توظيفات دولية:
أبعاد استخدام الفصائل المُسلحة للطائرات المُسيرة في الشرق الأوسط

توظيفات دولية:

أبعاد استخدام الفصائل المُسلحة للطائرات المُسيرة في الشرق الأوسط



شهدت المرحلة الأخيرة تصعيداً في استخدام المسيرات من جانب الفصائل المسلحة، وبالأخص تلك الموالية لإيران في الشرق الأوسط، ما يؤثر على أمن العراق وسوريا وإطالة أمد الصراع داخلهما، وتصعيد المواجهة بين واشنطن وطهران داخل المنطقة العربية ما يؤثر على استقرارها. أما تأثير مسيرات داعش فيبقى مرتبطاً بمتغيرين أساسيين هما: اليقظة الأمنية في مناطق الاستهداف، والدعم الدولي لهجماته.

برزت (الطائرات المُسيّرة) كأحد أخطر الوسائط العسكرية المُستخدمة في ملف التنظيمات الإرهابية، إذ أدانت المحكمة الجنائية المركزية في العراق 4 أشخاص لتورطهم في تصنيع طائرات بدون طيار لصالح تنظيم داعش، مُصدرة ضدهم حكماً بالإعدام في 27 نوفمبر الماضي، وذلك بالتوازي مع تزايد هجمات الفصائل المسلحة التابعة لإيران ضد القواعد العسكرية الأمريكية بالمنطقة عبر الوسيلة ذاتها، إلى جانب هجمات مماثلة تهدد الممرات البحرية الهامة بالشرق الأوسط. فإلى أي مدى يمكن أن يصل توظيف الجماعات المسلحة للطائرات بدون طيار خلال المرحلة المقبلة؟

مخاوف متصاعدة

طَوّعت التنظيمات الإرهابية التطور التكنولوجي على مستوى تصنيع السلاح ووسائل الاتصالات لخدمة أهدافها، ولكن الفترة الأخيرة شهدت استخداماً خاصاً ومتزايداً للطائرات بدون طيار؛ وهو ما بات يُصعد التحديات الأمنية إزاء حماية المجالات الجوية سواء بالمنطقة العربية أو بالفروع الأفريقية للجماعات التكفيرية، كما أن الدول الغربية ليست بعيدة عن المخاوف ذاتها وإن اختلفت النسب وجغرافيات المصالح المُستهدفة. ومن ثمّ يُمكن تفنيد تلك الشواهد على النحو التالي:

1- الهجمات المتزايدة للفصائل التابعة لإيران وأثرها على المنطقة العربية: استحوذت الكتائب أو الجماعات المسلحة لطهران في الشرق الأوسط على النسبة الأكبر لتلك التهديدات، وذلك عبر مهاجمتها بالمُسيرات لأهداف مختلفة للولايات المتحدة توظيفاً للحرب على غزة، ولكن يبقى لهذه التهديدات أثرها الكبير على الاستقرار في المنطقة العربية، وفقاً لما يلي:

أ- إطالة أمد الاضطرابات في العراق: استهدفت كتائب إيران القوات الأمريكية في العراق وسوريا بعشرات الهجمات عبر الطائرات بدون طيار ما تسبب في وقوع إصابات بين الجنود وفقاً للبنتاجون. وبدورها ردت واشنطن بضربات عسكرية مباشرة دون تنسيق مع الحكومة العراقية ضد مواقع مختلفة بالبلاد قالت إنها تابعة لجماعات مدعومة من طهران، وهو ما أدى إلى غضب حكومة بغداد مُعتبرة ذلك انتهاكاً لسيادتها، وهو ما يهدد بتوتر العلاقة بين الجانبين.

ويحمل هذا الوضع تهديداً للأمن الداخلي عبر متغيرين، أولهما يرتكز على عدم استقرار أوضاع الحكومة بما يسمح لها بإدارة الخلاف مع واشنطن دون تهديد حقيقي لبقائها، فيما يرتبط الثاني بالتوزيعة الطائفية لوزراء حكومة السوداني واختلاف توجهاتهم، وإلى أي مدى يمكنهم التنسيق بين المصالح الوطنية والدولية، بما يضمن التأثير على الفصائل المسلحة ويمنع استغلال الوضع للترويج بمخالفة الحكومة لدعم القضية الفلسطينية من أجل التربّح السياسي.

وبالتالي فإن اعتماد الكتائب المسلحة التابعة لإيران على توظيف المسيرات من داخل العراق ضد الأهداف الأمريكية، وإن غُلف بأبعادٍ دينية وقومية لاستمالة عواطف الأتباع، سيؤول بالضرر على أمن البلاد، وسيدفع نحو إطالة أمد الاضطرابات الداخلية إن لم يتم ضبط الصراع.

ب- توظيف مُسيرات الحوثي لتهديد الملاحة في باب المندب: على الرغم من تركُّز الهجمات ضد سفن الولايات المتحدة وإسرائيل دون ورود أنباء عن الإضرار بغيرهما حتى الآن، فإن التأثيرات الاقتصادية يُحتمل أن تنسحب على الناقلات غير المعنية سوى باستقرار أمن الطرق التي تسلُكها لتأمين مكاسبها.

ففي أحدث مناوشات بهذا الصدد، أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية الوسطى (سنتكوم)، في 30 نوفمبر، إسقاط المدمرة كارني طائرةً مسيرة أطلقتها جماعة الحوثي من اليمن ضد المدمرة في جنوب البحر الأحمر بالقرب من مضيق باب المندب. ويشكل المضيق أهمية استراتيجية خاصة لدول المنطقة، إذ يُعد الممر الإجباري لغالبية السفن المُستَخدِمة لقناة السويس التي يمر خلالها حوالي 12% من حجم التجارة البحرية الدولية.

ج- الحفاظ على استمرارية الصراع في سوريا: تحافظ الفصائل المسلحة لإيران على استخدام المُسيرات دعماً لمصالحها ولاستمرارية التدهور الأمني والسياسي بسوريا، إلى جانب إدارة صراع (أمريكي – إيراني) خارج الحدود، إذ استهدفت ثلاث طائرات بدون طيار، في منتصف أكتوبر الفائت، قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي بسوريا، مما أدى إلى حدوث أضرار مادية فقط، وقد أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى مسؤولية كتائب حزب الله العراقية عن الواقعة، ولكن واشنطن لجأت إلى وضع 6 قيادات للكتائب على لائحة الإرهاب الخاصة بها خلال نوفمبر الجاري رداً على استهداف قواعدها العسكرية بالمنطقة.

وتطبيقاً لذاك السيناريو المُشتعل في العراق، تنفذ القوات الأمريكية ضربات ضد عناصر موالية لإيران بالداخل السوري رداً على استهداف قواتها، ففي مارس الفائت استهدفت كتائب طهران قاعدة لقوات التحالف بالقرب من الحسكة شرق سوريا وتسببت في مقتل عنصر أمريكي وإصابة آخرين، وردّت واشنطن بعمليات عسكرية مضادة، وهو ما يعني في حد ذاته أن توجهات إيران نحو استغلال قواعدها في المنطقة للصراع مع واشنطن مستمر قبل حرب غزة، ولكن وتيرته قد زادت استغلالاً للأزمة ولمضاعفة مواقع التوتر الأمريكي بالمنطقة.

ومن جانبها، أعربت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا نجاة رشدي، في 28 نوفمبر الماضي، عن قلقها إزاء تدهور الأوضاع في سوريا، واصفة التصعيد الحاصل في البلاد على خلفية حرب غزة بـ”اللعب بالنار”، مشيرة إلى أن تبادل الاستهدافات العسكرية بين الجانب الأمريكي والفصائل المدعومة من إيران في ظل تواجد نشاط للجماعات التكفيرية يُنذر بمزيد من الاضطرابات.

فيما تأثر الأردن بضعف السيطرة على المجال الجوي السوري واستمرار الرغبة الدولية في إرباك المشهد، إذ أسقط الجيش الأردني في يونيو الفائت مُسيرة قادمة من سوريا تحمل مخدرات، كما أعلن سيطرته على مسيرة أخرى قدمت من الجهة ذاتها مُحملة بمتفجرات وقنابل يدوية.

2- احتمالات توظيف داعش للطائرات بدون طيار: فتح حكم المحكمة العراقية الأخير مجال الحديث عن الآثار المحتملة لاستخدام تنظيم داعش على وجه الخصوص لتلك التقنية في أجندة أهدافه، إذ تسببت الأوضاع الأمنية الداخلية في إعطاء فرصة لمساعدات عسكرية ولوجستية حصل عليها العناصر في هذا الصدد.

فقد شهد صعود تنظيم داعش مخاوف أمنية حول استخدامه للدرون، ولكنه لم يطور بعد تلك التقنية بصورة مؤثرة، وتبقى احتمالية توظيف التنظيم لتحقيق مصالح دولية مُتغيراً فاعلاً في تطوير تلك المخاطر، وخاصة في فروعه الأفريقية استغلالاً للتدهور الأمني وتهديداً للمصالح الاقتصادية بالمنطقة.

3- تهديد داعش بالمُسيرات الكيميائية في أوروبا: أدانت محكمة برمنجهام، في سبتمبر الفائت، طالب دكتوراه يُدعى محمد البارد ويبلغ من العمر 26 عاماً بتهمة تصنيع طائرة بدون طيار لصالح تنظيم داعش من أجل استخدامها في الهجمات الكيميائية بأوروبا. ويشير ذلك إلى بقاء احتمالات تطوير داعش للتقنية وفقاً للقدرات الأمنية للمنطقة التي ينتشر بها، ولكنه لا يزال قادراً على تهديد المصالح الغربية القائمة في المناطق الأفريقية ضعيفة التأمين.

4- تنفيذ الاغتيالات بين الفريقين: أدت الطائرات المسيرة دوراً واسعاً في قتل زعماء الجماعات المسلحة، ومن أشهر وأحدث تلك الحوادث عملية اغتيال أيمن الظواهري قائد تنظيم القاعدة، فيما وظفتها الولايات المتحدة لقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس، ولكن تبقى المخاوف قائمة من استخدام السلاح ذاته لتهديد السياسيين والشخصيات المؤثرة، كما حدث في عملية الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي في نوفمبر 2021.

تقويض مشروط

وختاماً، يُمكن القول إن الدعم الدولي لتصميم وتصنيع الطائرات بدون طيار يُعضد من قدرتها على إحداث التأثيرات المُهددة للأمن، وبالتالي فإن تقويض الآثار المحتملة للتصعيد في هذا الجانب يتطلب إعادة صياغة للالتزامات الدولية تجاه المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، إلى جانب سرعة التوصل إلى تهدئة للأزمات المُثارة إقليمياً وعالمياً. بينما تبقى المخاوف من تطويع الجماعات المتطرفة والتكفيرية للمسيرات قائمة ولكنها مشروطة بالقدرات العسكرية بالمنطقة التي يستهدفونها، والتوظيفات الدولية الخاصة بالمصالح المُستهدفة.