أطلق تنظيم “داعش” بعد مرور نحو أسبوعين على أحداث “طوفان الأقصى”، حملة تحريض على أطراف دولية وإقليمية، وهو موقف جاء متأخراً مقارنة بتنظيم “القاعدة” وأفرعه والجماعات المرتبطة به، مع القفز على هجوم الفصائل الفلسطينية على المستوطنات في غلاف قطاع غزة، في ظل الخلاف الأيديولوجي مع بعض الفصائل لتقاربها مع إيران، مع التركيز على عمليات القصف على القطاع، لتوظيفه للتحريض على العنف، وحرّض التنظيم على استهداف اليهود ومصالحهم في دول العالم، وتحديداً في أمريكا وأوروبا، فضلاً عن التحريض على عمليات إرهابية بالدول العربية.
دخل تنظيم “داعش” على خط محاولة التنظيمات الإرهابية توظيف أحداث “طوفان الأقصى”، والتصعيد عقب الهجوم على المستوطنات في غلاف قطاع غزة، إذ ركز في افتتاحية صحيفة “النبأ” الأسبوعية (الصادرة عن التنظيم)، في عددها رقم (413) بتاريخ 19 أكتوبر الجاري، على التحريض لإطلاق دعوات عنف متعددة.
وتبرز تخوفات من استغلال وتوظيف التنظيمات الإرهابية، للوضع في غزة، والتصعيد المتبادل، واحتمالات اتساع رقعة الصراع، لتشمل أطرافاً إقليمية، إلى تصاعد دائرة العنف، التي قد تستغلها التنظيمات الإرهابية المحسوبة على “المشروع الجهادي”، لصالحها واستقطاب عناصر جديدة.
أبعاد رئيسة
يمكن تحديد بعض الأبعاد الرئيسة في توقيت تفاعل تنظيم “داعش” مع أحداث “طوفان الأقصى”، ودعوات التحريض على العنف، وفقاً لما جاء في افتتاحية صحيفة “النبأ” التابعة للتنظيم، كالتالي:
1- تأخر في التعاطي مع “طوفان الأقصى”: الملمح الرئيس في توقيت تفاعل تنظيم “داعش” مع “طوفان الأقصى”، هو التأخر في إعلان موقف حيال تلك الأحداث، خاصة مع مرور نحو أسبوعين على اندلاعها، وامتداد دائرة التصعيد والعنف. وخلال الأسبوع الأول لم يُصدر التنظيم موقفاً واضحاً، أو التعليق على مجمل تطورات الموقف.
ولكن التنظيم اكتفى فقط خلال العدد رقم (412) من صحيفة “النبأ” بتاريخ 12 أكتوبر، والتي صدرت عقب أيام قليلة من أحداث “طوفان الأقصى”، بافتتاحية بعنوان: “نصرة المسلمين”، لم تشر بشكل صريح للتصعيد بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، عقب الهجوم على المستوطنات، والذي تبعه عمليات قصف لقطاع غزة.
وحاول التنظيم ربط افتتاحيته في العدد (412)، بالأحدث التي جاءت في العدد رقم (413) بعنوان: “خطوات عملية لقتال اليهود”، من خلال إشارة داخل النص إلى نصرة المسلمين” وهو عنوان الافتتاحية السابقة.
ويمكن تفسير تأخر تعاطي تنظيم “داعش” مع أحداث “طوفان الأقصى” في سياق عدم تحديد كيفية التفاعل معها.
2- تفاعل محدود لـ”داعش” مقارنة بـ”القاعدة”: مقابل تأخر تنظيم “داعش” في التفاعل مع أحداث “طوفان الأقصى”، فإن تنظيم “القاعدة” وأفرعه والجماعات المرتبطة به، كانوا أكثر انخراطاً في التعليق والتفاعل مع الأحداث، من خلال أربعة بيانات رئيسة للتعبير عن الدعم للفصائل الفلسطينية، وإطلاق دعوات للعنف.
