استحوذت ذكرى المولد النبوي الشريف على أهمية مركزية في الخطاب والممارسة الحوثية في السنوات الماضية، حتى أن البعض يصف المولد بأنه المناسبة الأهم بالنسبة للمليشيا، حيث اعتاد قيادات المليشيا على تدشين وتنظيم فعاليات عديدة للاحتفال بالمولد، ولعل هذا ما يظهره الخطاب الذي ألقاه قائد الحوثيين “عبد الملك الحوثي”، يوم 7 أكتوبر 2021، لتدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي، حيث أشار إلى المناسبة باعتبارها تؤكد على الانتماء الديني، وذكر أن “شعبنا اليمني بحكم هويته الإيمانية، وانتمائه الديني، يهتم بالمناسبات الدينية، وهو في طليعة الشعوب الإسلامية التي تهتم بالمناسبات الدينية، وبحكم وعيه بأهمية هذه المناسبات، وما يستفاد منها على المستوى التوعوي والتعبوي، على مستوى العمل، على زيادة مستوى الوعي، وكذلك فيما يتعلق بالجانب التربوي”.
أهمية مركزية
لقد أكد الحوثي أيضاً في خطابه على الطابع التعبوي لهذه المناسبة، حيث قال “ومن الأشياء الإيجابية، والجيدة، والمفيدة، والنافعة: أن يكون هناك اهتمام منذ وقتٍ مبكر، واستعداد من بداية الشهر، إلى الفعالية الرئيسية، والتي تأتي في الثاني عشر منه، استعدادٌ مكثف، وأنشطة متنوعة ومكثفة، كلها في إطار الاهتمام بهذه المناسبة الدينية المباركة”. وفي هذا السياق، وتأكيداً على هذا الطابع التعبوي، شهدت الأيام التالية على هذا الخطاب فعاليات عديدة، وأشارت بعض التقارير إلى أن جماعة الحوثيين تخطط لإقامة 1500 احتفال في مختلف المرافق الحكومية والمدارس والجامعات والمحافظات والمديريات والأحياء التابعة لسلطة الحوثيين.
كما تفقد “مهدي المشاط”، رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، يوم 17 أكتوبر الجاري، التحضيرات النهائية في ساحة ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء التي سيقام فيها الاحتفال المركزي بمناسبة المولد النبوي الشريف. وأثناء ذلك، طالب المشاط اليمنيين “بالحضور المشرف والمهيب إلى ساحات الاحتفال بالمولد النبوي، وبما يليق بمقام ومكانة الرسول في قلوب اليمنيين، واستجابة لدعوة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي”.
دوافع رئيسية
يشير هذا التداخل بين الديني والسياسي في مشهد الاحتفال بذكرى المولد النبوي إلى النمط التوظيفي للمناسبة من قبل الحوثيين، وهو الأمر الذي يستدعي عدد من الدوافع الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1- اكتساب الشرعية الدينية كجماعة تدافع عن الدين الإسلامي، فجماعة الحوثي تعبر في جانب منها عن جماعة دينية، ومعظم قياديي قياديي الجماعة ينتمون -مذهبياً- إلى الزيدية وأغلبهم ينحدرون من عائلات هاشمية، بمن في ذلك عائلة الحوثي، وبالتالي ينظرون إلى ذكرى المولد النبوي الشريف على أنها فرصة للتأكيد على نسبهم المتصل بالنبي (صلي الله عليه وسلم)، كما تستغل الجماعة الاحتفال بالمولد كأداة لإعادة صياغة صورتها كجماعة تدافع عن الدين الإسلامي والنبي ضد الإساءات الغربية، فعلى سبيل المثال، أشار قائد الحوثيين “عبد الملك الحوثي”، في خطابه يوم 7 أكتوبر 2021، إلى دور احتفالات العام الماضي في مواجهة الإساءة للنبي، حيث قال “ونحن لاحظنا في العام الماضي، بعد أن أتت التصريحات المشينة والمخزية، واللا إنسانية، من الرئيس الفرنسي، ومن بعض الفرنسيين، ومن الإعلام الفرنسي، ومن بعض الأوروبيين، ومن بعض الأمريكيين، الذين تتكرر منهم الإساءات إلى الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، والإسرائيليون الصهاينة كذلك، الذين تتكرر منهم دائماً الإساءات إلى النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، كيف كان صدى الاحتفال الكبير في العام الماضي على مستوى بلدنا اليمن”.
