تعزيز التعاون:
أبعاد زيارة وزير الدفاع المالي إلى إيران

تعزيز التعاون:

أبعاد زيارة وزير الدفاع المالي إلى إيران



قام وزير الدفاع المالي ساديو كامارا بزيارة إيران، في 31 مايو الفائت، حيث التقى نظيره الإيراني محمد رضا اشتياني، الذي أكد عزم واستعداد بلاده للتعاون مع القوات المسلحة المالية لنقل القدرات والإمكانات في مجال المعدات العسكرية. وربما لا يمكن فصل ذلك عن مجمل التطورات التي طرأت على الساحة الإقليمية خلال المرحلة الماضية، سواء فيما يتعلق بسعى إيران، في عهد حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي، إلى تطوير علاقاتها مع الدول الأفريقية، أو فيما يتصل بتصاعد الضغوط الدولية على كلتا الدولتين لأسباب مختلفة، أو فيما يرتبط بمحاولات إيران الاقتراب من أزمات إقليمية محددة على غرار الأزمة الليبية.

دوافع عديدة

يمكن تفسير سعى إيران ومالي إلى تطوير العلاقات الثنائية، على نحو يبدو جلياً في زيارة كامارا إلى طهران، في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- الحصول على السلاح الإيراني: يبدو أن الحكومة المالية الحالية تسعى إلى تنويع مصادر الحصول على السلاح من الخارج، والبحث عن بدائل للسلاح الغربي، والفرنسي تحديداً، وخاصة بعد تصاعد التوتر بينها وبين الدول الأوروبية بسبب وجود مليشيا “فاغنر” فضلاً عن تطورات المشهد السياسي الداخلي في مالي. لذلك، اتجهت الحكومة المالية إلى دول مثل روسيا وإيران لتعزيز قدراتها العسكرية خلال الفترة الأخيرة، وتمكينها من السيطرة على الوضع الداخلي.

وفي هذا السياق، أكد وزير الدفاع الإيراني محمد رضا اشتياني، خلال استقباله نظيره المالي ساديو كامارا، استعداد بلاده لتعزيز التعاون مع مالي من أجل محاربة الإرهاب، وأضاف: “إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تدخر جهداً في تعزيز البنية الدفاعية لدولة مالي لمواجهة تهديدات الجماعات الإرهابية”.

2- مواجهة الضغوط الغربية المزدوجة: تسعى كل من إيران ومالي في المرحلة الحالية إلى توجيه رسائل بأن الضغوط التي تفرضها الدول الغربية عليهما سوف تدفعهما إلى توسيع نطاق العلاقات الثنائية، في المجالات المختلفة لا سيما العسكرية. ومن هنا، أكد وزير الدفاع المالي ساديو كامارا أن “شعب مالي وحكومته يسعيان إلى الإمساك بالسيادة وأمن البلاد بأنفسهم”، وأضاف أن “الجمهورية الإسلامية في إيران هي نموذج جيد ومناسب لشعبنا”. فيما اعتبر وزير الدفاع الإيراني أن “تواجد بعض الدول الغربية في أفريقيا هو لتحقيق أهداف استعمارية وتحقيق المكاسب وخلق التوتر وانعدام الأمن”.

3- تقليص حدة العزلة الإقليمية: كان لافتاً أن الزيارة الأخيرة جاءت بعد التطورات التي طرأت على صعيد العلاقات بين إيران والعديد من الدول العربية في الفترة الماضية، وهو ما يعبر عن توجه إيراني جديد لتقليص حدة العزلة الإقليمية، على نحو يتوافق مع التحركات الموازية التي تقوم بها مالي أيضاً من أجل احتواء تداعيات العزلة التي تتعرض لها من جانب دول منطقة الساحل والصحراء، خاصة بعد انسحابها من مجموعة الساحل الخماسية، وتوتر علاقاتها مع النيجر وتشاد، حيث اتجهت الأولى إلى تعزيز علاقاتها مع فرنسا والدول الأوروبية الأخرى، فيما سعت تشاد إلى توسيع نطاق علاقاتها مع إسرائيل، التي دعتها إلى المشاركة في جهود مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، وذلك خلال الزيارة التي قام بها الرئيس التشادي محمد ديبي إلى إسرائيل، لافتتاح السفارة التشادية في تل أبيب، في 2 فبراير الماضي.

