أزمة جديدة:
أبعاد انسحاب الحزب الديمقراطي من انتخابات إقليم كردستان

أزمة جديدة:

أبعاد انسحاب الحزب الديمقراطي من انتخابات إقليم كردستان



يبدو أن إقليم كردستان مقبل على أزمة سياسية جديدة. إذ أعلن الحزب الديمقراطي الكردستاني (الحزب الحاكم في إقليم كردستان)، في 19 مارس الجاري، انسحابه من الانتخابات البرلمانية في الإقليم المقرر لها يونيو المقبل، على خلفية الحكم الذي أصدرته المحكمة الاتّحادية العراقية، في 21 فبراير الفائت، وقضى بتقليص عدد مقاعد برلمان الإقليم إلى 100 مقعد.

 وقد برر الحزب الديمقراطي الكردستاني قراره بأنه لا يريد “إضفاء الشرعية على انتخاب غير دستوري وغير ديمقراطي”، منتقداً “جميع الخروقات الدستورية التي تمارس من قبل المحكمة الاتحادية ضد إقليم كردستان ومؤسساته الدستورية عامة”. ويعد قرار القضاء العراقي بشأن إعادة هيكلة السلطة التشريعية للإقليم واحداً من التحولات السياسية الأكثر أهميةً في السنوات الأخيرة؛ حيث يمهد الطريق لتغير محتمل كبير، كما يثير انسحاب الحزب الحاكم في الإقليم من الانتخابات العديد من التساؤلات حول مستقبل المشهد الانتخابي.

مشهد معقد

جاء إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني عن الانسحاب من العملية الانتخابية وسط مشهد سياسي معقد، يمكن تناول أبرز مؤشراته على النحو التالي:

1- استمرار الأحكام القضائية الصادمة: يرتبط إعلان الحزب الديمقراطي الكردستاني عن مقاطعة الانتخابات المقبلة برفضه التعديلات التي أدخلتها المحكمة الاتحادية (أعلى سلطة قضائية في العراق) على قانون انتخاب الدورة السادسة لبرلمان كردستان، وتضمنت تعديل المواد الخاصة بتحديد نظام الدوائر الانتخابية وكوتا “حصص” المكونات وعدد المقاعد والجهة المشرفة على الانتخاب والجهة المختصة بالبت في الطعون الانتخابية.

وقضت المحكمة بخفض مقاعد برلمان الإقليم إلى 100 مقعد بدلاً من 111، وذلك بإلغاء الــ11 مقعداً المخصصة للأقليات بموجب نظام الكوتا. كما تضمنت القرارات تكليف الهيئة المستقلة للانتخابات بالإشراف على الاستحقاق الانتخابي بدلاً من الهيئة المحلية التابعة لسلطات الإقليم.

2- تصاعد التوتر بين الإقليم والحكومة المركزية: تتزامن الخلافات الراهنة بشأن العملية الانتخابية في إقليم كرستان، مع تصاعد التوتر بين حكومة الإقليم والسلطة المركزية في بغداد حيال عدد واسع من القضايا الخلافية، في الصدارة منها حصة أربيل من الموازنة العامة، وكذلك إدارة صادرات الموارد النفطية التي مصدرها الإقليم. وقد تزايدت هذه الخلافات بعد اتهام الإقليم لبغداد بالسعى للهيمنة على مفاصل المشهد العراقي، والعودة إلى المركزية في الحكم والابتعاد عن النظام الاتحادي. ومع تصاعد التوتر حول القضايا الخلافية، هدد الحزب الديمقراطي الكردستاني بتجميد مشاركته في المؤسسات الاتحادية.

3- اتساع الهوة بين المكونات السياسية بالإقليم: يأتي قرار الحزب الديمقراطي بالانسحاب من العملية الانتخابية وسط تفاقم الخلافات مع خصمه السياسي في الإقليم، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني. إذ تصاعدت حدة الاتهامات والاتهامات المضادة بين الحزبين، خاصةً بعد ترحيب حزب الاتحاد الوطني في السليمانية بقرارات المحكمة الاتحادية العراقية المتعلقة بتغيير طريقة صرف رواتب موظفي الإقليم، وتحويلها إلى مستحقيها مباشرة عن طريق مصارف عراقية، بدل إرسالها إلى حكومة الإقليم لتوزيعها عليهم.

