أعاد الإعلان عن توقيع السعودية وإيران اتفاقاً برعاية صينية، في 10 مارس الجاري، يقضي باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الآمال تجاه عملية تسوية الأزمة اليمنية، التي ينظر إليها على أنها تشكل حجر زاوية في توتر العلاقات بين الرياض وطهران. ومع ذلك، لا يزال من المبكر تصور حدوث انتقال نوعي في مشهد الأزمة اليمنية في إطار مقاربة التسوية السياسية الشاملة، بحكم استحقاقات إبرام عملية تسوية شاملة، والتي تتطلب الإجابة على الأسئلة الرئيسية بشأن المستهدف من عملية التسوية، من حيث إمكانية إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب الحوثي على الشرعية (سبتمبر 2014)، وتفكيك إرث هذه المرحلة سياسياً وأمنياً وعسكرياً، بالإضافة إلى التغير المطلوب في نهج إيران باليمن، واستثمارها في المليشيا الحوثية كمشروع طائفي عبر عقود تتجاوز زمن الانقلاب على السلطة الشرعية في اليمن.
فرصة محتملة
تصدر ملف الأزمة اليمنية المشهد بمجرد الإعلان عن اتفاق بكين بين السعودية وإيران، وبادرت القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الملف بالترحيب بهذا التطور، وهو ما يشكل فرصة في حد ذاتها بالنسبة للقضية اليمنية بالنظر لأبعادها المعقدة، وحجم التدخلات الخارجية فيها. وبالتالي، فإن حجم الترحيب رغم اختلاف طرق التعبير عنه يعكس ما يشكله هذا الملف من أولوية عاجلة تتطلب الحل، كما يترتب على عملية الترحيب التزام من جانب القوى المختلفة بدعم الجهود الخاصة بعملية التسوية والتي لا تتوقف على الرياض وطهران فقط، وإنما الأمم المتحدة والقوى الدولية والإقليمية والمحلية.
ويلمح مراقبون ومحللون في الرياض إلى أن إبرام اتفاق تسوية في اليمن يحتاج إلى طرف ضامن، وهو ما قد تلعبه الصين كشريك استراتيجي بين السعودية وإيران، وربما ستلعب روسيا التي يتنامى انخراطها في الملف دوراً محفزاً للدور الصيني. كما يشير عديد من المراقبين أيضاً إلى أن الذهاب إلى الطرف الأصيل في الأزمة مباشرة -وهو إيران- قد يقصر مسافة الطريق إلى عملية التسوية، وأيضاً يؤخذ في الاعتبار البعد الأممي الشريك في عملية التسوية، والذي قطع شوطاً في مسار عمان الخاص بالهدنة.
وفي هذا السياق، تأتي زيارة المبعوث الأممي لليمن هانز غروندبرغ إلى طهران في 12 مارس الجاري، حيث التقى وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان وكبير مستشاري وزير الخارجية للشئون السياسية علي أصغر خاجي، وصدر عنها رسائل إيجابية تتمثل في تأكيد خاجي على الحل السياسي والحوار السلمي، وأهمية الوصول إلى عملية وقف إطلاق النار، وإحلال سلام عادل في اليمن.
تحديات قائمة
على الرغم من عدم وجود مسار واضح لتسوية الأزمة اليمنية في الوقت الراهن، إلا أن طهران تقول إن الاتفاق سوف يُسرِّع من عملية تسوية الأزمة، في تلميح إلى إمكانية دفع مسار استئناف الهدنة العالقة منذ أكتوبر 2022، كخطوة على طريق تهيئة مدخل لعملية التسوية السياسية في المستقبل، ثم إمكانية ترقية اتفاق التهدئة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، أخذاً في الاعتبار أن وضع خريطة طريق لعملية تسوية سياسية يتطلب هندسة مختلفة عن مشروعات التسوية السابقة التي طُرحت في الكويت عام 2016، واستكهولم عام 2018.
