مواجهة الخصوم:
أبعاد تطور العلاقات بين الجيش السوداني وأوكرانيا

مواجهة الخصوم:

أبعاد تطور العلاقات بين الجيش السوداني وأوكرانيا



يأتي لقاء الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، بقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، في الوقت الذي تتصاعد فيه المواجهات العسكرية بين الجيش الروسي والجيش الأوكراني، والتي تتزامن مع تصاعد المواجهات العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، إذ إن ثمة تفاهمات مشتركة بين الرجلين على تعزيز التنسيق العسكري والسياسي في مواجهة موسكو من خلال الرد على الأخيرة بتكثيف الضربات العسكرية لمواقع فاجنر ومواقع الدعم السريع، ويبدو أن كييف تُبدي استعدادها لتقديم الدعم الفني واللوجستي للجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع. وتسعى كييف إلى نقل الحرب إلى الساحة الأفريقية وخاصة في السودان، بينما يسعى الجيش السوداني للحصول على الدعم الغربي لعملياته العسكرية ضد قوات الدعم السريع وتسليط الضوء على التحركات الروسية على الساحة السودانية.

ففي 23 سبتمبر الجاري، تداولت وسائل إعلام عربية وغربية أنباء حول لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي برئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في مطار شانون بأيرلندا من دون تخطيط مسبق، وهو ما يثير التساؤلات حول أبعاد تطور العلاقات بين الجيش السوداني وأوكرانيا.

علاقات متنامية

يأتي لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي برئيس مجلس السيادة قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في سياق اهتمام متبادل لتنسيق جهودهما السياسية في مواجهة روسيا، على النحو التالي:

1- تقديم أوكرانيا الدعم العسكري الفني لسلاح الجو السوداني: ففي 19 أغسطس الماضي، زار وفد عسكري أوكراني قاعدة وادي سيدنا العسكرية في مدينة أم درمان لإجراء أعمال الصيانة الضرورية لمقاتلات سلاح الجو السوداني، وهو ما فسره العديد من المراقبين باهتمام أوكراني بتقديم الدعم العسكري للجيش السوداني ودعم قدرات سلاح الجو في مواجهة قوات الدعم السريع، التي لا تمتلك أي طائرات وإنما أسلحة ودبابات، وعده مراقبون للحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع بانخراط غير مباشر من جانب أوكرانيا في هذه الحرب من خلال دعم طرف (الجيش السوداني) ضد الطرف الآخر (الدعم السريع).

2- انخراط المسيرات الأوكرانية في المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع: حيث أشارت تقارير أمريكية، في 20 سبتمبر الجاري، إلى أن الأجهزة الخاصة الأوكرانية من المحتمل أن تكون وراء سلسلة من الهجمات التي استهدفت قوات الدعم السريع، ونقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية تصريحات لقادة عسكريين أوكرانيين تُفيد بأن عملية الاستهداف “عمل غير سوداني”. وأشارت القناة الأمريكية إلى أنها على الرغم من عدم تأكدها بشكل مستقل من تورط أوكرانيا في سلسلة الضربات، لكنّ لقطات الفيديو كشفت أن هجمات الطائرات المسيرة التي استهدفت قوات الدعم السريع في أم درمان وما حولها كانت على النمط الأوكراني المتبع مع روسيا، حيث كانت هذه المسيرات تنقض مباشرة على هدفها، وهو تكتيك قتالي غير معهود في السودان وأفريقيا، وهو ما يشير إلى أن أوكرانيا قدمت مساعدة للجيش السوداني في تكتيك التعامل مع قوات الدعم السريع.

3- الدعم السياسي المتبادل بين أوكرانيا والجيش السوداني في المحافل الدولية: حيث عبرت أوكرانيا في أكثر من مناسبة عن دعمها لقوات الجيش السوداني في الحرب ضد قوات الدعم السريع، كما عبر السودان في مناسبات عديدة عن دعمه للموقف الأوكراني وخاصة عند التصويت على قرارات الأمم المتحدة التي تدين الحرب الروسية ضد أوكرانيا. ويشير هذا اللقاء في هذا التوقيت إلى اهتمام الجانبين بإظهار دعمهما السياسي لبعضهما، ولا سيما دعم رئيس مجلس السيادة السوداني موقف بلاده للموقف الأوكراني في الحرب الدائرة مع روسيا، أو موقف الرئيس الأوكراني الذي يظهر دعم بلاده للجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع.

