توحيد المعارضة:
هل يستجيب الرئيس التونسي لمطالب جبهة الخلاص الوطني؟

توحيد المعارضة:

هل يستجيب الرئيس التونسي لمطالب جبهة الخلاص الوطني؟



طرح “أحمد نجيب الشابي” رئيس الهيئة السياسية لحركة “أمل” في تونس مبادرة لتأسيس ما أطلق عليه “جبهة الخلاص الوطني”. وتقترح هذه المبادرة إجراءات محددة في محاولة لتسوية الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد منذ فرض الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو الماضي، وذلك بتوحيد كل القوى السياسية التي تسعى لإنقاذ البلاد عبر إجراء حوار وطني حقيقي يترتب عليه تشكيل حكومة إنقاذ تعمل وفق برنامج إنقاذ يتضمن إجراء وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية، وصولاً إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، ومن ثمّ إخراج البلاد من أزمتها الراهنة.

إنهاء الاستثنائية

جاء طرح مبادرة تأسيس “الجبهة الوطنية للخلاص” في ظل تصاعد الخلافات بين رئيس الدولة “قيس سعيد” وبعض الأحزاب السياسية المعارضة، وعلى رأسها حركة النهضة، وحراك مواطنون ضد الانقلاب، ومجموعة “توانسة من أجل الديمقراطية” (تضم عدداً من القيادات المستقيلة من حركة النهضة ومستقلين)، بشأن مستقبل البلاد خلال الفترة القادمة، إلى جانب عدد من الأسباب والعوامل التي دفعت المعارضة لذلك، ومن أهمها: 

1- رفض استمرار الإجراءات الاستثنائية: تهدف المبادرة إلى تأسيس جبهة من الأحزاب السياسية المعارضة التي تجتمع حول رفض استمرار الإجراءات الاستثنائية التي فرضها رئيس الدولة “قيس سعيد” في شهر يوليو الماضي، حيث ترى المعارضة أن البلاد تعيش حالة من الارتداد على الديمقراطية منذ 8 أشهر، حيث وقع حلّ المؤسسات المنتخبة وعلى رأسها البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء، وأيضاً حل المؤسسات المستقلة كمؤسسة مكافحة الفساد والهيئة العليا للإشراف على الانتخابات وإعادة تشكيلها وفقاً لأهواء رئيس الدولة، وهو ما أدى إلى التأثير سلباً على التجربة الديمقراطية التي عاشتها البلاد طوال السنوات العشر الأخيرة. وهنا ترى المعارضة أن استمرار الأوضاع الاستثنائية أصبح يمثل تهديداً متصاعداً لاستقرار الدولة وبقائها، وقد عبرت حركة النهضة عن ذلك بالتأكيد على أن استمرار الحالة الاستثنائية يُعد انحرافاً بالسلطة وسبباً رئيسياً وراء الانهيار الاقتصادي الذي تعاني منه الدولة حالياً، وهو ما يدفعها للاستجابة لمبادرة تشكيل جبهة الخلاص الوطني بغرض إنقاذ البلاد على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

2- تفاقم الأوضاع الاقتصادية: تعاني البلاد أزمة اقتصادية حادة ساهمت في تدهورها جائحة كورونا وتداعيات الأزمة الأوكرانية، ومن أبرز مؤشراتها تراجع الأوضاع المعيشية لأفراد الشعب التونسي، والحديث عن احتمالات إفلاس الدولة التي لا تستطيع الاقتراض من الخارج، وارتفاع أسعار السلع الرئيسية والضرورية، والأدوية مقطوعة من الأسواق، وتحاول هنا القوى المعارضة توظيف هذه الأزمة الاقتصادية للإطاحة برئيس الدولة؛ حيث تشير حركة النهضة إلى أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة من شأنها أن تؤدي إلى انفجار وشيك في الأوضاع الاجتماعية داخل المجتمع، وذلك رغم ما تقوم به الحكومة التونسية من جهود حثيثة لحل المشكلات الاقتصادية الداخلية، ومن ذلك مشاركتها في اجتماعات الربيع للبنك وصندوق النقد الدوليين المنعقدة في واشنطن بهدف الترويج لبرنامجها الخاص بالإصلاح الاقتصادي، تمهيداً لحسم المفاوضات الدائرة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض بقيمة 4 مليارات دولار لتمويل خطة الإصلاح الاقتصادي المعلنة في البلاد.