وقد يلجأ تنظيم “داعش” في بعض القضايا إلى عدم اتخاذ موقف واضح، أو على الأقل التأخر في تحديد موقفه، ولكن مع الانخراط النشط لتنظيم “القاعدة” مع “طوفان الأقصى”، وسرعة التفاعل مع الأحداث، ربما دفع تنظيم “داعش” إلى محاولة الظهور على الساحة الجهادية، في إطار الصراع والتنافس بين التنظيمين.
إذ كان بإمكان التنظيم إعلان موقفه أو التفاعل مع الأحداث في أول عدد لصحيفة “النبأ” بعد التصعيد المتبادل على الساحة الفلسطينية، ولكن لم يفعل.
3- تجاهل الإشارة إلى الفصائل الفلسطينية: اللافت في افتتاحية صحيفة “النبأ” الأحدث، عدم إشارة التنظيم إلى عملية “طوفان الأقصى” بالأساس،إذ قفز التنظيم على هذه الأحداث، وركز فقط على حالة التصعيد، وعمليات القصف على قطاع غزة،وبالتبعية لم يُشر التنظيم إلى الفصائل الفلسطينية، سواء في سياق المشاركة في الهجوم على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة، أو حتى في سياق التصدي لعملية برية إسرائيلية محتملة.
ويبرز ذلك في ظل الخلاف الفكري والأيديولوجي مع الفصائل الفلسطينية، وتحديداً على مستوى التقارب مع إيران فيما يُعرف بـ”محور المقاومة”، إذ لم تَخْلُ افتتاحية الصحيفة، في هذا السياق، من الإشارة إلى “تبني القتال تحت راية المحور الإيراني المعادي والمحارب للمنهج الإلهي!”، كما أشارت الافتتاحية في موضع آخر إلى ضرورة “تنقية الراية التي تقاتل لتحكيم الشريعة”.
وهذا يفسر عدم ثناء التنظيم على هجوم الفصائل الذي نفذته في المستوطنات بغلاف القطاع، والقفز عليه، والتطرق إلى التصعيد العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، كمدخل لتوظيف الأحداث للتحريض على العنف.
4- الهجوم على أمريكا وأوروبا لدعمهم إسرائيل: أمعن تنظيم “داعش” في محاولة توظيف أحداث “طوفان الأقصى” لصالحه، عبر الإشارة إلى ضرورة عدم اقتصار استهداف “اليهود” –وفقاً لتوصيفه- في فلسطين فقط، وإنما ضرورة استهداف الداعمين لإسرائيل، ووصفهم بـ”الجدار والحبل” الذي يستند إليه اليهود.
وعدد التنظيم للأطراف الداعمة لإسرائيل في افتتاحية “النبأ”، بالقول: “الاقتصار على قتال يهود فلسطين مهما بلغ من نكاية، فليس كافياً لتحقيق القضاء على اليهود، لأن دويلة يهود في تركيبتها منذ البداية قامت بالاعتماد والاستناد على حبل من الناس، فاليهود أقاموا دولتهم بالاتكاء على بريطانيا، ثم احتماء بأمريكا..”، وفقاً لنص الافتتاحية.
واعتبر أن الغرب المتمثل في أمريكا وأوروبا يدعم إسرائيل، ويكشف “حجم السيطرة اليهودية على دوائر صنع القرار الأمريكي والأوروبي”.
5- ترويج مزاعم دعم الدول العربية لإسرائيل: وزعم التنظيم أن إسرائيل عملت علىتطويع حكومات الدول العربية، التي وصفها بـ”المرتدة”، وادعى أن “الحكومات والجيوش المرتدة تُعد هي الأخرى طرفاً من حبال المكر اليهودي التي تخنق الشعوب لإبقائها بعيدة عن تهديد مصالح اليهود، وهو ما يفسر سبب استماتة اليهود في تطبيع علاقاتهم مع هذه الحكومات المرتدة”.
وهنا، فإن التنظيم يسعى إلى عمليات تحريض واسعة ليس فقط ضد أطراف دولية مثل أمريكا ودول أوروبية، وإنما أيضاً تحريض ضد أطراف إقليمية، مع التركيز على الدول العربية، من خلال وصمها بـ”المرتدة”، ومحاولة توظيف الأحداث لتحريض شعوب المنطقة، تأسيساً على مزاعم بأن تلك الحكومات العربية هي التي تقف حائلاً بين الشعوب وتهديد مصالح إسرائيل.
