صعوبة الحسم:
أبعاد المواجهات بين الجيش وحركة “الشباب” وسط الصومال

صعوبة الحسم:

أبعاد المواجهات بين الجيش وحركة “الشباب” وسط الصومال



لا تزال المعارك بين الجيش الصومالي وحركة “شباب المجاهدين” الإرهابية وسط البلاد مستمرة على الرغم من إعلان الجيش السيطرة على عدد من المعاقل الرئيسية للحركة، وتحديداً “عيل بور” وبعدها “عيل لهلي”، في 25 أغسطس الفائت و8 سبتمبر الجاري، في سياق عمليات مكافحة الإرهاب التي أطلقها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، عقب انتخابه في مايو 2022.

ويبقى أن معركة سيطرة الجيش الصومالي على وسط البلاد تواجه بعض العقبات، ودون حسم منذ شهر يناير وحتى الآن، وهو ما كان سبباً في تأخر إطلاق المرحلة الثانية من عمليات مكافحة الإرهاب، باتجاه معاقل الحركة جنوباً، ولذلك تبقى الاحتمالات مفتوحة على مسار العمليات العسكرية وسط البلاد خلال الفترة المقبلة.

تبادل السيطرة

يمكن التطرق إلى الأبعاد الرئيسية للمعارك وسط الصومال من واقع المواجهات العنيفة بين الجيش الصومالي وعناصر حركة “الشباب” التي اندلعت خلال أغسطس واستمرت حتى الشهر الجاري، وذلك على النحو التالي:

1- سيطرة الجيش على “عيل بور”: في أواخرشهر أغسطس الفائت، أعلن الجيش الصومالي السيطرة على أحد معاقل حركة “الشباب”، وهي بلدة “عيل بور” في ولاية “جلجدود” وسط الصومال، وقبلها تقدمت قوات الجيش مدعومة من المليشيات العشائرية التي تشكلت صيف 2022، وتمكنت من طرد عناصر الحركة من عدة مواقع كانت تحت سيطرتها خلال أغسطس 2022، ويناير 2023.

وتُشير بعض التقارير إلى أن الرئيس الصومالي كان بصدد زيارة ولاية “جلجدود”، وتحديداً إلى المناطق التي تمكنت قوات الجيش من السيطرة عليها، ولكن يبدو أن الزيارة أُلغيت بسبب تصاعد حدة المعارك في تلك المناطق، بفعل عمليات حركة “الشباب”، وانسحاب القوات العسكرية من المواقع التي سيطرت عليها، إذ تشير بعض التقارير الإعلامية إلى تراجع السيطرة على البلدة.

2- هجمات “الشباب” لاستعادة الهيمنة: في مقابل إعلان الجيش الصومالي السيطرة على بلدة “عيل بور” بوسط الصومال، فإن الحركة زعمت تنفيذ سلسلة من العمليات في البلدة ذاتها، لتعلن استعادة السيطرة عليها مجدداً بعد أيام قليلة بفعل العمليات العنيفة التي نفذتها حركة “الشباب” في مناطق وسط الصومال.

وأعلنت الحركة تمكّنها من استعادة السيطرة على عدد من البلدات والمواقع الاستراتيجية في ولاية “جلجدود”، ومنها بلدة “عيل بور”، خاصة مع تصاعد العمليات المنسقة والموسعة على قوات الجيش والمليشيات الموالية لها، إضافة لاستعادة السيطرة على بلدة “مسجواي”، ومدينة “جلعد”، بعد هجوم عنيف على القاعدة العسكرية للقوات الخاصة الصومالية في بلدة “عوسويني”، أسقط عشرات القتلى في صفوف الجيش الصومالي.

ونفذت الحركة عدداً من الهجمات المتنوعة، سواء بهجمات على تمركزات الجيش الصومالي، أو نصب أكمنة لتحرك القوات العسكرية، بما دفع الأخيرة إلى الانسحاب خوفاً من خسائر أكبر، وفقاً لتقديرات غربية.

3- أولوية تأمين مناطق الوسط: رغم استمرار المعارك في مناطق وسط الصومال على مدار عام مضى، إلا أن الجيش الصومالي لم يتمكن من حسم المعركة لصالحه في وسط البلاد، ولكن بدا أن ثمة تحركات وفقاً لأهداف مرحلية، لتأمين المناطق التي سيطرت عليها القوات العسكرية والمليشيات الموالية، وتحديداً في محافظة “هيران” بولاية “هيرشبيلي”.

إذ زار الرئيس الصومالي مدينة “محاس” بمحافظة هيران، في 3 سبتمبر الجاري، عقب المعارك العنيفة بين الجيش وحركة “الشباب”، قادماً من مدينة “طوسمريب” التي زارها سابقاً، والتقى بجمع مع القوات العسكرية وقيادات عشائرية لتسريع إطلاق المرحلة الثانية من الحرب على الإرهاب.

ولكن يبدو أن إطلاق المرحلة الثانية التي يفترض أنها تتعلق بمواجهة حركة “الشباب” في معاقلها جنوب البلاد، تواجه صعوبات ميدانية، وهو ما اتضح من خلال محاولات التقدم لتوسيع مساحات السيطرة وسط البلاد، مع صعوبة الحفاظ عليها أمام هجمات الحركة.