ووصلت الخلافات إلى الذروة مع اتهام حزب الاتحاد الوطني نظيره الحزب الديمقراطي الكردستاني بالوقوف وراء التوتر الحادث بين الإقليم والحكومة المركزية، بينما اتهم الديمقراطي الكردستاني منافسه الاتحاد الوطني بالتعاون مع السلطات الاتحادية العراقية ضدّ مصلحة الإقليم على أساس أنّه المتسبب في القرارات القضائية التي مست القانون الانتخابي ونظام صرف رواتب الموظّفين. ولم تقتصر الخلافات على ما سبق، فقد اتسع التوتر بين الحزبين بشأن الموقف من حزب العمال الكردستاني، فبينما يبدو الحزب الحاكم في الإقليم أقرب للمقاربة التركية التي تعادي حزب العمال، فإن حزب الاتحاد الوطني يعارض التدخلات العسكرية التركية شمال العراق، ويبدو أكثر تعاطفاً مع حزب العمال.

4- الجدل حول شرعية حكومة الإقليم: تواجه حكومة إقليم كردستان طعناً في شرعيتها بعد قراراتها التي تخص تمديد مدة برلمان كردستان الذي انتهت ولايته القانونية، وهو ما انعكس سلباً على الاستقرار السياسي والاجتماعي في الإقليم، وعلى التوازن بين مكوناته. وهنا، يمكن فهم حالة الجدل المثارة داخل الإقليم بشأن شرعية حكومة نيجرفان بارزاني، حيث يعتقد حزب الاتحاد الديمقراطي (الشريك في السلطة والمنافس الأكبر للحزب الحاكم) أن المسوغات المبدئية التي يتمسك بها الحزب الديمقراطي الكردستاني لضمان الاحتفاظ بالسلطة لم تعد كافية وغير قانونية.

تداعيات محتملة

ينذر عدم مشاركة الحزب الديمقراطي الكردستاني في الانتخابات بتداعيات محتملة على مستقبل المشهد السياسي داخل إقليم كردستان: أولها، تصاعد الشكوك حول إمكانية إجراء الاستحقاق الانتخابي، الأمر الذي يهدّد باندلاع أزمة شرعية في الإقليم، لا سيما وأن الحكومة الحالية تعتبر من الناحية الدستورية مؤقتة نظراً لعدم وجود سلطة تشريعية في الإقليم، بعد رفض المحكمة الاتحادية قرار البرلمان السابق بالتمديد في فترته النيابية لمدة سنة بدءاً من أكتوبر 2022. وثانيها، تفاقم الصراع بين المكونات السياسية العراقية، ويبدو ذلك جلياً في احتمال انسحاب الحزب الديمقراطي الكردستاني من التركيبة السياسية المركزية، وهو ما قد يؤدي إلى تصعيد حالة الاستقطاب بين حكومة الإقليم والسلطة المركزية، خاصة أن الحزب الديمقراطي مقارنة بمختلف الأحزاب الكردية، يملك في البرلمان العراقي 32 مقعداً.

وثالثها، اتساع نطاق التوتر بين مكونات السلطة داخل إقليم كردستان، لا سيما وأن ثمة قناعة لدى حكومة بارزاني بأن قرار المحكمة الاتحادية جاء على خلفية دعوى قضائية أقامها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الشريك الأصغر في حكومة الإقليم، يطعن فيها على شرعية حكومة الإقليم الحالية. ورابعها، تراجع ثقة قطاعات كردية واسعة داخل إقليم كردستان في شرعية المحكمة الاتحادية، لا سيما وأن أنصار الحزب الديمقراطي الكردستاني يعتبرون أن قرارات المحكمة باتت مسيسة وتستهدف تأمين السلطة العراقية لمصلحة تيار بعينه، فضلاً عن اتهام المحكمة بممارسة دور خفي لنقل العراق من مجتمع متعدد المكونات إلى آخر يُدار من قبل طرف واحد. وهنا، يمكن فهم إعلان الحزب الديمقراطي عن رفضه المشاركة في العملية الانتخابية، وأضاف في بيان له أنه لا يريد “إضفاء الشرعية على انتخاب غير دستوري وغير ديمقراطي”.

ختاماً، يمكن القول إن إعلان انسحاب الحزب الديمقراطي من العملية الانتخابية المقرر لها يونيو المقبل، قد يزيد من تعقيد المشهد السياسي العراقي برمته، ويعيد الصراع بين المركز والأطراف الكردية إلى مساره السابق. بيد أن ذلك لا يعني وصول العلاقة إلى مرحلة الصدام والقطيعة، فثمة حرص لدى كافة الأطراف على ضبط حدود التوتر، وعدم وصوله إلى الذروة، خاصة في ظل مخاوف كامنة من انعكاس ذلك على تفاقم عدم الاستقرار الاقتصادي، وتأزم الأوضاع المعيشية خلال المرحلة المقبلة.