تغيرات إقليمية:
أبعاد انتهاء العمليات القتالية للتحالف الدولي ضد “داعش” في العراق

تغيرات إقليمية:

أبعاد انتهاء العمليات القتالية للتحالف الدولي ضد “داعش” في العراق



يستدعي إعلان العراق، في 9 ديسمبر الجاري، عن انتهاء المهام القتالية للتحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، تساؤلات رئيسية حول أبعاد القرار ومستقبل عمليات التحالف الدولي في المنطقة. فالقرار جاء بالتزامن مع التحولات التي تشهدها المنطقة في ظل اتجاه إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن نحو تقليص الانخراط الأمريكي في شئونها، فضلاً عن مساعي التهدئة الإقليمية التي تتبناها العديد من الأطراف في الفترة الراهنة. ولكن من جهة أخرى، يثير هذا القرار جدلاً حول مستقبل عمليات التحالف الدولي في المنطقة، وخاصة أن تهديدات “داعش” لا تزل قائمة في كل من سوريا والعراق.

مغزى التوقيت

أعلن مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، في 9 ديسمبر الجاري، انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف الدولي ضد “داعش”، وأضاف في تغريدة على موقع “تويتر”: “اليوم أنهينا جولة الحوار الأخيرة مع التحالف الدولي والتي بدأناها في العام الماضي، لنعلن رسمياً انتهاء المهام القتالية لقوات التحالف وانسحابها من العراق، وستستمر العلاقة مع التحالف الدولي في مجال التدريب والاستشارة والتمكين”. كما قال اللواء سعد معن رئيس خلية الإعلام الأمني العراقي، في اليوم نفسه، أن “التحالف سيُنهي بالكامل عملية الانتقال إلى المهام غير القتالية قبل نهاية العام الحالي، بموجب ما جرى الاتفاق عليه”.

ويكتسب هذا التطور في عمليات التحالف الدولي ضد “داعش” في العراق- الذي تزامن مع حلول الذكرى الرابعة لإعلان الانتصار على التنظيم- أهمية وزخماً خاصاً من ناحية التوقيت، نظراً لأنه جاء في سياق تحولات رئيسية تجري في المنطقة. فمن جهة أولى، يبدو أن الإعلان عن انتهاء عمليات التحالف في العراق يتوافق مع التوجهات الأمريكية لتقليص الانخراط المباشر في قضايا وأزمات المنطقة، ولعل هذا ما كشف عنه الاتفاق الذي جرى بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق، في 26 يوليو الماضي، بشأن انسحاب جميع القوات الأمريكية المقاتلة من العراق بحلول نهاية عام 2021.

ومن جهة ثانية، فإن ثمة علاقة محتملة بين هذا القرار والتغير في بعض أنماط العلاقات الإقليمية. فعلى سبيل المثال، كشفت تركيا عن مؤشرات تحول في سياستها الإقليمية من خلال تهدئة التوترات مع العديد من الأطراف الإقليمية، كما تسعى إيران لتخفيف حدة التوتر والعمل على فتح صفحة جديدة في العلاقات مع عدد من الدول، بالتوازي مع اتجاه بعض الدول العربية إلى تعزيز أواصر التعاون فيما بينها، على غرار مصر والعراق والأردن.

ومن جهة ثالثة،يبدو الإعلان عن انتهاء العمليات العسكرية للتحالف متصلاً بالمشهد السياسي الداخلي في العراق، وتزايد المطالب السياسية بإنهاء أى وجود عسكري أجنبي داخل العراق، ومحاولة بعض النخب إعادة العراق إلى سياقها الإقليمي عبر طرح مبادرات للشراكة والتعاون بين دول المنطقة.

دلالات عديدة

يطرح الإعلان عن انتهاء العمليات القتالية للتحالف الدولي ضد “داعش” في العراق عدداً من الدلالات الرئيسية حول مستقبل دور التحالف في المنطقة، ويتمثل أبرزها في:

1- استمرار تقديم الدعم اللوجيستي: تكشف المؤشرات الراهنة عن تراجع الانخراط العسكري المباشر من قبل التحالف الدولي ضد “داعش” في العراق، والاكتفاء بالدعم اللوجيستي، وإسناد المهام القتالية المباشرة إلى القوات العراقية. ولعل هذا ما اتضح، على سبيل المثال، من البيان الصادر عن التحالف، في 9 ديسمبر الجاري، حيث جاء فيه: “انتهى دورنا القتالي في العراق؛ كما جدّد العراق دعوته لنا: في هذه المرحلة الجديدة، ترمز شراكتنا مع العراق إلى الحاجة إلى اليقظة المستمرة. لقد خسرت داعش لكنها لم تنهزم بشكل دائم. سوف نقدم المشورة والمساعدة لقواتنا الشريكة لتمكينها من حماية شعب العراق”.

