جلسة استماع:
آليات الدعم العربي للصومال

جلسة استماع:

آليات الدعم العربي للصومال



نظّم مركز “العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة”، بالقاهرة، بتاريخ 8 ديسمبر 2022، جلسة استماع بعنوان “آليات الدعم العربي للصومال”، واستضاف المركز السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق (كمتحدث رئيسي في الجلسة)، كما شارك في الجلسة عدد من الخبراء والباحثين المتخصصين في مجالات مختلفة، وهم: الدكتور محمد عز العرب، والدكتور محمد عباس ناجي، والأستاذ أحمد عليبة، والأستاذ عمرو عبدالعاطي، والأستاذ محمد الفقي، والأستاذ هيثم عمران، والدكتور حمدي بشير، والأستاذ محمد عمر، والأستاذة نادين المهدي.

تحديات رئيسية

يُحدد “حليمة” عدداً من التحديات التي تواجه الدولة الصومالية خلال الفترة الحالية، والتي تحتاج إلى التعامل العربي معها، كالتالي:

1- تصاعد النشاط الإرهابي لحركة “الشباب”: شهدت الصومال خلال الفترة المقبلةنشاطاً إرهابياً وتحديداً من حركة “الشباب”، التي خرجت من رحم “المحاكم الإسلامية”، ويرتبطون بتنظيم “القاعدة”، وتمكنوا من السيطرة على مناطق جنوب ووسط البلاد، ولكن خلال الفترة الحالية هناك نجاحات للجيش الصومالي، بدعم من القوات الأفريقية التي يُقدر عددها بالآلاف مدعومة من الأمم المتحدة، إضافة إلى إعادة الولايات المتحدة قواتها لدعم الجيش الصومالي، وتنفيذ ضربات جوية بطائرات من دون طيار من القاعدة في جيبوتي، كما أن القبائل بدأت في دعم تحركات الدولة ومواجهة حركة الشباب.

2- الصراع بين القوى السياسية وقادة العشائر: تتشكل الصومال من عشائر بخلاف الدول الأفريقية الأخرى التي تتشكل من قبائل لها امتدادات في دول مختلفة، وهناك أربع عشائر أساسية فاعلة في المجتمع والسياسة في الصومال، ومؤثرة على المستوى السياسي والنظام الانتخابي، وتحدث خلافات وصراعات بينها على الماء والغذاء، خاصة وأن المجتمع الصومالي رعوي، في ظل ما تتمتع به الصومال من ثروة حيوانية كبيرة. ورغم الخلافات والصراعات العشائرية التي انعكست على الخلاف على مستوى القيادات السياسية خلال فترة الرئيس السابق “فرماجو”، إلا أن الرئيس الجديد يحاول عقد مصالحات وتفاهمات بين القوى السياسية والعشائرية المختلفة.

3- تفاقم الأزمة الإنسانية وانعدام الأمن الغذائي: تواجه الصومال أزمة إنسانية شديدة بفعل أزمة الجفاف بسبب تغير المناخ، فضلاً عن تداعيات تفشي جائحة كورونا، وأخيراً تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، وسط محاولات للحصول على تمويل للتغلب على الأزمة الإنسانية، من خلال صندوق النقد الدولي، رغم توقف المفاوضات سابقاً، ولكن يمكن الآن حلحلة الموقف والاتجاه إلى الحصول على تمويل من الصندوق، حيث كانت الصومال تطلب دعماً بقيمة 400 مليون دولار تقريباً.

4- تزايد نفوذ قوى إقليمية لدول الجوار العربي: ثمة نفوذ متزايد لبعض القوى الإقليمية لدول الجوار العربي، مثل تركيا، التي أقدمت على تأسيس وجود عسكري وتدريب قوات صومالية، فضلاً عن مشروعات خدمية وتنموية، وتأسيس عدد من المدارس، وإقامة مستشفى كبير في الصومال. وأيضاً هناك دور متزايد لإثيوبيا، لأنها دولة حبيسة وتحتاج إلى مناطق للوصول إلى المحيط، وبالتالي هناك اتفاق على تأمين مناطق في الصومال لهذا الغرض، وهناك رغبة من بعض تلك الأطراف غير العربية في استعادة إمبراطوريتها على حساب تقسيم وتفتيت الدول العربية.

  5- التركيز على التوجه لأفريقيا دون الدول العربية: كانت الصومال تميل إلى الدول الأفريقية بسبب توجهات رئيسها السابق “فرماجو”، أي أن توجهاته لم تكن عربية، وإنما كان يميل إلى دول الاتحاد الأفريقي أكثر مثل إثيوبيا وكينيا، وفي المقابل كانت علاقاته العربية ليست على النحو المنشود. ولكن الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود تميل توجهاته للتوازن بين الدول العربية والأفريقية على حد سواء.

تحركات فاعلة

ويشير “حليمة” إلى عدد من الآليات التي يمكن للدول العربية تفعيلها لمواجهة الأزمات التي تواجه الصومال، وأبرزها:

1- تقديم الدعم الإنساني والمساعدات العاجلة: في ظل ما تواجهه الصومال من أزمة إنسانية، فإنها تستدعي تدخلاً عاجلاً لتقديم الدعم، لمنع تفاقم تداعيات موجة الجفاف وتأثيرات الأوضاع الاقتصادية،من خلال تقديم أموال من قبل بعض الدول العربية وتحديداً دول الخليج، مع إمكانية إقامة يوم لحث المانحين على تقديم مساعدات عاجلة، إضافة إلى تقديم كافة أشكال الدعم الصحي من مستلزمات وأفراد عاملين.