أبعاد عديدة

يمكن قراءة هذا اللقاء بين زيلنسكي والبرهان في سياق الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا على الساحة الأوكرانية، والحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على الساحة السودانية على النحو التالي:

1- توسيع أوكرانيا نطاق الحرب ليشمل الساحة السودانية، حيث تشير التحركات وزيارات الوفود العسكرية الأوكرانية إلى السودان إلى رغبة كييف في توسيع نطاق الحرب لتشمل الساحة السودانية، وذلك بغرض تشتيت الجهد الروسي في الحرب على جبهات عديدة، حيث تدور الحرب الروسية بشكل أكبر على الساحة الأوكرانية ما يمنحها نطاقاً أقل في الرد العسكري، ويبدو أن أوكرانيا ترغب في توسيع نطاق ردها العسكري على الضربات الروسية كي لا يشمل الأراضي الروسية فقط وإنما الرد العسكري في مناطق وساحات أخرى.

2- استهداف تحالف فاجنر والدعم السريع في السودان، ففي الوقت الذي تسعى فيه أوكرانيا للرد على عمليات فاجنر داخل الأراضي الأوكرانية فإن الجيش السوداني يعمل على طرد فاجنر من السودان باعتبار أن قوات الدعم السريع تعتمد بشكل كبير على دعم هذه المجموعة العسكرية في السودان، وفي الوقت نفسه تعتبر كييف أن موسكو تعتمد على الدعم المالي المقدم من قوات الدعم السريع ونشاط فاجنر في استخراج وتجارة الذهب في السودان وترغب في قطع هذه الإمدادات عن موسكو، ومن ثمّ يبدو أن هذا التنسيق العسكري بين أوكرانيا والجيش السوداني يستهدف نشاط وعمليات فاجنر ومحاصرة وجودها في السودان.

3- ممارسة الضغوط السياسية على حميدتي قائد قوات الدعم السريع، فبرغم استمرار الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لكن قائد مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان أعلن في أكثر من مناسبة عن رغبته في الجلوس للتفاوض مع قوات الدعم السريع، وهو ما قد يشير إلى أن هذه التحركات المكثفة على الساحة الدولية تستهدف دفع قائد قوات الدعم السريع للجلوس إلى طاولة التفاوض، وخاصة في ظل الشروط التي يضعها حميدتي للقبول بالتفاوض مع الجيش السوداني.

4- حشد الدعم الدولي للجيش السوداني في مواجهة قوات الدعم السريع، حيث يشير مراقبون إلى أن لقاء عبد الفتاح البرهان بزيلنسكي في هذا التوقيت يكشف عن اهتمام قائد الجيش السوداني باستقطاب الدعم الغربي لموقفه في الحرب مع الدعم السريع وذلك عن طريق إظهار البرهان دعمه للموقف الأوكراني في الحرب مع روسيا، وقد وجهت القوى الغربية مثل الولايات المتحدة انتقادات وأثارت مخاوفها من تأثير ذلك على مصالحها في السودان ودعت إلى إنهاء الحرب، وفي الوقت نفسه فإن الدول الغربية غير راضية عن وجود قوات فاجنر في السودان باعتبارها تشكل خطراً على مصالحها في البلاد.

جغرافيا متحركة

وفي المجمل، يشير لقاء زيلنسكي مع البرهان إلى تنسيق وتعاون عسكري وسياسي متنامٍ في مواجهة السياسة الروسية، ويبدو أن ثمة تفاهمات بين الرجلين على ضرورة الرد على هذه السياسة من خلال التعاون العسكري لتوجيه ضربات عسكرية لكل من فاجنر التي يقاتل عناصرها في أوكرانيا وتنخرط في القتال إلى جانب قوات الدعم السريع في السودان، حيث يحقق هذا التنسيق العسكري أهداف ومصلحة الجيش السوداني والأوكراني في مواجهة خصم مشترك على الساحة السودانية. بيد أن توسع الانخراط العسكري الأوكراني على الساحة السودانية قد يدفع إلى زيادة الدعم الروسي لفاجنر وقوات الدعم السريع في السودان، وهو الأمر الذي يجذب قوى دولية أخرى لتوسيع عملياتها في السودان، وهو ما يشير إلى أن الحرب الروسية-الأوكرانية قد انتقلت بالفعل إلى الساحة الأفريقية ويتسع نطاقها يوماً بعد يوم ليشمل دولاً جديدة.