تأتي الزيارة التي سيقوم بها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في 15 أبريل القادم، في سياق إقليمي شديد التعقيد، مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، والتي تستغلها المليشيات الموالية لإيران في تنفيذ هجمات مسلحة ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، ورغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تعزيز قدرات شركائها في المنطقة على مواجهة التنظيمات الإرهابية، في وقت تسعى لإحداث تحول في دورها العسكري في المنطقة في إطار التركيز على التهديدات الأكثر قوة للأمن والمصالح الأمريكية على الساحة الدولية، والتي لم تعد تنطلق، في رؤيتها، من الشرق الأوسط.
قضايا رئيسية
يمكن القول إن هناك جملة من القضايا سوف تكون على أجندة لقاءات رئيس الوزراء العراقي الأولى للبيت الأبيض منذ توليه السلطة في أكتوبر ٢٠٢٢، ولقاءاته بالرئيس الأمريكي جو بايدن، والعديد من المسئولين الأمريكيين، ويتمثل أبرزها فيما يلي:
1- الهزيمة الدائمة لتنظيم “داعش”: رغم تصريحات العديد من المسئولين العراقيين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء شياع السوداني، بأن تنظيم “داعش” لم يعد يشكل تهديداً للعراق، ولذلك فإنه لم تعد هناك حاجة لاستمرار تواجد قوات التحالف الدولي التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية لهزيمة التنظيم على الأراضي العراقية، فإن السفيرة الأمريكية لدي العراق ألينا رومانوفسكي، قالت في حوار مع وكالة “رويترز”، في ٢٤ مارس الجاري، أن التنظيم الإرهابي لا يزال يشكل تهديداً لأمن واستقرار الدولة العراقية، وأن مهمة التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية مع العراق لهزيمة التنظيم بشكل كامل لم تنته بعد.
ولذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تركز على بناء القدرات الأمنية العراقية لضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم “داعش” ومجابهة التهديدات الإرهابية المستقبلية. ومن هنا، خصص الكونجرس الأمريكي منذ عام ٢٠١٢ أكثر من مليار دولار لبناء قدرات الأمن العراقية، وفقاً لما ذكرته رومانوفسكي في مقال رأى لها بعنوان “لماذا تُعتبر الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق مهمة للشعب العراقي”، منشور على موقع السفارة الأمريكية بالعراق في ١٤ مارس الجاري، بجانب تقديم الولايات المتحدة الأمريكية دعماً مستداماً وأسلحة عسكرية متقدمة تعزز من قدرات الجيش العراقي على مكافحة الإرهاب، ومن أبرزها طائرات أف 16 ودبابات القتال أم1 إبرامز، والتدريب الاحترافي الذي يعزز قدرات قوات الأمن العراقية.
2- مستقبل الوجود الأمريكي في العراق: دعا السوداني أكثر من مرة إلى خروج القوات الأمريكية من العراق، والتي أعيد نشرها كجزء من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لهزيمة تنظيم “داعش”، الذي كان قد استولى على مساحات شاسعة من العراق وسوريا في منتصف عام 2014 لكنه فقدها تدريجياً بفعل الهزائم العسكرية التي تعرض لها. فقد سبق أن صرح السوداني بأن مبرر وجود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في العراق قد وصل إلى نهايته، وأن هناك حاجة للحوار مع واشنطن لوضع جدول زمني لإنهاء مهمة مكافحة التنظيم، وهو ما أكد عليه في لقاءاته مع المسئولين الأمريكيين خلال زيارتهم للعراق، أو أثناء لقاءاته بهم على هامش فاعليات دولية يشاركون فيها.
ومع تزايد الضربات العسكرية الأمريكية ضد المليشيات المسلحة في العراق في أعقاب هجماتها ضد القوات الأمريكية رداً على الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، زادت الضغوط على السوداني لإخراج القوات الأمريكية من العراق على الرغم من أن مهمتها تقتصر على تقديم الدعم والتدريب للقوات العراقية لتعزيز قدراتها على منع عودة تنظيم “داعش”، وحماية الدولة العراقية ضد تهديدات التنظيمات الإرهابية الأخرى.