2- دعم جهود مكافحة الإرهاب وفرض الأمن: يُعد فرض الأمن أولوية، خاصة مع نشاط حركة “الشباب” الإرهابية، ووصول عملياتها إلى العاصمة “مقديشو” خلال الفترة الماضية. ورغم بعض النجاحات بإشراك “العشائر” في مواجهة الإرهاب، فإن الجيش الصومالي والأجهزة الأمنية المعنية بهذا الملف تحتاج إلى دعم، عبر إعادة هيكلة بعض تلك المؤسسات، وتدريب الضباط والعناصر لزيادة الكفاءة. ولكن يُمكن أن يثير تسليح “العشائر” التي تمتلك مليشيات بالأساس أزمة في مراحل لاحقة، مع انتشار السلاح، بصورة تُشكل خطراً على الدولة الصومالية بوجود مليشيات مسلحة، أو في حالة دمج تلك المليشيات في المؤسسات العسكرية والأمنية. وهناك تجارب مختلفة لأزمة تشكيل مليشيات من المدنيين.

3- توجيه استثمارات عربية إلى الصومال: عدم اقتصار الدعم المقدم على المساعدات فقط، وإنما ضرورة اتجاه بعض الدول إلى توجيه الاستثمارات إلى الصومال خلال الفترة المقبلة، لدعم جهود الاستقرار والتنمية بشكل عام، إذ إن المساعدات لا يمكن أن تؤسس للاستقرار. وهنا يكون التعويل على دول الخليج التي يمكن أن تدفع باستثمارات في قطاعات إنتاجية متعددة، لأن الاقتصاد الصومالي منتج، في ظل ما تتمتع به الصومال من قدرات زراعية كبيرة من حيث الأراضي، فضلاً عن الثروة الحيوانية والسمكية، إذ إنها تمتلك أطول سواحل في أفريقيا. وساد اتجاه في النقاش بشأن اتجاه بعض القوى الإقليمية إلى التكيف مع الصراعات القائمة في بعض الدول التي تشهد أزمات مستدامة، وعدم الوقوف عند حد المقاربة الأمنية، وضخ استثمارات كبيرة لتحقيق مكاسب خاصة.

4- تفعيل بعض المؤسسات الإقليمية الناشئة: يُمكن أن تتجه بعض الدول العربية إلى تفعيل بعض الأطر الإقليمية لدعم الصومال، مثل المجلس العربي الأفريقي للدول المشاطئة للبحر الأحمر، والذي يضم الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر، بقيادة مصر والسعودية، ويضم المجلس دولة الصومال، وبالتالي فإن تفعيل هذا المجلس ستكون له تأثيرات إيجابية على الوضع في الصومال بشكل عام، خاصة أن هذا المجلس يهتم بالأمن والتنمية، وهو ما تحتاجه الدولة الصومالية خلال الفترة المقبلة، ولكن حتى الآن لم يتم تفعيل هذا المجلس.

5- تفعيل آليات جامعة الدول العربية: كما أن تفعيل آليات العمل العربي يُمكن أن يساهم في دعم الصومال، سواء من هيئات جامعة الدول العربية، للاهتمام بقضايا وأزمات الصومال، في ظل توجه الرئيس الحالي إلى المحيط العربي، بعد فترة من العلاقات غير الجيدة مع المحيط العربي خلال فترة الرئيس السابق،أو من خلال العلاقات الثنائية بين دول بعينها والصومال، وتحديداً فيما يتعلق بالجانب التنموي من خلال دول الخليج، أو بالشق العسكري والأمني، ويمكن أن تلعب مصر دوراً كبيراً فيه.

6- دعم بناء القدرات لمؤسسات الدولة: العمل على بناء قدرات مؤسسات الدولة الصومالية المختلفة، ليس فقط على المستوى العسكري والأمني، ولكن أيضاً على مستوى “التعليم والصحة” بصورة خاصة، باعتبارهما قطاعين مهمين في إطار العمل الإنساني، ولا بد للدول العربية من الاهتمام بدعمها في الصومال خلال الفترة المقبلة، لمواجهة النفوذ المتزايد لبعض الأطراف الإقليمية التي تعمل في هذا المجال الإنساني وتعزز نفوذها من خلاله، ويمكن لمؤسسة مثل الأزهر أن تقوم بدور فعال في جانب التعليم، خاصة وأن المسلمين يمثلون الأغلبية، والمجتمع الصومالي يتسم بالوسطية.

تجمع إقليمي

وختاماً، يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، أن الدعم العربي للصومال خلال الفترة المقبلة لمواجهة التحديات والأزمات التي تواجهها، وبشكل خاص تفعيل بعض المؤسسات الإقليمية مثل “المجلس العربي الأفريقي للدول المشاطئة للبحر الأحمر”، باعتباره مجلساً يجمع المكون العربي والأفريقي، بما يؤسس لطرف أو “قطب” قوي اقتصادياً مثل مجموعة “بريكس”، وأمنياً من خلال التكامل الاقتصادي وإمكانية تشكيل قوة عسكرية، مثل تجمع دول غرب أفريقيا “إيكواس”، في ظل ما تتمتع به الدول المؤسسة لهذا المجلس من قدرات بشرية ومادية واقتصادية وإنتاجية.

ويعتبر أن أزمة “أرض الصومال” بشأن الانفصال عن الدولة الصومالية، يُمكن أن تجد طريقها للحل، من خلال طرح نوع من الاتحاد الكونفدرالي، أو بإمكانية العودة إلى الدولة الصومالية ولكن ليس في الوقت الحالي، ولكن الرهان في ذلك سيتوقف على التنمية والتطوير الذي يمكن أن تشهده الدولة الصومالية، في ظل صعوبة حصول “أرض الصومال” على الاعتراف بالانفصال، وتحديداً من قبل الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى للحفاظ على الحدود المتوارثة منذ حقبة الاستعمار.