خيار مستبعد:
هل يستجيب الرئيس التونسي لدعوات إجراء انتخابات برلمانية مبكرة؟

خيار مستبعد:

هل يستجيب الرئيس التونسي لدعوات إجراء انتخابات برلمانية مبكرة؟



في ظلّ تصاعد الأزمة السياسية في تونس منذ يوليو الماضي، تزايدت الدعوات الداخلية المطالبة بإنهاء الإجراءات الاستثنائية، ووضع حد لحالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها البلاد، ومن ذلك دعوة حزب الدستوري الحر بقيادة “عبير موسى” إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة؛ لضمان استقرار الدولة التونسية على المستوى السياسي، وفي الوقت نفسه مواجهة المشكلات الاقتصادية المتفاقمة التي تواجه البلاد حالياً، وجاءت هذه الدعوات خلال المظاهرات التي دعا إليها حزب “الدستوري الحر” وتنظيمها في العاصمة التونسية في 13 مارس 2022 والتي شارك فيها بضعة آلاف من المواطنين المؤيدين لهذه الدعوات.

استمرار الأزمة

يمكن تفسير الأسباب التي دفعت الحزب الدستوري الحر للدعوة لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة، من خلال ما يلي:

1- عدم شرعية السلطة القائمة: يرى الحزب الدستوري الحر أن السلطة القائمة غير شرعية لأنها سلطة غير دائمة ولم ينتخبها أحد، وخاصةً بعد قرار تجميد البرلمان، واحتكار رئيس الدولة للسلطات الثلاث (التنفيذية – التشريعية – القضائية)، وبالتالي فإن هناك ضرورة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة لانتخاب سلطة تشريعية، وتشكيل حكومة جديدة تتولى إدارة شؤون البلاد على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية.

2- عجز الحكومة التونسية الحالية: إذ ترى “موسى” أن الحكومة الحالية برئاسة “نجلاء بودن” عاجزة عن تقديم حلول فاعلة للمشكلات والأزمات الداخلية، وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية التي تزداد سوءاً وتتراجع معها الأحوال المعيشية للمواطنين داخل البلاد، وأرجعت ذلك إلى استمرار الحالة الاستثنائية المفروضة منذ ثمانية أشهر، حيث تسببت الإجراءات الاستثنائية في تراجع المستثمرين الأجانب عن ضخ أموالهم في الاقتصاد التونسي بسبب عدم استقرار الأوضاع السياسية الداخلية، وهو ما انعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المضطربة، في ظل ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية الضرورية بسبب انتشار ظاهرة احتكار السلع وتداعيات الأزمة الأوكرانية على القدرة الشرائية للمواطنين، وذلك رغم الإجراءات التي أعلنها الرئيس “سعيد” للتصدي لظاهرة احتكار السلع.

3- إقصاء الرئيس للأحزاب السياسية: من العوامل التي دفعت الحزب الدستوري الحر للدعوة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ما تعانيه الأحزاب السياسية ومنها الدستوري الحر من تهميش متعمد من قبل رئيس الدولة “قيس سعيد” الذي رفض إشراكهم في إجراءات الإصلاحات السياسية والدستورية التي يقوم بها في إطار استثنائي، ومرجع ذلك إلى أن الرئيس “سعيد” لديه قناعة تامة بأن هذه الأحزاب تتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع السياسية الراهنة في البلاد وأنها السبب الرئيسي وراء الأزمة الحالية، وهو ما دفعه لرفض مطالب الأحزاب السياسية بإشراكهم في حوار وطني موسع، واتّجه بدلاً من ذلك إلى إجراء حوار عبر المنصات الإلكترونية، وهو ما رفضته الأحزاب وترى في هذه الاستشارة تحايلاً على إرادة المواطنين، خاصة وأن المشاركين فيها وصلوا إلى 300 ألف مواطن فقط، وهو ما تستند إليه الأحزاب الرافضة لها وعلى رأسها حزبا الدستوري الحر وحركة النهضة، ويرون أنه لا يمكن الاعتماد على نتائج هذه الاستشارة بسبب ضعف نسبة المشاركة فيها، كما أن الاتحاد التونسي العام للشغل يرى أن الاستشارة الإلكترونية لا تغني عن إجراء حوار حقيقي بين رئيس الدولة والأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية.  