4- انكشاف أزمة التخطيط العسكري: تعرضت القوات العسكرية المشاركة في استعادة السيطرة على بعض المدن والبلدات من حركة “الشباب” في ولاية “جلجدود” لحالة انكشاف، في ضوء الاستجابة المحدودة للتعاطي مع هجمات الحركة العنيفة، بما يشير إلى أزمة في عمليات الاستجابة للتعامل مع تكتيكات الحركة.

ترتبط حالة الاستجابة المحدودة للقوات العسكرية في ولاية “جلجدود” بمجمل الأوضاع الميدانية خلال الأشهر القليلة الفائتة، خاصة مع تغيير رئيس أركان الجيش بناء على طلب وزارة الدفاع، بما يكشف أزمة في عمليات التخطيط العسكري، وكيفية تأمين المناطق المحررة، من هجمات حركة “الشباب”، مع توقعات بأنها لن تستسلم بسهولة لتحركات الجيش باتجاه مناطق نفوذها ومعاقلها سواء في وسط أو جنوب الصومال.

5- حدود انخراط المليشيات الموالية: في سياق القوات المشاركة في العمليات العسكرية ضد حركة “الشباب”، يبرز دور المليشيات العشائرية التي تشكلت وكانت لها أدوار في دعم عمليات الجيش واستعادة السيطرة على بعض المناطق وسط البلاد، ولكن يبدو أن ثمة أزمة تواجه أي انخراط متزايد لتلك المليشيات في المعارك ضد حركة “الشباب”.

ويتضح ذلك من خلال إشارة تقارير إعلامية غربية، نقلاً عن مسئولين صوماليين، إلى إدخال تغييرات في تكتيكات المواجهة العسكرية ضد “الشباب”، بزيادة الاعتماد على عناصر المليشيات الموالية، في حين تقوم قوات الجيش بمهام الدعم، مع دفع رواتب شهرية لهم في إطار التحفيز قبل الاتجاه إلى دمجهم في الجيش على المدى البعيد.

وربما تتجه الحكومة الصومالية إلى إعادة ترتيب الأمور على مستوى الجيش والتخطيط للعمليات العسكرية، إضافة إلى إعادة تنظيم المليشيات الموالية، وتوسيع التعبئة خلال الفترة المقبلة، قبل التوجه لاستعادة المناطق التي تسيطر عليها الحركة وسط البلاد.

6- محدودية الدور الأمريكي في العمليات: في سياق المواجهات العنيفة الأخيرة في وسط البلاد، يمكن ملاحظة الانخراط الأمريكي المحدود، إذ لم تتضح حدود مشاركة القوات الأمريكية في عمليات التقدم باتجاه مناطق سيطرة حركة “الشباب” في ولاية “جلجدود”، سواء من خلال قيادة القوات الخاصة، أو بعمليات قصف جوي.

وكان لافتاً أنه خلال المعارك في “جلجدود”، تدخلت القوات الأمريكية بعملية قصف جوي في منطقة تبعد 45 كم شمال غرب “كيسمايو”، في 26 أغسطس الفائت، لاستهداف عناصر حركة “الشباب”، خلال اشتباكات قوات الجيش الصومالي مع التنظيم الإرهابي، وهي منطقة تبعد عن نطاق المواجهات في ولاية “جلجدود”.

كما أنّ تأكيد البيان الأمريكي الصادر عن قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا، بأن الغارة الجوية جاءت بناء على طلب الحكومة الفيدرالية، يثير علامات استفهام حول عدم الاستعانة بالقوات الأمريكية لتنفيذ غارات ضد الحركة في مناطق المواجهات في “جلجدود”.

انسحاب تكتيكي

يبرز في سياق الأبعاد الرئيسية للمواجهات العنيفة بين الجيش الصومالي وعناصر حركة “الشباب”، أن معركة السيطرة على وسط البلاد تنطوي على صعوبات كثيرة، يتعلق بعضها بالتخطيط العسكري وحشد القوات العسكرية والمليشيات المحلية الموالية، بقدر حرص حركة “الشباب” على عدم فقدان السيطرة في مناطق نفوذها بسهولة، خاصة مع استعادة السيطرة سريعاً على تلك المناطق بسلسلة من العمليات العنيفة.

وهنا يتضح أن انسحاب عناصر حركة “الشباب” من مناطق المواجهات خلال تقدم القوات العسكرية كان تكتيكياً قبل إعادة ترتيب الصفوف مجدداً، والتقدم لتنفيذ هجمات دون الحاجة إلى تكبد خسائر بشرية من خلال الاعتماد على تمركزات دفاعية في مناطق سيطرتها.

وبشكلٍ عام، فإن معركة الجيش الصومالي في وسط البلاد يبدو أنها تعرقل إطلاق المرحلة الثانية من العمليات العسكرية باتجاه الجنوب، ولذلك قد تكون معركة وسط البلاد هدفاً لحركة “الشباب” لإبقاء الجيش الصومالي منشغلاً في حدود جغرافية معينة، دون توسيع العمليات جنوباً، كما أن الحركة حاولت إظهار قدرتها على تنفيذ العمليات الإرهابية في أكثر من نطاق جغرافي في توقيت متزامن، فخلال الهجمات في ولاية “جلجدود” نفذت هجمات في محيط العاصمة، وداخل الأراضي الكينية، وفي مناطق جنوب غرب البلاد.