3- رفض إجراء حوار وطني مشروط: عبّرت الأحزاب السياسية المؤيدة لتشكيل “جبهة الخلاص الوطني” عن رفضها لإجراء حوار وطني مشروط؛ إذ أعلن الرئيس “قيس سعيد” بدء حوار وطني في مطلع شهر أبريل الجاري، لكنه وضع شروطاً لهذا الحوار متمثلة في الاعتماد على نتائج ومخرجات الاستشارة الإلكترونية التي انتهت في 20 مارس الماضي، والتي سيتم صياغة الإجراءات السياسية والدستورية التي سيتم الاستفتاء عليها في شهر يوليو المقبل، مع استثناء الرافضين لإجراءات العام الماضي ولمخرجات الاستشارة الإلكترونية، متهمين الرئيس بإجراء حوار وطني معروفة نتائجه مسبقاً، وقد عبر عن هذا التوجه الأمين العام للاتحاد التونسي العام للشغل “نور الدين الطبوبي” الذي رفض صراحة دعوة الرئيس “سعيد” للمشاركة في حوار وطني مشروط وغير محدد من حيث المضمون والأطراف المشاركة فيه، وذلك رغم تأييد الاتحاد التونسي العام للشغل للإجراءات التي اتخذها رئيس الدولة وتأييده لعدم الرجوع لمرحلة ما قبل 25 يوليو؛ إلا أن هناك تغيراً نوعياً في موقف اتحاد الشغل تجاه الاستمرار في تطبيق الإجراءات الاستثنائية. وقد سبق للأمين العام للاتحاد إرجاع هذه الإجراءات إلى عدم قدرة الحكومة الحالية برئاسة “نجلاء بودن” على حل المشكلات الاقتصادية الداخلية، وفشل التفاوض مع الجهات الدولية المانحة.

4- تكريس السلطات في يد الرئيس: عبّرت الأحزاب والقوى السياسية المعارضة للرئيس “سعيد” عن استغلاله الإجراءات الاستثنائية التي فرضها في شهر يوليو الماضي، وتوظيفها من أجل السيطرة على السلطات الثلاث (التنفيذية – التشريعية – القضائية) ومن ثم تمرير مشروعه للسيطرة على السلطة عبر تغيير النظام السياسي القائم إلى رئاسي، مستنداً في ذلك إلى نتائج المشاركين في الاستشارة الإلكترونية، حيث أيد 86.4% منهم التحول إلى النظام الرئاسي، وموافقة 60.8% منهم على تغيير القانون الانتخابي، وهو ما دفع الرئيس “سعيد” للإعلان عن اعتماد النظام الانتخابي القائم على التصويت على الأفراد وليس القوائم الانتخابية، وهو ما أثار اعتراض الأحزاب السياسية المعارضة وعلى رأسها حركة النهضة التي اتهمت الرئيس “سعيد” بتوظيف السيادة الوطنية لخدمة مشروعه السياسي.

السيناريوهات المحتملة

وفي إطار ما سبق فإن هناك بعض السيناريوهات المرتبطة بمدى قدرة جبهة الخلاص الوطني التي يتم تشكيلها بين الأحزاب والقوى السياسية المعارضة على دفع الرئيس “سعيد” للاستجابة لمطالبهم، وذلك كما يلي:

السيناريو الأول– تشكيل جبهة من المعارضة والاستمرار في الضغط على رئيس الدولة: خاصة وأن مبادرة جبهة الخلاص الوطني تحظى بقبول العديد من الأحزاب والقوى السياسية وعلى رأسها حركة النهضة التي عبرت عن تأييدها للمبادرة فور الإعلان عنها، كما التقى رئيس الحركة “راشد الغنوشي” مع رئيس حركة أمل “الشابي” بمقر حركة النهضة للتأكيد على دعم وتأييد هذه المبادرة التي جاءت استجابة لمتطلبات الوضع الراهن في تونس، وممارسة الضغوط على الرئيس “سعيد” لدفعه نحو الاستجابة لمطالبهم بإجراء حوار وطني غير مشروط ومباشر وليس عبر المنصات الإلكترونية. وفي هذا الإطار، تبدو الفرصة سانحة أمام حركة النهضة لتوظيف هذا التحالف لاستعادة دورها المفقود في الحياة السياسية حالياً، والعمل من خلال هذا التحالف على إعادة ترتيب صفوفها وربما إمكانية توظيفه لصالح خوضها الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 17 ديسمبر القادم. ومن المرجّح أن تشارك بعض الأحزاب السياسية الرافضة للإجراءات الاستثنائية مثل التيار الديمقراطي في هذه الجبهة التي قد تمثل أرضية مشتركة للمعارضين للرئيس “سعيد” والمطالبين بعودة المسار الدستوري والديمقراطي.

السيناريو الثاني– عدم استجابة الرئيس “سعيد” للتحركات المعارضة في الداخل: ويستند هذا السيناريو إلى عدة اعتبارات، من أبرزها ما يلي:

1- تصريحات الرئيس “قيس سعيد” التي تصب في اتجاه انتقاد تشكيل تحالفات سياسية جديدة تجمع في عضويتها أحزاباً سياسية تسعى للانقضاض على السلطة، وليس العمل على تحقيق المصالح الوطنية للشعب التونسي، واصفاً هذه الأحزاب بالانتهازية، وتأكيد الرئيس “سعيد” على مضيه في طريق تمكين الشعب صاحب السيادة من التعبير عن آرائه، في إشارة صريحة إلى اعتماد الحوار الوطني الذي دعا إليه على نتائج الاستشارة الإلكترونية، وبالتالي عدم الاستجابة لمطالب المعارضة بإجراء حوار مباشر مع الأحزاب السياسية المتصدرة للمشهد السياسي الحالي وخاصة حركة النهضة، كما حذر الرئيس “سعيد” بعض الأحزاب من خطورة الاستقواء بالدول والجهات الأجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وتأكيد “سعيد” على مُضيّه نحو ترسيخ “المشروعية الشعبية”.

2- يرى المعارضون لجبهة الخلاص الوطني أنها إعادة لـ”تحالف 18 أكتوبر” الذي ضم العديد من القوى السياسية المناهضة لحكم الرئيس الراحل “زين العابدين بن علي” والذي فتح المجال أمام حركة النهضة بعد الثورة للهيمنة على السلطة.

3- تأييد شعبي وحزبي لمواصلة الرئيس “سعيد” الإصلاحات السياسية والدستورية، وعدم الاستجابة لضغوط حركة النهضة وحلفائها، وقد عبرت حركة “الشعب” عن رفضها مقترحات جبهة الخلاص الوطني لأنها تدعو لاستثناء الرئيس من الحوار الوطني، وتهدف إلى التعبئة الجماهيرية ضد مؤسسة الرئاسة، ومن ثم عدم الاستقرار السياسي، كما عبر التيار الشعبي عن رفضه لمبادرة “الشابي” ووصفها بأنها تصب في خانة أعداء الشعب.

السيناريو الثالث– مزيد من عدم الاستقرار السياسي: يستند هذا السيناريو إلى اتجاه الأحزاب السياسية المشاركة في جبهة الخلاص الوطني إلى تنفيذ مخططاتهم المتمثلة في استمرار عقد جلسات للبرلمان المنحل وتشكيل حكومة موازية، وفي هذه الحالة سيترتب على ذلك حالة من الإرباك والفوضى السياسية داخل المجتمع التونسي، بشكل يزيد من حدة تعقيد الأزمة السياسية الراهنة وإطالة أمدها، وإيصال رسالة للخارج بأن البلاد تعاني فراغاً مؤسساتياً وما لذلك من تداعيات على الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وخاصة فيما يتعلق بمحاولات الاقتراض من الخارج.

خلاصة القول، تكشف المبادرات الوطنية التي تطرحها بعض الأحزاب والقوى السياسية عن اتساع نطاق حركة المعارضة السياسية داخل البلاد ضد رئيس الدولة، بشكل ينذر باستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد، على الأقل في المدى القريب. وترجح المعطيات الراهنة السيناريو الثاني المتمثل في مواصلة الرئيس “قيس سعيد” لإجراء الحوار الوطني مع القوى السياسية التي تؤيد ما يتخذه من إجراءات مرتبطة بتنفيذ الإصلاحات السياسية والدستورية وفقاً لخريطة الطريق المعلنة في هذا الشأن، وبالتالي محدودية فرص نجاح التحالفات السياسية الجديدة في دفع الرئيس “سعيد” للاستجابة لمطالبهم، مع عدم استبعاد توظيف حركة النهضة لهذا التحالف الجديد في إثارة حالة من الفوضى السياسية، وتأليب الرأي العام ضد الرئيس “سعيد”.