دعوات للعنف
وفي سياق عمليات التحريض الموسعة التي صاغها تنظيم “داعش” في افتتاحية صحيفة “النبأ”، فإنه وضع بعض الخطوات العملية لدعوات عنف موسعة متعددة، وأبرز ملامحها:
1- الدعوة لاستهداف اليهود في أمريكا وأوروبا: انطلاقاً مع رؤية تنظيم “داعش” بدعم أمريكا وأوروبا لإسرائيل، فإن التنظيم دعا إلى استهداف اليهود في كل أنحاء العالم، وحدد ذلك وفقاً للتالي: “السعي الميداني الجاد والسريع لاستهداف الوجود اليهودي في كل العالم، وخصوصاً الأحياء اليهودية في أمريكا وأوروبا التي تشكل العصب الاقتصادي اليهودي وبؤر التحكم في دوائر صنع القرار الغربي، وبالضرورة استهداف ومهاجمة السفارات اليهودية والصليبية في كل مكان”.
كما حرض التنظيم في سياق إنفوجرافيك في عدد صحيفة “النبأ” (413)، على استهداف المعابد اليهودية في كل دول العالم، وكذلك الملاهي الليلية اليهودية وزوراها، فضلاً عن استهداف المصالح الاقتصادية اليهودية في العالم.
2- تحريض على العنف ضد الدول العربية: وقسم التنظيم التحريض على العنف في الدول العربية، إلى استهداف جيوش وحكومات الدول العربية التي وصفها بـ”المرتدة”، والتي أسماها “دول الطوق” على الحدود مع إسرائيل وفلسطين، كما دعا إلى “استهداف خطوط الدفاع الخلفية كجيوش الدول الخليجية التي تحتضن القواعد الأمريكية الداعمة والحامية لأمن دويلة اليهود”.
3- تبني تكتيكات جديدة في غزة: مع الإشارة إلىالاستعداد إلى توغل بري لإسرائيل في قطاع غزة، فإن التنظيم دعا إلى تبني تكتيكات جديدة في مواجهة هذه العملية البرية، وتحديداً الأحزمة الناسفة، وذكر: “فعلى شباب المسلمين هناك –يقصد غزة- أن يأخذوا أهبتهم ويتزودوا بما توفر من العدة العسكرية المتاحة لهم، ونخص منها الأحزمة الناسفة التي غابت عن ساحة المواجهة مع اليهود..”.
توظيف الغضب
وفي سياق أحداث “طوفان الأقصى” وعمليات القصف على قطاع غزة، فإن تنظيم “داعش” يسعى لتوظيف حالة الغضب في المنطقة العربية ضد إسرائيل، لصالحه، من خلال الدعوة إلى عمليات إرهابية في دول المنطقة العربية، وهو ما من شأنه إثارة الأزمات والتحديات الأمنية خلال الفترة المقبلة، خاصة مع استمرار كشف بعض الخلايا المرتبطة بالتنظيم، وآخرها تفكيك خلية في المغرب عقب أحداث “طوفان الأقصى”.
وقد تدفع حالة الغضب من عمليات القصف على غزة، إلى محاولة التنظيم استقطاب بعض العناصر الجديدة، والاستفادة من الوضع الراهن، بغض النظر عن نجاحه في ذلك من عدمه. ولكن بشكل عام، فإن بعض اللحظات والأحداث قد تشكل بيئة محفزة للبعض، للتحول من التطرف الفكري، إلى ممارسة العنف، على وقع ضغوط وسياقات معينة.
واللافت في سياق عمليات التحريض لتنظيم “داعش”، ورغم إطلاق دعوات عنف في الدول الغربية والعربية على حد سواء، إلا أنه لم يوجه أفرعه وعناصره إلى حملة عنف محددة ضد المصالح الغربية في الدول التي تنشط فيها. فعلى سبيل المثال، لم يَدْعُ عناصره في العراق وسوريا إلى استهداف الوجود الأمريكي على سبيل المثال، على الأقل بشكل صريح.