وقد انطلقت أعمال اللجنة العسكرية العليا المشتركة التي ضمت كبار قادة الجيش العراقي والأجهزة الأمنية وقادة التحالف الدولي، الذي يضم عشرات الدول الأجنبية، وتقوده الولايات المتحدة الأمريكية لهزيمة تنظيم “داعش” في ٢٧ يناير الماضي؛ لمراجعة مهمة التحالف بعد عقد من بداية مهمته في العراق، ونجاحه بالشراكة مع القوات الأمنية والعسكرية العراقية في هزيمة التنظيم، وبحث سبل الانسحاب التدريجي لقوات التحالف من العراق.
وفي المقابل، فإن الإدارة الأمريكية تعارض الانسحاب غير المخطط له من العراق، حيث تخشى من أن انسحابها الكامل من العراق قد يؤدي إلى عودة تنظيم “داعش”، بالإضافة إلى أنه يجعل العراق ساحة للنفوذ الإيراني، وبالتالي إهدار المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق خلال عقدين.
3- منع استهداف المصالح الأمريكية: مع تزايد العمليات المسلحة من جانب المليشيات العراقية الموالية لإيران ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق وسوريا، حثت واشنطن في الأشهر الأخيرة بغداد على بذل المزيد من الجهد لمنع تلك الهجمات، من خلال بعض الإجراءات التي تردع المليشيات المسلحة عن تنفيذ مزيد من الهجمات ضد القوات الأمريكية، ومنها زيادة الأمن حول القواعد العسكرية التي تستضيف القوات الأمريكية، ومنع المليشيات من الحصول على أسلحة متقدمة، وملاحقة ومحاكمة منفذي الهجمات ضد القواعد والمنشآت الأمريكية في العراق، واحترام بغداد التعهد الذي قطعته بضمان أمن المنشآت الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية في العراق.
4- إصلاح النظام المالي العراقي: تسعى إدارة الرئيس بايدن إلى منع إيران من استخدام النظام المالي العراقي للالتفاف على العقوبات الأمريكية. ولذلك تقيد وصول العراق إلى أموالها الخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة للقضاء على غسل الأموال الذي تشير اتجاهات عديدة إلى أنه يفيد إيران وسوريا. ويفرض البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قيوداً أكثر صرامة على التحويلات الدولية بالدولار للبنوك العراقية التجارية.
وتطالب واشنطن بغداد بإجراء إصلاحات على نظامها المالي لمنع استفادة إيران من النظام المالي العراقي. ومن أبرز الإصلاحات الأمريكية المطلوبة، تحسين الرقابة على التحويلات المالية، ومنع تمويل المليشيات المدعومة من إيران، وتعزيز الشفافية في النظام المالي. وقد تعهدت الحكومة العراقية بإجراء إصلاحات على النظام المالي. لكن لم يتم إحراز تقدم كبير حتى الآن. ولا تزال واشنطن تمارس ضغوطاً على الحكومة العراقية لإجراء تلك الإصلاحات خلال المرحلة القادمة.
اهتمام خاص
تكشف الزيارات المتعددة والمتبادلة بين المسئولين الأمريكيين والعراقيين عن أن العراق لا تزال تحظى بأولوية في السياسة الخارجية الأمريكية، وأنها حجر الزاوية في الاستقرار الإقليمي وفقاً لرؤية واشنطن. ولذلك، فإن الإدارة الأمريكية تركز على توطيد العلاقات مع بغداد والانتقال بتلك العلاقات إلى شراكة أمنية استراتيجية دائمة بين البلدين، حيث لا تزال العراق إحدى أهم ساحات المعركة ضد الإرهاب. ويأتي بحث الولايات المتحدة الأمريكية عن شراكة استراتيجية مستقرة مع العراق في إطار سياساتها للحد من النفوذ الإيران في العراق، الذي ترى واشنطن أنه يمثل أحد مصادر تهديد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، على نحو يدفعها إلى العمل على بناء شراكة أمنية قوية مع العراق لتعزيز قدرتها على مواجهة هذه التهديدات.