2- الاعتماد على دول المنطقة: ربما يعكس التطور الأخير بشأن انتهاء العمليات القتالية للتحالف الدولي في العراق محاولة من جانب القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، للاستفادة من المتغيرات الإقليمية الراهنة، وحالة التهدئة التي تسعى إليها بعض دول المنطقة، وبالتالي تحويل المهام العسكرية ضد تنظيم “داعش” إلى دول المنطقة بصورة شبه كاملة. ويظهر هذا النمط مثلاً في العراق، حيث قام التحالف خلال الشهور الماضية بالبدء في سحب معداته العسكرية من داخل العراق. كما أشار بيان للتحالف، في 30 نوفمبر الفائت، إلى “نقل المقر الرئيسي اللوجيستي على مستوى قيادة برتبة عقيد من العراق إلى الكويت، وهى خطوة تعتبر بمثابة دليل على العمل من أجل اكتمال تحويل مهمة قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب الى دور تقديم المشورة والمساعدة والتمكين الذي سيتم تحقيقه في الأسابيع المقبلة”.

3- التركيز على الساحة السورية: يحتمل أن يؤدي إنهاء العمليات القتالية للتحالف الدولي في العراق إلى تزايد التركيز على الساحة السورية، ويعزز من هذه الفرضية الموقف المعلن من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الصدد، حيث ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان، في 13 نوفمبر الفائت، أن مهمتها العسكرية في سوريا ستستمر “حتى القضاء على التهديد الذي يمثله تنظيم داعش”، وأضاف البيان أن “استمرار المهمة يرجع إلى أن الجماعات الإرهابية مثل داعش في سوريا تهدد الأمن القومي الأمريكي والشعب السوري بشكل مباشر”.

ويلاحظ في هذا الإطار، أن تنظيم “داعش” لا يزل يشكل تهديداً في سوريا ولاسيما مع التقارير التي تتحدث عن مساعيه لإحياء نفوذه مجدداً، إذ يحتفظ التنظيم بخلايا سرية تتبنى أسلوب حرب العصابات، كما يعتمد في بعض المناطق، مثل وسط سوريا والبادية الشرقية، على بعض الآليات لدعم موارده المالية، مثل فرض إتاوات على السكان المحليين، فضلاً عن استفادته من الموارد التي حصل عليها خلال السنوات الماضية. علاوة على ذلك، فإن التنظيم يستفيد من الطبيعة الجغرافية للمنطقة في الاختباء والتمويه وكذلك محاولة الربط بين عناصره عبر المناطق الحدودية بين سوريا والعراق.

4- عدم استبعاد العودة للعراق: لا يمكن إغفال أن توقيت الإعلان عن انتهاء العمليات القتالية للتحالف الدولي في العراق يثير بعض التخوفات في ضوء استمرار التهديد الذي يشكله “داعش” هناك، إذ يواصل التنظيم تنفيذ هجماته. فعلى سبيل المثال، شن التنظيم هجوماً، في 26 أكتوبر الماضي، على قرية الهواشة في محافظة ديالى شرقي العراق، أسفر عن مقتل 11 شخص. كما صعّد التنظيم من هجماته في الآونة الأخيرة في إقليم كردستان العراق، ولعل أبرزها الهجوم الذي نفذ في 2 ديسمبر الجاري على قريتين واقعتين على حدود سركران وجبل قرة جوغ في قضاء مخمور، ما أدى إلى مقتل 13 شخص أغلبهم من قوات البشمركة. وحاول التنظيم أيضاً السيطرة على قرية لهيبان الواقعة في قضاء الدبس بمحافظة كركوك، في 5 من الشهر نفسه، قبل أن تستعيدها القوات العراقية والبشمركة مجدداً. وفي سياق هكذا، قد تدفع هذه التطورات، في حال خرجت الأوضاع عن السيطرة، التحالف الدولي إلى تقديم المزيد من الدعم العسكري، وليس فقط التدريب والاستشارة، للقوات العراقية من أجل إيقاف تهديدات “داعش”.

مخاطر محتملة

خلاصة القول، إن الإعلان عن انتهاء العمليات العسكرية للتحالف الدولي ضد “داعش” في العراق يتسق، بشكل أو بآخر، مع التوجهات الأمريكية بتقليل الانخراط المباشر في صراعات المنطقة، وإسناد المهام العسكرية لدول المنطقة ذاتها. ولكن ذلك لا ينفي أن هذا القرار يظل محفوفاً بالعديد من المخاطر، وخاصة أنه يأتي في وقت يحاول “داعش” إعادة تنظيم صفوفه والإعلان عن حضوره من خلال تنفيذ هجمات في كل من سوريا والعراق.