2- إعادة هندسة المجتمع عبر التكريس للخطاب المذهبي، يستهدف اهتمام الحوثيين بالاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، في جانب رئيسي منه، إعادة هندسة المجتمع اليمني عبر التكريس للخطاب المذهبي للحوثيين وفرضه، بشكل أو بآخر، على المجتمع. ويتسق هذا الأمر مع التغيرات التي أحدثتها المليشيا في المناهج التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتركزت التغيرات على مناهج الصفوف الأساسية، من الأول وحتى السادس، خصوصاً في 4 مواد دراسية هي القرآن الكريم، التربية الإسلامية، اللغة العربية، التربية الوطنية، والتاريخ. وتنوعت التغيرات بين عقائدية وطائفية، وسياسية، وغيرها، وشملت التغييرات إضافة أو حذف دروس، تفسير الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وفق التوجه العقائدي للحوثيين، واستبدال الصور الفوتوغرافية التوضيحية برسوم كاريكاتورية.
وفي هذا الإطار، لا تتقبل المليشيا أي رفض لسياساتها، ولعل هذا ما يفسر التقارير التي تحدثت الأيام الماضية عن مقتل شاب يمني، يعرف بـ “عبد الباري الكرمدي”، عقب تعرضه لطلق ناري مباشر، من عناصر الميليشيا، أمام منزله الواقع بحي شميلة جنوب صنعاء، بعد أن رفض تركيب زينة المولد النبوي وصور زعيم ميليشيا الجماعة الحوثية وشعاراتها على واجهة منزلهم ضمن الإجراءات الإلزامية التي فرضتها المليشيا على المواطنين وأصحاب المنازل وأصحاب المحلات في مناطق سيطرتها منذ مطلع شهر أكتوبر الجاري.
3- القدرة على الحشد والتعبئة، حيث تروج جماعة الحوثيين إلى قدرتها على الحشد من خلال فعاليات الاحتفال بالمولد النبوي، وتوظف هذا الأمر لإرسال رسالة للأطراف الأخرى، وخصوصاً تحالف الشرعية، بأنها قادرة على الاستمرار في الصراع لوجود مخزون بشري يمكن الاعتماد عليه. وتعتمد المليشيا في الحشد للاحتفالية على عدد من الأدوات مثل الضغط والإرغام وعمليات التعبئة للطلبة والعاملين في المؤسسات الحكومية. ناهيك عن خطاب القيادات الحوثية الذي يدعو الأفراد للاحتشاد في الميادين للاحتفال.
كما أنتجت المليشيا بعض المؤسسات والكيانات الدينية خلال السنوات الماضية يمكن استخدامها في مثل هذه المناسبات، ولعل النموذج الأبرز على ذلك رابطة علماء الدين، التي أصدرت يوم 17 أكتوبر الجاري بيان دعت فيه “الشعب اليمني للخروج الكبير والمشرف اللائق بمقام وذكرى يوم مولد رسول الله كيوم من أيام الله التي تستحق الشكر والتعظيم”. وأضاف البيان “إن ذكرى المولد النبوي مناسبة إسلامية عالمية تجمع الناس قاطبة تحت مظلة رسول الله المرسل إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا وهاديا ورحمة للعالمين”.
4- الحصول على المزيد من الموارد الاقتصادية، إذ تستخدم المليشيا الاحتفال بذكرى المولد النبوي للحصول على المزيد من الموارد الاقتصادية، أو ما يمكن تسميته بالجباية من المواطنين اليمنيين، فقد أشارت تقارير إلى إقرار مليشيا الحوثي اقتراحاً للقيادي بالجماعة “محمد علي الحوثي”، بخصم قسط سنوي من رواتب الموظفين التي يمتنعون عن صرفها، بمناسبة المولد النبوي. وهو المقترح الذي قدمه الحوثي خلال اجتماع عقد يوم 2 أكتوبر الجاري بصنعاء، برئاسة “محمد علي الحوثي”، وضم عدداً من القيادات الحوثية، والمسؤولين الموالين للجماعة، لمناقشة ما أسموه “الخطة الشاملة لاحتفالات الشعب اليمني بذكرى المولد النبوي الشريف”. وذكرت وكالة “سبأ” الخاضعة للحوثيين، أنه سيتم استخدام المبلغ لإنشاء مستشفى أو مدينة طبية باسم “الرسول الأعظم” في أمانة العاصمة والمحافظات.