4- فراغ الساحة السياسية والحزبية: تمثل الأوضاع الاستثنائية الحالية فرصة كبيرة أمام حزب الدستوري الحر الذي أصبح حزباً سياسياً فاعلاً في الحياة السياسية التونسية في مرحلة ما بعد الإجراءات الاستثنائية، والتي تتزامن مع التراجع الكبير والانهيار في صفوف حركة النهضة وحلفائها بسبب تجميد البرلمان، وفقدانها لقواعدها الشعبية في ظل تورط عدد كبير من قياداتها في قضايا الإرهاب والفساد السياسي والإداري والمالي، وكذلك فقدانها للتحالفات السياسية التي كانت قائمة في مرحلة ما قبل 25 يوليو مع حزبي قلب تونس وائتلاف الكرامة، وهو ما ترك الساحة الحزبية والسياسية فارغة أمام الحزب الدستوري الحر الذي يرغب في استثمار هذه المتغيرات التي ساهمت في إعادة تشكيل المشهد السياسي الحالي، وتصدر الحزب قوائم استطلاعات الرأي لنوايا التصويت، وهذه العوامل مجتمعة تمثل دافعاً وحافزاً للحزب الدستوري بالمطالبة بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة ظناً من رئيسته “عبير موسى” بقدرة الحزب على اكتساح هذه الانتخابات في ظل هذه المتغيرات الاستثنائية.

صعوبات قائمة

هناك تحديات متعددة تعوق استجابة الرئيس قيس سعيد لدعوات إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، على النحو التالي:

1- التمسك الرئاسي بموعد إجراء الانتخابات: ينص الدستور التونسي على أن قرار إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في يد رئيس الدولة وذلك في حالة فشل الأحزاب السياسية المتصدرة لنتائج الانتخابات البرلمانية في تشكيل حكومة وعدم الحصول على ثقة البرلمان، وهو ما يستدعي قيام رئيس الدولة بحل البرلمان، وبعد إعلان الرئيس للإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو الماضي والتي شملت تجميد عمل البرلمان، ثم اتخاذ قرار بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في 17 ديسمبر 2022، وعلى هذا الأساس يتم الاستعداد الحالي من قبل مؤسسة الرئاسة والحكومة برئاسة “نجلاء بودن” لتنفيذ بنود خريطة الطريق وفقاً للجداول الزمنية المعلنة مسبقاً، وبالتالي صعوبة استجابة الرئيس “قيس سعيد” لأية دعوات من شأنها التعارض مع خريطة الطريق المعلنة.

2- تعارض الدعوة مع خريطة الطريق: فمن المعروف أن خريطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس “قيس سعيد” في ديسمبر الماضي، نصت صراحة على إجراء انتخابات تشريعية في 17 ديسمبر 2022، وهي في حد ذاتها انتخابات مبكرة في محاولة لإخراج البلاد من أزمتها السياسية، حيث كان من المقرر لها أن تُجرَى في عام 2024 (بعد مرور 5 سنوات على انتخابات 2019)، وبالتالي فإنه من الصعوبة بمكان إجراء انتخابات تشريعية قبل هذا الموعد.

3- إصلاح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات: فقبل إجراء أية استحقاقات انتخابية أكد بعض المسؤولين في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على الحاجة الماسة لإجراء بعض الإصلاحات ومن أبرزها تعديل القانون الأساسي باعتباره سابقاً للدستور، وأيضاً مراجعة وتعديل بعض الأمور المتعلقة بالهيئة العليا للانتخابات نفسها والتي واجهتها أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عام 2019، ومنها مراجعة عدد أعضاء هذه الهيئة، واختصاصاتهم، وطرق اختيار هؤلاء الأعضاء وامتيازاتهم ومدة العضوية والالتزامات المالية والإدارية لأعضاء الهيئة، وفي ظلّ عدم إجراء هذه التعديلات أو الإصلاحات حتى الآن فسوف يصعب الاستجابة لدعوات إجراء انتخابات برلمانية قبل شهر ديسمبر المقبل.

