درء التهديدات:
أبعاد تعزيز التعاون الأمني بين إيران وباكستان

درء التهديدات:

أبعاد تعزيز التعاون الأمني بين إيران وباكستان



تتمثل أبرز أهداف تعزيز التعاون بين إيران وباكستان، على نحو ما عكسته الزيارة التي قام بها رئيس الأركان الباكستاني عاصم منير إلى طهران، يومي 15 و16 يوليو الجاري، في توسيع نطاق التنسيق الأمني حول الحدود المشتركة، ورفع مستوى العلاقات الاقتصادية، والتشاور حول تطورات الملف الأفغاني ولا سيما بعد وصول حركة طالبان إلى الحكم، والتحسب من المسارات المحتملة لمليشيا “زينبيون” الشيعية الباكستانية.

صحيفة “جوان” (الشباب) التابعة للحرس الثوري نقلاً عن قائد الحرس الثوري: مستعدون لتحويل الحدود الأمنية بين إيران وباكستان إلى حدود اقتصادية

تكتسب الزيارة التي قام بها رئيس الأركان الباكستاني عاصم منير إلى طهران، يومي 15 و16 يوليو الجاري، أهميتها من اعتبارات رئيسية ثلاثة: الأول، أنها تأتي في وقت تتصاعد فيه حدة التهديدات التي تفرضها العمليات التي تقوم بها جماعات المعارضة على الجانبين، وتستهدف من خلالها قوات حرس الحدود والشرطة والحرس الثوري.

وثانيها، أنها تتوافق مع اتجاه الطرفين نحو تقليص الطابع الأمني على إدارة الحدود المشتركة، من خلال تحويل هذه الحدود إلى نافذة اقتصادية يمكن أن تساهم في تعزيز العلاقات بين الدولتين على المستوى الثنائي.

وثالثها، أنها تتوازى مع طرح تساؤلات عديدة حول مصير العديد من القضايا التي تحظى باهتمام مشترك من الجانبين، على غرار الموقف من حركة “طالبان” الأفغانية، ومن “فيلق زينبيون” الشيعي الباكستاني الذي قامت إيران بتكوينه للانخراط في الصراع السوري.

أهداف عديدة

بدا اهتمام إيران بالزيارة جلياً في الجدول المزدحم للقاءات رئيس الأركان الباكستاني في طهران، حيث التقى الرئيس إبراهيم رئيسي، وقائد الجيش الإيراني عبد الرحيم موسوي، ورئيس الأركان محمد باقري، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. ويمكن القول إن إيران وباكستان سعتا عبر الزيارة إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

1- رفع مستوى التنسيق الأمني على الحدود: وهو ملف يحظى باهتمام خاص من جانب إيران، التي تعرضت لعمليات عديدة نفذتها جماعات المعارضة المسلحة التي تتخذ من المناطق التي تقطنها القومية البلوشية على الحدود مع باكستان نقطة انطلاق لاستهداف قوات حرس الحدود والحرس الثوري. فعلى سبيل المثال، اندلعت اشتباكات بين عناصر حرس الحدود الإيرانية وجماعة مسلحة، في منطقة سروان بإقليم سيستان بلوشستان، في 31 مايو الماضي، أسفرت عن مقتل ستة من عناصر حرس الحدود.

وقد كانت هذه المواجهات المستمرة سبباً في توتر العلاقات بين إيران وباكستان في بعض الفترات، لدرجة دفعت إيران، في بعض الأحيان، إلى توجيه اتهامات للسلطات الباكستانية بالتغاضي عن بعض هذه العمليات. وقد سبق أن وجه رئيس الأركان الإيراني محمد باقري، في 28 فبراير 2019، تهديدات بالتدخل عسكرياً في باكستان لتعقب الجماعات المسلحة التي تقوم بتنفيذ هذه العمليات.

 لكن يبدو أن إيران قامت بتغيير موقفها عبر محاولة الانخراط في تنسيق أمني رفيع المستوى مع باكستان من أجل تقليص قدرة تلك الجماعات على استغلال الحدود لتنفيذ هذه العمليات. وربما يمكن القول إن باكستان باتت في حاجة هي الأخرى لمثل هذا التعاون، خاصة في ضوء انتقال بعض عناصر جماعات المعارضة البلوشية الباكستانية إلى المنطقة نفسها لاستهداف القوات الباكستانية، على نحو بدا جلياً في الهجوم الذي وقع في أول أبريل الماضي وأسفر عن مقتل أربعة عناصر من القوات الباكستانية.

 2- التشاور حول الملف الأفغاني: كان هذا الملف دائماً محل خلاف بين إيران وباكستان، في ضوء الاتهامات التي كانت توجهها الأولى إلى الثانية بدعم حركة “طالبان” الأفغانية. وقد وصل هذا الخلاف إلى ذروته خلال النسخة الأولى من حكم الحركة في منتصف التسعينيات من القرن الماضي.