وفي السياق ذاته، أشارت العديد من التقارير إلى أن المليشيا ضغطت على المواطنين لدفع التبرعات العينية والنقدية بالقوة، ففي محافظة “إب” فرضت سلطة مليشيا جبايات مالية على القطاع الخاص والتجار والوجهاء وعقال الحارات وصولا إلى المواطنين وطلاب بعض المدارس. وأفاد سكان محليون بوصول رسائل عبر “ظروف” خاصة إلى منازل مواطنين في مديريتي “الظهار” و”المشنة” بمدينة إب، لوضع مبالغ مالية لدعم احتفال المليشيا في المولد النبوي.
كما فرضت المليشيا عن طريق مشرفيها على السكان في أحياء بصنعاء إعداد وجبات طعام متنوعة في منازلهم، ومن ثم القدوم بها إلى المساجد والقاعات التي خُصصت من قبلها كأماكن لإقامة الفعاليات. وبحسب التقارير ذاتها، فإن مسؤولي الجماعة في الأحياء الواقعة بنطاق مديريات الوحدة والتحرير ومعين والسبعين والثورة في العاصمة صنعاء فرضوا بغضون أيام قليلة على سكان تلك الأحياء تجهيز وجبات طعام ستقدم لأتباعها المشاركين في الفعاليات الاحتفالية. كما أجبر قادة الجماعة في صنعاء ملاك 17 مطعماً شهيراً في المديريات المستهدفة على تقديم مختلف الوجبات للموالين لها، كما أجبرت أيضاً ملاك صالات المناسبات على فتح قاعاتهم دون مقابل مادي للاحتفال وبمعدل 5 ساعات صباحية تبدأ من التاسعة صباحاً وتنتهي الواحدة ظهراً، وأربع ساعات ليلية تبدأ من الثامنة مساء وتنتهي الحادية عشرة.
5- دعم العمليات العسكرية ضد جبهة الشرعية، فقد حولت مليشيا الحوثي ذكرى المولد النبوي الشريف إلى فرصة لدعم عملياتها العسكرية ضد جبهة الشرعية، فمن جهة أولى، توظف المليشيا المناسبة لاستقطاب وتجنيد عناصر جديدة يمكن الدفع بها إلى جبهات القتال، ففي خطابه، يوم 7 أكتوبر الجاري، أعاد القيادي الحوثي “عبد الملك الحوثي” التأكيد على أهمية دعم القتال، وذكر أن “قيم هذه المناسبة تظهر في واقعنا العام بكل أشكاله، وفي كل مجالاته، وأيضاً على مستوى الاهتمام المستمر برفد الجبهات، فمسيرة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هي مسيرة جهاد”. ومن جهة ثانية، تستخدم المليشيا مناسبة المولد النبوي في تقديم الدعم المادي للعمليات العسكرية، فعلى سبيل المثال، شهدت محافظة صنعاء، يوم 17 أكتوبر الجاري، فعالية خطابية بذكرى المولد النبوي، وأعقبها دشن محافظ صنعاء المحسوب على الحوثيين وقيادات المحافظة، تسيير القافلة المالية والعينية المقدمة من ديوان المحافظة والمكاتب التنفيذية بقيمة 200 مليون ريال دعما للعمليات العسكرية، وتضمنت القافلة 70 مليون ريال مساهمات نقدية، ومواد غذائية متنوعة بقيمة 30 مليون ريال، بالإضافة إلى قافلة طبية بقيمة 100 مليون ريال مقدمة من مكتب الصحة بالمحافظة وفروعه بالمديريات ومستشفيات المحافظة وصلت صباح يوم 17 أكتوبر الجاري إلى محافظة مأرب.