انعكاسات محتملة

من المتوقع أن تسفر زيارة وزير الدفاع المالي إلى طهران عن العديد من النتائج والتداعيات المحتملة التي يمكن تناولها على النحو التالي:

1- دعم احتمال إبرام صفقة “مسيّرات”: تسعى إيران إلى توسيع شبكة المشترين للسلاح الإيراني خلال المرحلة القادمة، خاصة في مجال الطائرات من دون طيار. ومن هنا، فإنها قد تسعى إلى استغلال تطوير العلاقات مع مالي من أجل إبرام صفقة جديدة لشراء مسيّرات إيرانية الصنع. وقد تحاول إيران استغلال حاجة مالي إلى السلاح، لإنشاء مصنع لإنتاج المسيّرات في مالي، على نحو يمكن أن يعود بمكاسب اقتصادية عديدة على إيران، خاصة في ظل وجود سوق واسع للسلاح في منطقة الساحل، نتيجة تطلع دول المنطقة إلى تعزيز قدراتها العسكرية في مواجهة التنظيمات الإرهابية والحركات الانفصالية.

2- تصاعد التنافس في منطقة الساحل: يتوقع أن تدفع دبلوماسية “الدرونز” الإيرانية في منطقة الساحل إلى تصاعد حدة التنافس على سوق السلاح الأفريقي، ولا سيما بين إيران ودول مثل تركيا وإسرائيل، وهي من أبرز الدول المنتجة للطائرات من دون طيار، وتبدي اهتماماً ملحوظاً بزيادة حجم مبيعاتها في منطقة غرب أفريقيا والساحل الأفريقي.

3- وصول الحرس الثوري إلى باماكو: قد يكون توسيع نطاق التعاون العسكري بين إيران ومالي سبباً في تهيئة المجال أمام وصول كوادر من الحرس الثوري الإيراني إلى مالي، تحت غطاء “تدريب القوات المسلحة المالية على محاربة التنظيمات الإرهابية”، وهو ما يمثل إحدى الآليات التي تسعى إيران إلى تبنيها باستمرار من أجل دعم تمددها في بعض الدول.

وكان لافتاً أن وزير الدفاع المالي ساديو كامارا حرص خلال الزيارة على الإشارة إلى ما وصفه بـ”التجارب التي حققتها إيران في مجال مكافحة الإرهاب، وكذلك التحشيد الشعبي وإشراك المواطنين في توفير أمنهم”، وكان ذلك مقدمة لطلب الاستفادة من التجارب الإيرانية في هذا المجال. وقد كان وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان حريصاً على تأكيد استعداد إيران للتعاون مع مالي في هذا المجال، وذلك خلال زيارته إلى مالي في 23 أغسطس الماضي.

4- رفع مستوى التنسيق حول الملف الليبي: والذي يحظى باهتمام مشترك من جانب إيران ومالي، خاصة في ظل تطلع الأولى إلى توسيع نطاق حضورها مجدداً في المنطقة، وسعى الثانية إلى تعزيز انخراطها في عملية إعادة صياغة الترتيبات الأمنية داخل ليبيا خلال المرحلة القادمة، عبر توسيع نطاق التنسيق مع عدد من القوى الرئيسية المعنية بالملف، على غرار روسيا.

5- تصعيد حدة العقوبات على إيران: ربما يكون توسيع نطاق التعاون العسكري بين إيران والعديد من الدول الأفريقية أحد المتغيرات الجديدة التي يمكن أن تدفع الدول الغربية إلى فرض مزيد من العقوبات على إيران، خاصة فيما يتعلق بالشركات العسكرية التابعة للحرس الثوري، والمتخصصة في صناعة المسيّرات تحديداً.  

اهتمام متزايد

إجمالاً، يمكن القول إن ثمة اهتماماً متزايداً من جانب إيران ومالي برفع مستوى التعاون العسكري بين البلدين، وهو ما قد يمثل مقدمة لتطوير العلاقات الثنائية على المستويات المختلفة، لا سيما الاقتصادية، خلال المرحلة القادمة، خاصة أن إيران ورغم اهتمامها بالوصول إلى صفقة جديدة خاصة بالاتفاق النووي مع القوى الدولية، فإنها لم تعد تستبعد فشل الجهود المبذولة في هذا السياق، وباتت تسعى في المرحلة الحالية إلى توسيع هامش الخيارات المتاحة أمامها، خاصة فيما يتصل بالتوجه نحو توسيع نطاق نفوذها داخل بعض دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية.