ضغوط مضاعفة:
أبعاد الانسحاب السريع لقوات “مينوسما” من مالي

ضغوط مضاعفة:

أبعاد الانسحاب السريع لقوات “مينوسما” من مالي



تتزايد التحديات التي تواجه الجيش المالي خلال الفترة الحالية، فبخلاف التوترات مع الحركات الأزوادية خلال الأشهر القليلة الماضية، وتصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية، اتجهت القوات الأممية “مينوسما” إلى تسريع وتيرة الانسحاب من مالي من إحدى القواعد العسكرية في 23 أكتوبر الجاري.

وقد تم إنشاء قوات “مينوسما” الأممية عام 2013، لدعم حفظ السلام والاستقرار في مالي، عقب تصاعد المواجهات والتمرد من جانب جماعات انفصالية، لا سيما الحركات الأزوادية في شمالي البلاد. ورغم استمرار حالة عدم الاستقرار، فقد طالبت السلطة الانتقالية التي تسلمت الحكم عقب انقلاب عسكري بإنهاء مهمة تلك القوات.

وتأتي مطالبة السلطة الانتقالية في مالي بسحب قوات “مينوسما” على خلفية تصاعد الرفض الغربي للانقلاب، وتزايد التوترات مع فرنسا، التي سحبت قواتها من البلاد بناءً على طلب مماثل من السلطة الانتقالية.

سياقات رئيسية

يأتي الانسحاب السريع لقوات “مينوسما” في ظل عدد من الأبعاد والسياقات الرئيسية على الساحة في مالي خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي تعكس مزيداً من حالة عدم الاستقرار، وأبرزها:

1- تزايد التهديدات التي تتعرض لها قوات “مينوسما”: قدمت قيادة القوات الأممية إفادة إلى الأمم المتحدة بشأن تزايد المخاطر الأمنية التي تتعرض لها القوات خلال عمليات الانسحاب، في ظل أوضاع مضطربة في نطاق قواعدها العسكرية التي تتمركز فيها.

ووفقاً لمذكرة أممية، صدرت بتاريخ 23 أكتوبر الجاري، فإن قوات “مينوسما” أخلت قاعدتها في “تيساليت”، في انسحاب متسارع، ونقلت جميع القوات والموظفين المدنيين، وبذلك أغلقت القوات الأممية معسكراً متكاملاً بمنطقة “كيدال” شمالي مالي.

وجاء في تبرير قوات “مينوسما” للانسحاب السريع، أن إحدى مروحياتها تعرضت لإطلاق نيران في 19 أكتوبر الحالي، خلال الهبوط في القاعدة في “تيساليت”، بما دفع إلى الاتجاه إلى تسريع الانسحاب.

وألقت قوات “مينوسما” باللوم على السلطة الانتقالية، بفعل تقييد حركة القوات الأممية، وخاصة مع احتجاز 200 شاحنة في منطقة “غاو”، والتي يمكن أن تتعرض للخطر، في ظل الوضع الأمني المضطرب، وهي اتهامات سبق أن وجهتها القوات الأممية للجيش المالي، وتحديداً بنهاية العام الماضي، ومطلع العام الجاري، خاصة مع عدم السماح للقوات بممارسة مهامها لحماية المدنيين خلال النزاعات والصراعات المسلحة، ورفض تقدم تلك القوات لبعض المناطق التي شهدت اشتباكات بين الجيش وعناصر متمردة أو إرهابية، عقب الحديث عن انتهاكات من قبل الجيش بحق المدنيين.

2- اتّهام السلطة الانتقالية لفرنسا بتسريع الانسحاب: في مقابل تقييم قوات “مينوسما” للوضع الأمني المضطرب، والذي دفعها إلى تسريع الانسحاب من قواعدها، فإن السلطة الانتقالية اتهمت فرنسا بمحاولة ترهيب البعثة الأممية، ودفعها إلى تسريع الانسحاب، بدلاً من الالتزام بالمدى الزمني المتفق عليه مسبقاً للانسحاب، بصورة منظمة، وفقاً لتقارير إعلامية. واستدعت السلطة الانتقالية التي تحكم البلاد عقب انقلاب عسكري، الخلاف والتوتر مع فرنسا، في سياق الرد على ما ذكرته البعثة الأممية.

وبعيداً عن الاتهامات والتبريرات، فإن من شأن الانسحاب السريع لقوات “مينوسما” أن يؤدي إلى مزيد من الاضطربات الأمنية، خاصة في ظل ترقب جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم “القاعدة”، والحركات الأزوادية ضمن ما يُسمى بـ”تنسيقية الحركات الأزوادية”، لانسحاب تلك القوات، تمهيداً لإمكانية السيطرة على تلك القواعد أو استغلال حالة الفراغ المترتبة على الانسحاب.

وهنا، فإن عدم تسليم قوات “مينوسما” القواعد التي كانت تتمركز فيها قبل الانسحاب، من شأنه أن يساهم في اندلاع صراع مسلح بين الجيش والتنظيمات المتمردة أو الإرهابية.

3- استمرار عقبات عمليات الإخلاء: منذ الإعلان عن قرار مجلس الأمن بانسحاب القوات الأممية من مالي خلال نهاية شهر يونيو الماضي، فإن ثمة عقبات تقف أمام عمليات الانسحاب السلسٍ للقوات، خاصة خلال شهر أغسطس الماضي، مع تصاعد التوترات في منطقة “تمبكتو”، في ظل تفاقم حالة عدم الاستقرار والمواجهات المسلحة بين الجيش و”تنسيقية الحركات الأزوادية” من جهة، ومع التنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، نتيجة اتساع نطاق الصراع على القواعد العسكرية للقوات الأممية.

وشهدت بلدة “بير” في منتصف شهر أغسطس الماضي مواجهات عنيفة بين الجيش ومجموعات مسلحة تابعة للحركات الأزوادية، والتي امتدت إلى مطلع شهر سبتمبر الفائت، بما دفع قوات “مينوسما” إلى إعلان صعوبة عملية الانسحاب، في ظل الصراع المسلح القائم حينها، قبل أن تُعلن تسريع الانسحاب.

وربما كان قرار قوات “مينوسما” بالانسحاب السريع من قاعدة “تيساليت” نتيجة للتخوف من تكرار الأزمة نفسها التي حدثت خلال شهر أغسطس الماضي، وبالتالي صعوبة الانسحاب حال تصاعد العنف.

4- تصاعد التوتر بين “الحركات الأزوادية” والجيش: اتصالاً بتخوفات قوات “مينوسما” من تصاعد العنف، فإن التوترات بين الجيش المالي والحركات الأزوادية مستمرة، بما يؤدي إلى تزايد احتمالات اندلاع اشتباكات مسلحة في أي وقت، وهو ما حدث مطلع شهر أكتوبر الجاري.

وأعلن الجيش الماليّ أن مواجهات مسلحة عنيفة اندلعت مع جماعات متمردة مسلحة، في منطقة “بامبا”، التي أعلنت الجماعات الانفصالية السيطرة عليها، مما دفع الجيش إلى التقدم لاستعادة السيطرة على تلك المنطقة.

وبدأ الصراع بين الطرفين يتصاعد خلال الأشهر القليلة الماضية للسيطرة على مناطق في شمالي البلاد، خاصةً مع انسداد الحلول لتنفيذ اتفاق السلام الموقّع بوساطة جزائرية، وانسحاب وفد “تنسيقية الحركات الأزوادية” من العاصمة المالية، خلال شهر أغسطس الماضي، بما يفتح الباب أمام احتمالات التصعيد المستمر، والصراع على السيطرة، وتحديداً في المناطق التي ستنسحب منها القوات الأممية.

5- تزايد النشاط الإرهابي في منطقة الساحل: أقدمت جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التابعة لتنظيم “القاعدة”، منذ أغسطس الماضي، على حصار مدينة “تمبكتو”، بما يشير إلى قدرات الجماعة على التمدد الميداني، وإحكام السيطرة على بعض المناطق الجغرافية، وهو اتجاه يضاعف من حجم التحديات التي تواجه الجيش المالي.

وبالنظر إلى تصاعد التوترات في منطقة الساحل، وانعكاسات ذلك على الحالة الأمنية، فإن الجماعة التي سبق وأعلنت استهداف قوات “مينوسما” أكثر من مرة خلال السنوات القليلة الماضية، يمكن أن تتجه إلى تصعيد العمليات لدفع القوات الأممية للانسحاب السريع، وإرباك مخططات الانسحاب المتفق عليها، بما قد يكون دافعاً لتلك القوات للانسحاب السريع فعلاً، حفاظاً على القوات والموظفين المدنيين.

ويمكن الإشارة إلى أن محاولة جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” السيطرة على القواعد التي تُخْليها القوات الأممية، مدفوعة بالصراع العنيف بين الجماعة ومجموعات تنظيم “داعش” التي تسعى لتوسيع مساحات السيطرة في مالي بشكل خاص، وبمنطقة الساحل بشكل عام، خاصة مع الاضطرابات الأمنية التي ترتبط بالانقلاب في النيجر، وحالة التوترات في منطقة الساحل.

وهنا، فإنّ تقريراً أممياً أشار إلى أن تنظيم “داعش” ضاعف مساحة السيطرة في مالي، في أقل من عام، منذ استعادة النشاط العملياتي خلال الربع الأول من العام الماضي.

تداعيات ممتدة

بغضّ النظر عن تقييم قيادة “مينوسما” للتهديدات الأمنية التي يمكن أن تتعرض لها قواتها، إلا أن الانسحاب السريع قد يحول دون تسليم القواعد العسكرية للجيش المالي كما هو متفق عليه، وبالتالي يفتح الباب أمام السيطرة عليها من قبل الحركات الأزوادية أو التنظيمات الإرهابية، مما يدفع الجيش المالي إلى تنفيذ عمليات لاستعادة السيطرة على تلك القواعد حال سيطرة الحركات الانفصالية أو الإرهابية عليها.

وبشكلٍ عام، فإن أزمة الانسحاب السريع للقوات الأممية تتجاوز الصراع على القواعد العسكرية، إلى عدم استعداد الجيش المالي لاستلام تلك القواعد قبل الموعد المحدد سلفاً، بفعل عوامل لوجيستية أو تنفيذ عمليات ومحاولة استعادة السيطرة على بعض المناطق التي أعلنت الحركات الانفصالية اجتياحها.