، والذي تم بأدوات أخرى مثل تقديم الدعم المالي.

جدير بالذكر أنه من مستهدفات “إكسبو إيران 2023” زيادة حجم صادرات إيران إلى دول الجوار، وخاصة لدول الخليج، والتي تراجعت بشكل ملموس منذ 2019 مقابل زيادة الاستيراد من تلك الدول، مما أسفر عن تنامي عجز الميزان التجاري معها، والذي بدأ يرتفع بشكل مطرد منذ عام 2019، نظراً لتراجع صادرات إيران لتلك الدول وزيادة الاستيراد منها (انظر جدول رقم 1)، ولكن في الوقت نفسه ترى طهران أن التجارة مع دول الخليج حتى لو حققت عجزاً فهي مهمة في إطار الدبلوماسية الاقتصادية التي تنتهجها طهران، وهو ما أكده الرئيس الإيراني أثناء افتتاح “إكسبو 2023″، بأن السياسة الخارجية لإدارته تركز على تعزيز العلاقات مع الجيران والحلفاء، وتطوير الدبلوماسية الاقتصادية.

2- التجارة كأداة لتعزيز الربط مع الشرق الأوسط: يتزامن عقد معرض “إكسبو 2023” مع تحركات إيرانية مكثفة استهدفت تعزيز التعاون في مجال النقل مع العديد من دول المنطقة، حيث وقعت شركة السكك الحديد الإيرانية والشركة العامة لسكك الحديد العراقية في 7 مايو 2023 على مذكرة تفاهم بشأن الإجراءات التنفيذية لربط السكك الحديدية بين منطقة شلمجة بالبصرة (تم اقتراح الخط في نوفمبر 2018 من قبل إيران)، والذي من المفترض أن يكون جزءاً مهماً في نقل البضائع بالسكك الحديدية من الصين إلى البحر المتوسط ضمن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية. وفي هذا الإطار جاء التوقيع في 3 مايو 2023 على محضر اجتماع للتعاون في مجال السكك الحديدية بين سوريا وإيران أثناء زيارة وفد إيراني لدمشق يترأسه الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي”، تمهيداً لبناء الربط السككي بين إيران وسوريا عبر العراق، ليوفر لإيران واجهة على البحر المتوسط (انظر خريطة رقم 1).

خريطة (1): مسار خط السكك الحديدية بين إيران والعراق وسوريا
(Source: www.silkroadbriefing.com)

بناءً على ما سبق، يُرى أن الخط المشار إليه يستهدف منافسة مقترح سابق لإسرائيل في 2019 لربط السعودية ودول الخليج العربي بالبحر المتوسط عبر الأردن وميناء حيفا الإسرائيلي (انظر خريطة رقم 2)، وستقوم تلك المنافسة بشكل رئيسي على حجم التجارة التي تمر عبر إيران من الشرق، أو حتى حجم صادراتها ووارداتها. وفي هذا الإطار، يُعد معرض “إكسبو إيران 2023” عاملاً مهماً في تحقيق المخطط الإيراني لأن تصبح معبراً للتجارة بين الشرق والغرب من جهة، وأن يكون لديها ممر تجاري منافس للمشاريع الإقليمية المماثلة من جهة أخرى، إضافة إلى سعيها لعدم تهميش دورها بذات الشأن من جهة ثالثة.

خريطة (2): تصور لخط السكة الحديد الذي يربط دول الخليج بالبحر المتوسط
(Source: www.thetimes.co.uk)

وبالنسبة للربط البحري مع دول الخليج، وخاصة السعودية، فيوفر معرض إكسبو فرصاً هامة للتعريف بالبنية التحتية الإيرانية في مجال النقل البحري، وهو ما دلل عليه التأكيد على زيارة الوفود المشاركة بالمعرض للموانئ الإيرانية، وبما يعزز من فرص جذب الاستثمار فيها في ضوء الدور الجديد المرتقب لإيران في الربط البحري مع دول الخليج والشرق الأوسط، ولا سيما بعد احتمالات فتح خطوط ملاحية مباشرة مع السعودية لتعزيز التجارة بين الجانبين، وبالتالي تبادل السلع بينهما هو العنصر المشجع لاستحداث تلك الخطوط، وهو ما قد يتم تنفيذه قريباً في حالة عقد صفقات تجارية بين شركات البلدين في “إكسبو إيران 2023”.

3- الاستفادة من توجه التهدئة في التفاعلات البينية العربية والإقليمية: تكشف التطورات الجارية في المنطقة عن وجود توجه لتقليص حدة الصراعات الراهنة، فمع ظهور توجه سعودي/ إماراتي لإنهاء حالة التوتر الراهنة مع إيران، هناك توجه مماثل لإنهاء القطيعة مع سوريا، وذلك في محاولة لتعزيز العلاقات العربية البينية في كافة المجالات، وتهيئة المنطقة العربية أمنياً لمواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية. وفي هذا الإطار، يُعد معرض إكسبو فرصة للتقارب الإيراني مع كافة دول المنطقة بدون تحفظات، وبدون ممارسة أي ضغوط تحول دون تحسن العلاقات الاقتصادية مع طهران. في هذا الإطار، يُرجح أن يكون توقيع صفقات تجارية بين الوفود الخليجية والشركات الإيرانية، وكذا ضخ الاستثمارات المتبادلة بين الطرفين في إكسبو، نقطة فاصلة في العلاقات الإيرانية العربية، ولا يُشترط أن يتم البدء فوراً في التبادل التجاري وضخ الاستثمارات، حيث إن ذلك المعرض يُعد جولة استكشافية من كلال الجانبين لاختبار نوايا الطرف الآخر وجديته في تعزيز العلاقة بين ضفتي الخليج، وينصب ذلك الأمر بالأساس على الرياض وطهران، نظراً لأن العلاقات التجارية بين الثانية وباقي الدول الخليج لم تنقطع.

تشابكات متدرجة

في الختام، تتبع إيران نهجاً متدرجاً في عودة العلاقات مع الدول العربية، وقد يكون تعزيز التبادل التجاري هو الخطوة الأولى لذلك النهج، على أن تتبعها خطوات أخرى للانفتاح على المنطقة العربية، منها -على سبيل المثال- الاتفاق على التجارة في السلع الاستراتيجية، وتوقيع اتفاقات تجارة تفضيلية أو حرة، وكذا بناء مناطق اقتصادية مشتركة مع دول جوارها، إضافة إلى الانضمام إلى الكيانات الاقتصادية الإقليمية الموجودة بصفة عضو مراقب أو شريك استراتيجي، وسيوفر ذلك النهج التدريجي فرصة لتحقيق مصالحها الاقتصادية بالمنطقة، وفي الوقت نفسه ترك المجال لتأجيل أي اتفاقات قد تضر اقتصادها، مثل توقيع اتفاق تجارة حرة مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية يؤدي إلى تفاقم عجزها التجاري مع دولها. في هذا الإطار، يرى اتجاه أن بوصلة عودة العلاقات بين إيران والدول العربية سيرتهن على المدى المتوسط بالمصالح الاقتصادية لكل منهما، وذلك على عكس نمط العلاقات بين بعض الدول التي تعتمد على أبعاد استراتيجية وسياسية وأمنية في الأساس.