مواقف متباينة:
أبعاد الجدل حول أدوار بعثة الأمم المتحدة في العراق

مواقف متباينة:

أبعاد الجدل حول أدوار بعثة الأمم المتحدة في العراق



تُثير الأدوار التي تقوم بها بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق الكثير من الجدل على الساحة السياسية العراقية، خاصة أنها تواجه انتقادات من جانب قوى وتيارات عديدة بأنها تقوم بتحركات تمس سيادة الدولة، وتعد تدخلاً في شئونها الخارجية. وقد تصاعد هذا الجدل حول دور البعثة مع زيارة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت إلى إيران، في ٣٠ يوليو الفائت، ومناقشتها، بحسب العديد من التقارير، قضايا سياسية تخص الدولة العراقية، وهو ما دفع بلاسخارت إلى تأكيد أنها لم تبحث خلال الزيارة ملف انتخابات مجالس المحافظات العراقية.

مهام متعددة

رغم مسارعة بلاسخارت إلى نفى التكهنات التي ثارت حول أسباب زيارتها إلى إيران، إلا أنه يمكن القول إن الزيارة كانت تهدف إلى تعزيز احتمالات قيام بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) برعاية حوار إقليمي لمساعدة الحكومة العراقية على مواجهة التحديات التي تتصاعد حدتها في المرحلة الحالية، سواء على المستوى السياسي، مع اقتراب انتخابات مجالس المحافظات في نوفمبر القادم، أو على الصعيد الأمني في ظل استمرار تهديدات تنظيم “داعش” رغم الضربات والهزائم التي تعرض لها، أو المستوى البيئي بسبب تفاقم أزمة المياه لاعتبارات مختلفة بعضها يرتبط باتجاهات العلاقات بين العراق ودول الجوار، وتحديداً إيران وتركيا. وفي هذا الصدد، كان لافتاً أن بلاسخارت قامت بزيارة تركيا أيضاً في 5 من الشهر نفسه، حيث يبدو أن ملف المياه والتدخل التركي في شمال العراق كان على قمة مباحثاتها في أنقرة.

وإلى جانب ذلك، فإن البعثة تمارس أدواراً سياسية عديدة داخل العراق، يتمثل أبرزها في:

1- تهيئة المناخ لإجراء الانتخابات: طالب قرار تجديد عمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (القرار رقم ٢٦٨٢ الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 30 مايو الماضي) البعثة بتقديم المشورة والدعم والمساعدة للحكومة العراقية والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والمؤسسات الأخرى؛ لتعزيز جهودها المبذولة من أجل ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة، وضمان مشاركة المرأة، وانخراطها وتمثيلها على نحو كامل ومتساوٍ في كافة مستويات صنع القرار، بما في ذلك الانتخابات، وهو الدور الذي أكّد عليه نائب الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق للشئون السياسية والمساعدة الانتخابية كلاوديو كوردوني في منتدى المرأة السياسي بمركز النهرين للدراسات الاستراتيجية، في ٢ أغسطس الجاري.

وقد كان ملف انتخابات مجالس المحافظات التي من المزمع إجراءها في نوفمبر القادم على أجندة لقاء بلاسخارت مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في ١٩ يونيو الماضي، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، في ٢٦ يوليو الفائت. وقد تضمن اللقاءان بحث مدى جاهزية الحكومة لإجراء الانتخابات قبل نهاية العام الحالي.

ورغم أن بلاسخارت نفت أنها قامت ببحث ملف الانتخابات القادمة لمجالس المحافظات خلال زيارتها لطهران، فإن العديد من التقارير أشارت إلى أنها كانت على أجندة الزيارة، وأن ذلك يتفق مع مهمة البعثة بتشجيع الحوار الإقليمي الهادف إلى دعم العراق. ومع تزايد مخاوف الفصائل الشيعية من أن نتائج انتخابات مجالس المحافظات الجديدة ربما تساهم في إضعاف نفوذ “الإطار التنسيقي”، فإن الانتباه تحول الآن إلى التيار الصدري، وموقف زعيمه مقتدى الصدر، وما إذا كان سيسعى للمشاركة فيها والتأثير عليها، وهو ما يبدو أنه كان محط اهتمام خلال مباحثات بلاسخارت في طهران، في ظل نفوذ الأخيرة لدى القوى الشيعية المختلفة.

2- تعزيز دور المرأة في الاستحقاقات المختلفة: تُولِي البعثة أهمية خاصة لتعزيز دور المرأة في الانتخابات، من خلال ممارسة ضغوط على الأحزاب السياسية للسماح بترشيح مزيد من القيادات النسائية فيها. وكثيراً ما تُجري البعثة عملية مراجعة حول الدعم الحزبي للمرأة، والاحتياجات والتحديات التي تواجهها في ميدان السياسة، بجانب تقديم دورات تدريبية للمرأة في مجال القيادة، ورصد الخطابات والتوجهات المناوئة للمرشحات خلال الفترة التي تسبق الانتخابات. وقد طالبت التوصيات الصادرة عن مراجعة البعثة بضرورة اعتماد بند المساواة وعدم التمييز في الوثائق التأسيسية للأحزاب السياسية، وإعداد المرأة للقيام بأدوار قيادية، وتعزيز بيئة آمنة لترشحها للمناصب السياسية.

3- تأسيس شراكات مع المجتمع المدني: في إطار اهتمام البعثة بالعملية الانتخابية، فإنها بجانب عملها مع المؤسسات الحكومية لتعزيز قدراتها على إجراء الانتخابات، تقيم شراكات مع منظمات المجتمع المدني، بجانب تنظيم دورات تدريبية وورش عمل لها لتعزيز مشاركتها في العمليات الانتخابية، ولمناقشة أفضل الفرص والتحديات التي تواجهها في مراقبة ورصد الانتخابات، وتقوية دورها في تثقيف الناخبين، وزيادة إقبالهم على التصويت في الانتخابات.

4- المشاركة في جهود احتواء أزمة المياه: أشارت بلاسخارت في كلمةٍ لها أمام مجلس الأمن الدولي، في ١٨ مايو الماضي، إلى أنّ العراق ستكون لديها القدرة فقط على تلبية ١٥٪ من احتياجاتها المائية بحلول عام ٢٠٣٥، وأن ٩٠٪ من أنهار العراق ملوثة، فضلاً عن معاناة ٧ ملايين عراقي راهناً من قلة الوصول للمياه. ولكون أزمة المياه تعد عاملاً مضاعفاً للأخطار التي تُهدد استقرار العراق، فإن البعثة عملت خلال الأشهر الماضية على التواصل مع جيران العراق لحل تلك الأزمة، انطلاقاً من قناعة لدى بلاسخارت بأن التعامل مع المياه بروح المنافسة يجعل الجميع خاسرين، بينما التعاون الإقليمي الوثيق هو السبيل الوحيد لحل تلك الأزمة.

وفي رؤية بلاسخارت، فإنّ التحديات التي تواجه العراق في الوقت الراهن ليست جميعها محلية، ولكنّ هناك دوراً لدول الجوار التي تخفض بصورة فعلية تدفق المياه إلى العراق، وهو الأمر الذي يتطلب التعاون الإقليمي لمواجهتها. فقد أكّدت خلال مشاركتها في افتتاح مؤتمر العراق للمناخ بالبصرة، في ١٢ مارس الماضي، على استعداد المنظمة الأممية لدعم الدبلوماسية المائية الإقليمية وتقديم المساعدة الفنية في مفاوضات المياه أو العمل كشريك يدعو إلى عقد حوار إقليمي فعال. ولذلك، حثت في “مؤتمر العراق” الذي عقد في ٤ مايو الماضي بالعاصمة بغداد دول جوار العراق على مساعدتها في حل مشكلة نقص المياه ومخاطر الجفاف والتلوث.

5- دعم جهود إعادة العراقيين من مخيم “الهول”: أشارت بلاسخارت في اجتماع “رؤية العراق فيما يخص مخيم الهول السوري”، في ١٢ يونيو الماضي، إلى أن بعثة الأمم المتحدة بصدد وضع نهج شامل للأمم المتحدة لدعم جهود الحكومة في عودة مواطنيها من مخيم الهول الذي يُعد موطناً لآلاف العراقيين والسوريين النازحين من ديارهم، وعائلات مقاتلي تنظيم “داعش” من النساء (من ٧٥ دولة)، والأطفال الذين قد يشكلون النواة الجديدة للتنظيم. وقد شددت بلاسخارت على أهمية نقل الأطفال من المخيم قبل أن يتحولوا إلى إرهابيين، مؤكدة على أن الجهود العراقية في هذا الملف كانت تواجه عقبات عديدة.

انتقادات مختلفة

وجهت قوى وأطراف عراقية عديدة انتقادات للدور السياسي المتزايد لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، لا سيما في ظل حرصها على مناقشة ملفات سياسية هي من اختصاص وزارة الخارجية، خاصة خلال زيارتها لإيران. واللافت في هذا الصدد، أن أحد الاتجاهات داخل العراق بات يرى أن وجود البعثة في العراق غير قانوني، ويهدد سيادة الدولة، فيما يطالب اتجاه آخر بإنهاء عمل البعثة بعد خروج العراق من تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة في فبراير ٢٠٢٢، على نحو ربما يكون له تأثير على اتجاهات وآليات تعامل البعثة مع التحديات التي تواجه العراق خلال المرحلة القادمة.