وفي هذا الإطار، تظهر العديد من التحديات ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1- الإشكاليات الهيكلية المرتبطة بالتسوية: وتتعلق باختبار التقارب السعودي – الإيراني باعتباره فرصة لمواجهة التحديات الهيكلية الخاصة بمشروع عملية التسوية، وهي تحديات معروفة بشكل عام في النماذج القريبة من النموذج الحوثي، مثل مآلات سلاح المليشيا، وإمكانيات الإدماج بين الهياكل الأمنية، والقضايا المركزية الأخرى المتعلقة بشكل السلطة في مرحلة التسوية، وقضية الهوية الوطنية في ظل الملمح الطائفي الحوثي، والقضايا المتصلة بالأزمة اليمنية كالقضية الجنوبية. فضلاً عن ذلك، سوف يتعين اختبار مدى الالتزامات الإيرانية تجاه منح أي مسار للتسوية السياسية قدراً من المصداقية، ولا سيما ما يتعلق بعملية نقل الأسلحة الإيرانية إلى الحركة الحوثية.
2- مقاربة طهران للمسار الحالي: ينطوي لفظ “التسريع” الذي استُخدم في خطاب الدبلوماسية الإيرانية بالأساس على أن هناك جهوداً قائمة، لكنها متباطئة وتحتاج إلى أن تدفع قدماً للأمام، مما يرجح فرضية أن الانطلاقة الأولى ستكون من مسار سلطنة عمان الذي انخرطت فيه السعودية مع الحوثيين خلال الفترة الماضية، وهي نقطة تحتاج إلى مراجعة من عدة زوايا، منها -على سبيل المثال- أنه إذا ما تم اعتبار الهدنة هي المرحلة الأولى، أو المرحلة التمهيدية، فإنها ستحتاج إلى مقاربة مختلفة، خاصة أن المقاربة السابقة كانت تقوم على أساس تحويل جزء من العوائد الاقتصادية للنفط إلى الحوثيين للتوقف عن التصعيد المسلح ضد المنشآت النفطية، وهو ما يتماشى مع عملية فك الارتباط الاقتصادي والسياسي والأمني بين الشرعية والحوثيين، على عكس ما تتطلبه المرحلة التمهيدية من وضع أسس لإعادة الدمج قد تشكل نقطة بداية أفضل لهذا المسار.
3- وضع إطار جديد لعملية التسوية: من المتصور أيضاً أن حديث الخارجية الإيرانية عن تسريع عملية التسوية الذي يعطي الانطباع بدفع المسار الحالي لمباحثات استئناف الهدنة، على نحو ما سلفت الإشارة، يختلف عن سياق آخر طرحه علي أصغر خاجي في لقائه مع المبعوث الأممي هانز غروندبرغ، بالإشارة إلى الحاجة إلى وضع استراتيجية عملية لتسوية الأزمة في اليمن، مما يعني أن هناك حاجة لإطار آخر أبعد من إطار الهدنة يستوعب التطورات السياسية الجديدة التي طرأت على الساحة.
4- مصير الدور الأمريكي في اليمن: بدا الموقف الأمريكي مُرحِّباً بالاتفاق. ومع ذلك كانت هناك إشارات إلى تحدي صمود الاتفاق من جهة، وفي حال صموده انعكاساته المطلوبة على الصعيد اليمني، لكن يُنظر أيضاً إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تنخرط فقط في جهود التسوية عبر المبعوث الأمريكي تيموثي ليندر كينج، وإنما عبر الدور الأمني في تقويض عملية نقل الأسلحة الإيرانية إلى اليمن، فضلاً عن ملف تنظيم “القاعدة” في اليمن. وبالتالي، لدى واشنطن رصيد من الدور في هذا الملف، ولا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستتلاقى الأدوار أو تتباعد ما بين بكين وواشنطن في ظل هذا التطور.
تطور مشروط
في الأخير، يمكن القول إن الاتفاق الإيراني – السعودي يشكل فرصة لتسوية الأزمة اليمنية، من حيث إنضاج المباحثات التي جرت بين الطرفين في الفترة السابقة عبر الوسطاء، لكن ما سيقرر أي تطور قادم هو تقاسم المكاسب بين الأطراف. فعلى سبيل المثال، ليس من مصلحة إيران إضعاف الدور الذي تقوم به الصين لإظهارها كفاعل يمثل قوة عظمى في الإقليم ومنافس للولايات المتحدة الأمريكية، مع الأخذ في الاعتبار أن الاتفاق لا يتعلق فقط بالأزمة اليمنية، بالنظر إلى الانعكاسات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالاتفاق بشكل عام.