أوراق ضغط:
هل ينتقل التصعيد من الأزمة الأوكرانية إلى قضايا المنطقة؟

أوراق ضغط:

هل ينتقل التصعيد من الأزمة الأوكرانية إلى قضايا المنطقة؟



يبدو أن الصراع بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جانب وروسيا من جانب آخر، على خلفية العمليات العسكرية التي تشنها الأخيرة ضد أوكرانيا منذ ٢٤ فبراير الفائت وحتى الآن، سوف ينتقل إلى ملفات وصراعات منطقة الشرق الأوسط التي عززت موسكو من دورها فيها خلال السنوات الماضية، لتستخدمها كورقة ضغط ضد الدول الغربية التي تسعى إلى عزلها مالياً وسياسياً على الساحة الدولية، ولا سيما الملفات التي تؤثر على الأمن الأوروبي بصورة مباشرة على غرار الهجرة غير النظامية، وانتقال الإرهاب إلى الأراضي الأوروبية، لتضيف تهديدات جديدة للأمن الأوروبي. وقد تعمل موسكو على تفجير تلك الأزمات في وقت تسعى فيه واشنطن وحلفائها الأوروبيون إلى تهدئها، حيث تهدف الأولى من خلال ذلك إلى تقليل الاهتمام الغربي بالأزمة الأوكرانية ودفع الدول الغربية للتعامل مع أزمات سياسية وإنسانية طارئة تهدد أمن واستقرار الشرق الأوسط، وكذلك المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة.

ملفات شائكة

سعت روسيا في أعقاب عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وما تبعها من عقوبات غربية قاسية على نظامها المالي والسياسي للتهديد بأوراق الضغط التي تمتلكها في منطقة الشرق الأوسط، والعمل على تأجيج الصراعات التي شهدت مرحلة من التهدئة، وتلك التي يتوقع التوصل إلى تسويات بشأنها. وفي المقابل، تحاول الولايات المتحدة تقويض التحالفات الروسية في المنطقة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

١- التهديد بوقف المساعدات الإنسانية لسوريا: قبل الأزمة الأوكرانية، كان هناك توافق نسبي بين واشنطن وموسكو حول سوريا خلال اللقاء الأول بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، لا سيما حول قضايا المعابر الإنسانية في سوريا. ولكن مع احتدام الأزمة الأوكرانية، تحاول موسكو استغلال ملف إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى الداخل السوري كورقة ضغط ضد الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بعد فرضها عقوبات قاسية على النظام الروسي، حيث هدد ديميتري بوليانسكي نائب المندوب الروسي في الأمم المتحدة، في ٢٤ مارس الجاري، بمنع تمرير قرار تمديد إدخال المساعدات الإنسانية، الذي ينتهي في يوليو القادم، عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، بينما دعا إيثان جولدريتش مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشئون الشرق الأدنى والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، إلى ضرورة تمديد قرار إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا. وقد تعرقل موسكو تصويت مجلس الأمن الدولي على تمديد وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الحدود بموجب قرار المجلس رقم ٢٥٨٥ في يوليو القادم كرد فعل على العقوبات الغربية التي تفرض عليها بسبب عملياتها العسكرية في سوريا.

٢- محاولة عرقلة التوصل لاتفاق نووي مع إيران: بينما تشير تصريحات المسئولين الغربيين والإيرانيين إلى أن إيران والقوى الدولية قريبة للغاية من التوصل لاتفاق لإعادة إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة لعام ٢٠١٥، لكبح البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات المفروضة على إيران، حاولت روسيا وقف هذا التقدم في رد على حملة الضغوط التي تقودها الولايات المتحدة ضدها بعد هجومها العسكري على أوكرانيا، من أجل تأمين مصالحها، حيث ربطت بين التوصل لاتفاق مع طهران والعقوبات التي فرضتها الدول الغربية عليها. وقد طلبت روسيا من الولايات المتحدة تقديم ضمانات مكتوبة بأن العقوبات الغربية التي فرضت عليها بسبب الأزمة الأوكرانية لن تؤثر على التعاون بين موسكو وطهران في المجال التجاري والاقتصادي والاستثماري والتقني والعسكري.