4- تغيير النظام الانتخابي: فمن العقبات التي تحول دون إجراء انتخابات مبكرة عن تلك المقررة في 17 ديسمبر المقبل، هو إجراء تغيير القانون أو النظام الانتخابي الحالي الذي يقضي بالانتخاب على أساس القوائم الانتخابية للأحزاب والمستقلين، وهو من ضمن القوانين التي سيتم تعديلها ضمن الإجراءات الاستثنائية المرتبطة بإجراء الإصلاحات السياسية والدستورية التي أعلن عنها الرئيس “سعيد” في خريطة الطريق في 13 ديسمبر الماضي، وهو الأمر الذي من المنتظر أن يتم الاستفتاء عليه في شهر يوليو المقبل، حيث يوجد توجه بإجراء الانتخابات بالنظام الفردي وليس القوائم الذي كان معمولاً به في الاستحقاقات الانتخابية السابقة.

5- عدم وحدة صف المعارضة: فرغم زعامة الحزب الدستوري الحر للدعوات الخاصة بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وهو ما يتماشى مع الدعوات التي أطلقتها حركة النهضة من قبل بإجراء انتخابات مبكرة وإجراء حوار وطني موسع؛ إلا أن هناك أحزاباً سياسية أخرى تؤيد خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس “قيس سعيد” وترفض الاستجابة لدعوات حركة النهضة في هذا الخصوص، ومن ذلك الاختلاف الأيديولوجي والسياسي بين حزبي الدستوري الحر وحركة النهضة، فرغم تشابه دعواتهما للرئيس “سعيد” بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة؛ إلا أن الأهداف مختلفة والرؤى الخاصة بحل الأزمة السياسية الحالية مختلفة أيضاً، إلا أنه لا يمكن استبعاد تلاقي المصالح بين هذين الحزبين في لحظة تاريخية ما، ورغم ذلك فمن المستبعد أن يكون هناك موقف موحد للمعارضة السياسية يمكّنها من طرح مشروع بديل لذلك الذي يقدمه رئيس الدولة، الأمر الذي يضعف من موقفها في مواجهة الرئيس “سعيد” الذي يستند إلى قاعدة شعبية مؤيدة له، وهو ما ظهر في استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجرتها مؤسسة “سيغما كونساي” في شهر فبراير الماضي، والتي أظهرت تفوقاً للرئيس “سعيد” في نوايا التصويت لدى الناخبين بنسبة 83%، ومن بعده “عبير موسى” رئيسة حزب الدستوري الحر وبفارق كبير.

6- عدم توافر الموارد المالية اللازمة لإجراء هذه الانتخابات قبل شهر ديسمبر المقبل: خاصةً وأن هذا الأمر يتطلب تخصيص موارد وإمكانيات مادية طائلة لا تتحملها خزينة الدولة التونسية في الوقت الراهن الذي تتفاقم فيه الأزمة الاقتصادية، وتوجيه الموارد المالية الحالية لأغراض أخرى تتعلق بالاستشارة الإلكترونية التي أمر الرئيس “سعيد” لأجلها حكومته بتوفير خدمات الإنترنت بالمجان لكافة المواطنين لتشجيعهم على المشاركة فيها، ومن ثمّ زيادة نسبة المشاركة قبيل انتهاء المهلة الزمنية المحددة لها في 20 من شهر مارس الجاري، وفي الوقت نفسه إجراءات الحكومة لمحاربة موجة غلاء الأسعار التي يعاني منها المواطنون حالياً مع حلول شهر رمضان.

تحول نوعي

خلاصة القول، تُشير دعوة الحزب الدستوري الحر لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة إلى تحول نوعي في موقف الحزب من مؤيد للإجراءات الاستثنائية التي فرضها الرئيس التونسي “قيس سعيد” إلى معارض لها، كما يسعى الحزب لتوظيف المشكلات الاقتصادية المتزايدة لزيادة شعبيته بين الناخبين قبل المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في شهر ديسمبر المقبل، ومن ثم ضمان تحقيق نتائج إيجابية تمكنه من تصدر المشهد السياسي في مرحلة ما بعد انتهاء الإجراءات الاستثنائية، مستغلاً في ذلك أيضاً التراجع الكبير لحركة النهضة وحلفائها. وبصفة عامة، فإنه من غير المرجح أن يستجيب الرئيس التونسي لإجراء انتخابات مبكرة والمضيّ قدماً نحو إجرائها في موعدها المعلن في 17 ديسمبر المقبل.