إلا أن المقاربة الأمنية الجديدة التي تبنتها إيران عقب وصول الحركة مجدداً إلى الحكم في كابول في منتصف أغسطس 2021، ساهمت، على ما يبدو، في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، خاصة أن إيران بدت حريصة على فتح قنوات تواصل مع الحركة، وتجنب الدخول في صدام معها يمكن أن يؤدي إلى وصول التوتر إلى مرحلة أصعب من تلك التي كانت قائمة في الفترة الأولى، إلى جانب دفع الحركة إلى منع تنظيم “داعش خراسان” من استهداف مصالحها. وقد شاركت إيران في اجتماع استضافته باكستان، في 12 سبتمبر 2021، عقب استيلاء طالبان على الحكم في كابول، وضم رؤساء أجهزة الاستخبارات في 8 دول هي: إيران، وباكستان، والصين، وروسيا، وطاجيكستان، وكازاخستان، وتركمانستان، وأوزبكستان، وانتهى إلى التوافق على ضرورة فتح قنوات تواصل مع طالبان للتباحث حول الملفات التي تحظى باهتمام مشترك، ولا سيما ما يتعلق بالمواجهة مع تنظيم “داعش”.

3-  توسيع نطاق العلاقات الاقتصادية: يمثل التعاون الأمني قاطرة لتوسيع نطاق العلاقات الاقتصادية، وهو الملف الذي يحظى بأولوية لدى كل من طهران وإسلام أباد. فقد كان لافتاً -على سبيل المثال- أنه بالتوازي مع زيارة رئيس الأركان الباكستاني إلى طهران، انعقدت اللجنة القنصلية المشتركة بين إيران وباكستان، في طهران، في 17 يوليو الجاري، وذلك بعد توقف دام لمدة ثمانية أعوام. وتمثلت أهم الملفات التي أُجريت المباحثات حولها في إصدار التأشيرات، وتسوية المشكلات التي يتعرض لها الطلاب وسائقو الترانزيت من الجانبين، ورفع الحجز المفروض على اللنشات وغيرها.

لكن الخطوة التي اتخذت في هذا السياق تمثلت في قيام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، في 18 مايو الماضي، بافتتاح سوق حدودية في قرية باشين الواقعة على الحدود بين الطرفين، وهي السوق الأولى من بين ستة أسواق سيتم افتتاحها على طول الحدود وفقاً لاتفاقية وقعت بين الطرفين في عام 2012. وافتتح رئيسي وشريف أيضاً خط نقل الكهرباء الإيرانية إلى بعض المناطق الباكستانية النائية. ويكتسب ملف الطاقة أهمية خاصة لدى باكستان التي تعول على أن العلاقات القوية مع إيران سوف تسمح بزيادة صادرات الغاز والنفط الإيراني إلى باكستان.

وقد كان لافتاً أن الرئيس رئيسي حرص على تأكيد اهتمام إيران بإضفاء طابع اقتصادي على إدارة ملف الحدود مع باكستان خلال لقائه رئيس الأركان الباكستاني، حيث قال في هذا الصدد: “إن استراتيجية إيران تتمثل في تحول الحدود الأمنية إلى حدود اقتصادية آمنة”، مضيفاً: “إن تسريع تنفيذ الاتفاقيات الثنائية بين إيران وباكستان سيؤدي إلى توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري والسياسي بينهما”.

وقد أعلن مدير الإدارة العامة لشبه القارة الهندية بمنظمة تنمية التجارة الإيرانية محمد صادق قناد زاده، في 5 مارس الماضي، أن إيران تقوم بإعداد خطط تهدف إلى رفع مستوى التبادل التجاري مع باكستان إلى 5 مليارات دولار، حيث يصل حالياً إلى مليار ونصف المليار دولار.

كما بدا أن ثمة حرصاً من جانب إيران وباكستان على نفي وجود تنافس بين ميناءي تشابهار الإيراني وجوادار الباكستاني، حيث قال وزير المالية الباكستاني مفتاح إسماعيلي، في 18 أغسطس الماضي، إن باكستان ترحب بالاستثمارات الإيرانية في ميناء جوادار.

4- مستقبل لواء “زينبيون” الشيعي: تبدي باكستان قلقاً ملحوظاً إزاء المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها المليشيات الشيعية التي قامت إيران بتكوينها وتدريبها للانخراط في الصراع السوري إلى جانب قوات النظام، ومن بينها لواء “زينبيون” الباكستاني. وقد تزايدت التساؤلات التي طرحت حول هذه المسارات بعد نجاح النظام السوري في السيطرة على القسم الأكبر من الأراضي السورية، حيث يتمثل أحد الخيارات المطروحة في هذا الصدد في عودة تلك المليشيات إلى بلادها الأصلية، وهو خيار يواجه برفض واضح من جانب تلك البلاد التي ترى أن ذلك سوف يؤثر على استقرارها الأمني بشكل مباشر، خاصة أن تلك المليشيات سوف تبقى موالية لإيران.

ومن هنا، فإن باكستان ربما ترى أن الانخراط في تعاون أمني مستمر وعلاقات اقتصادية أقوى مع إيران يمكن أن يقدم محفزات لإيران لتجنب العمل على تنفيذ هذا الخيار في مرحلة لاحقة، لا سيما أن ذلك كفيل بتأجيج الخلافات “المكتومة” بين الطرفين حول العديد من الملفات الأخرى، مثل التعاون الأمني بين إيران والهند.

تأثير الجغرافيا

ربما يمكن القول في النهاية إن القرب الجغرافي يبقى متغيراً أساسياً له دور رئيسي في تحديد اتجاهات العلاقات بين إيران وباكستان. فبعد مرحلة التوتر التي شابت العلاقات بين الطرفين حول الفترة الماضية، بدا لافتاً أن الدولتين توافقتا على أن السبيل الأفضل للتعامل مع الملفات المتعددة التي تحظى باهتمام مشترك من جانبهما يكمن في تأسيس مرحلة جديدة من التعاون على مستويات مختلفة، لا سيما الأمني والاقتصادي.