لكن الولايات المتحدة اعتبرت أن المطالب الروسية “خارجة عن السياق”، وقد تؤخر نجاح المفاوضات الهادفة لإنقاذ الاتفاق النووي، وأن العقوبات المفروضة على روسيا رداً على دخول قواتها إلى أوكرانيا “لا علاقة لها بالاتفاق النووي الإيراني”. وقد حذرت الدول الأوروبية المشاركة في الاتفاق النووي لعام ٢٠١٥، روسيا من أن مطالبها بضمان تجارتها مع إيران قد تهدد بانهيار اتفاق نووي شبه مكتمل بعد ١١ شهراً من المحادثات.

٣- تصعيد حدة الصراع في ليبيا: بينما تشهد ليبيا صراعاً محتدماً بين حكومتى فتحي باشاغا وعبد الحميد الدبيبة، على نحو يهدد استقرار الأوضاع السياسية والأمنية الليبية، يتبنى المجتمع الدولي موقفاً حذراً من الأزمة الليبية من دون الانحياز لأيٍ من الحكومتين المتنافستين، لكن روسيا خرجت عن الإجماع الدولي، حيث أكد ديميتري بوليانسكي دعم بلاده حكومة باشاغا، بهدف تأجيج الصراع الليبي، خاصة أن وجود حكومتين في ليبيا يهدد المكاسب التي حققتها البلاد منذ وقف إطلاق النار في أكتوبر ٢٠٢٠ ويزيد من زعزعة الاستقرار. ولا تستبعد اتجاهات عديدة أن تستغل روسيا ورقة الهجرة غير النظامية من ليبيا وانتقال المقاتلين الأجانب من ليبيا إلى أوكرانيا لزعزعة استقرار أوروبا. ومن دون شك، فإن روسيا لن تسمح لأوروبا والولايات المتحدة بفرض حل في ليبيا على حساب مصالحها.

٤- إقحام تركيا في الصراع الأوكراني- الروسي: في مقابل تعدد أوراق الضغط التي تملكها روسيا في المنطقة، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى فك التحالف الروسي-التركي، وإعادة أنقرة مرة ثانية إلى المحور الأمريكي- الأوروبي، ولهذا اقترحت على أنقرة، العضو في حلف شمال الأطلنطي، إرسال أنظمة دفاع صاروخي من طراز “اس-٤٠٠” إلى أوكرانيا لمساعدتها في صد الهجوم الواسع للقوات الروسية عليها منذ أكثر من شهر. وتشير المصادر إلى أن نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان ناقشت هذا المقترح خلال زيارتها لتركيا في ٤ مارس الجاري. وقد سبق أن طلبت إدارة الرئيس جو بايدن من حلفاء الولايات المتحدة الذين يستخدمون معدات وأنظمة روسية الصنع بما في ذلك “اس – ٣٠٠” و”اس – ٤٠٠” التفكير في نقلها إلى كييف لدعمها في مواجهة العمليات العسكرية الروسية.

رسائل متبادلة

مع تزايد أدوات الضغط الأمريكي والأوروبي على روسيا في أعقاب عملياتها العسكرية المستمرة ضد أوكرانيا منذ ٢٤ فبراير الفائت، لتهديدها قواعد النظام الدولي والأمن الأوروبي، تحاول موسكو استخدام وجودها العسكري في الشرق الأوسط، بما في ذلك قواتها النظامية في سوريا والشركات العسكرية الخاصة الروسية مثل مجموعة “فاجنر” في ليبيا، ونفوذها المتصاعد في العديد من الصراعات والأزمات في المنطقة، للضغط على المصالح الغربية، وامتلاك ورقة مساومة لتعزيز موقعها قبل التوصل إلى أى اتفاق محتمل مع الدول الغربية بشأن أوكرانيا. ويسعى الرئيس فلاديمير بوتين إلى توجيه رسالة لتلك الدول بأنها لا تزال بحاجة إلى التعاون مع موسكو لحل بعض القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى حول العالم تمتلك فيها نفوذاً عسكرياً واقتصادياً وسياسياً مؤثراً، وأنه لا يمكن التوصل إلى تسويات سياسية مستقرة بدونها.