خيار مستبعد:
هل يتأثر إجراء الاستفتاء على الدستور بتنامي النشاط الإرهابي في تونس؟

خيار مستبعد:

هل يتأثر إجراء الاستفتاء على الدستور بتنامي النشاط الإرهابي في تونس؟



أعلنت وزارة الداخلية التونسية، في 24 يونيو 2022، عن إحباط عملية إرهابية كانت تستهدف نقطة أمنية أمام أحد المقرات الحساسة، ولكن دون تحديد لهذه المقرات أو مقرها، واكتفى البيان بالإشارة إلى أن هذه كانت محاولة من أحد العناصر الإرهابية وتم إلقاء القبض عليه قبل تنفيذ هجومه الإرهابي.

مخاطر أمنية

اكتسب الإعلان عن هذا الحادث الأمني أهمية خاصة، نظراً لأنه مرتبط بعدد من المؤشرات الدالة على احتمالات عودة النشاط الإرهابي داخل البلاد، ومن أبرز هذه المؤشرات ما يلي:

1- استهداف رئيس الدولة، إذ كشفت وزارة الداخلية التونسية كذلك عن وجود بعض المخططات التي تستهدف رئيس الدولة “قيس سعيد”، وأرجعت ذلك إلى توافر معلومات أمنية تفيد بوجود مخططات تجاوزت مرحلة التهديدات بغرض استهداف رئيس الدولة، ولم يتم تحديد الجهات الداخلية أو الشخصيات المتورطة في هذه المخططات، واكتفت الداخلية بالتصريح بذلك دون توضيح ماهية هذه التهديدات.

2- الكشف عن خلايا إرهابية نائمة، حيث كشفت وزارة الداخلية التونسية عن تنامي أنشطة بعض التنظيمات الإرهابية داخل البلاد خلال الفترة الأخيرة، وذلك من خلال النجاح في الكشف عن خلية نسائية إرهابية مكونة من ست سيدات بإحدى الضواحي الشمالية في العاصمة تونس، وتم التحقق من أن أعضاء هذه الخلية صادر بحقهم محاضر تفتيش على خلفية انضمامهن لتنظيم إرهابي.

3- تمويلات أجنبية لجمعيات مدنية بطرق غير مشروعة، حيث تم التأكد من تلقي بعض الجمعيات المدنية داخل المجتمع، وتحديداً جمعية “نماء تونس”، تمويلات من بعض الجهات الأجنبية خارج البلاد بصورة غير قانونية، وهو ما دفع السلطات الأمنية إلى مداهمة مقر هذه الجمعية وإلقاء القبض على المتواجدين بها وعلى رأسهم القيادي بحركة النهضة “عادل الدعداع” وثلاثة آخرين، وتقديمهم للتحقيقات القضائية العاجلة.

4- اعتقال بعض قيادات النهضة، فقد ألقت السلطات الأمنية القبض على القيادي السابق في حركة النهضة ورئيس الحكومة الأسبق “حمادي الجبالي” (تولى رئاسة الحكومة 2012 – 2013) والذي تم اعتقاله من قبل قوات مكافحة الإرهاب بسبب تورطه في قضية “جمعية نماء” التي تتلقى تمويلات من منظمات وجهات أجنبية بالخارج بطرق غير مشروعة، واتهامه بالتورط في قضية “تبييض أموال” عبر جمعية “نماء تونس” الخيرية، وأيضاً على خلفية التحقيق معه بشأن الأنشطة المخالفة التي تحدث داخل مصنع تملكه زوجته في مدينة “سوسة” بسبب استخدام مواد مدرجة بجدول المواد الخطرة. وقد سبق التحقيق مع زوجته قبل شهر في هذا الخصوص، ووجهت لها السلطات الأمنية دعوة للمثول أمام القضاء للتحقيق معها في قضية توظيف أفارقة دون أوراق رسمية.

سياق مضطرب

تزامن الحديث عن هذه التطورات الأمنية الهامة مع ما تشهده الحياة السياسية التونسية في الوقت الراهن من تطورات متسارعة، ومن ذلك ما يلي: 

1- تصاعد حدة المعارضة ضد الرئيس سعيد، حيث شهدت الفترة الأخيرة تصاعداً في حدة معارضة بعض الأحزاب والقوى السياسية والتنظيمات النقابية ضد الرئيس “سعيد”، حيث لا تزال حركة النهضة تحت إطار جبهة الخلاص الوطني تحشد أنصارها وتنظّم المسيرات الاحتجاجية الرافضة لما يطلقون عليه الانقلاب الدستوري والسياسي الذي ينفذه الرئيس “سعيد” ويدعون لمقاطعة المشاركة في الاستفتاء القادم على الدستور، في حين تبنّى الاتحاد التونسي العام للشغل خطاباً تصعيدياً بتنفيذ الإضراب العام الأول، واتهامه للحكومة بعدم الاستجابة لمطالبه الخاصة بتحسين أوضاع الموظفين والعمال، ومعارضة الاتحاد كذلك للمفاوضات الدائرة مع صندوق النقد الدولي، كما تبنى الحزب الدستوري الحر نفس الخط المعارض متهماً الرئيس “سعيد” بانفراده بالحكم ورغبته في تمرير الدستور الجديد الذي يوسع من صلاحياته ويكرس من حكم الفرد.

2- إثارة جدل متصاعد حول الدستور، أثار تسلم الرئيس “سعيد” المسودة الأولى من الدستور الجديد حالة من الجدل السياسي داخل المجتمع التونسي، وخاصة فيما يتعلق بإلغاء الباب الأول من الدستور الذي كان يشير إلى دين الدولة وتوظيف المعارضة هذه المسألة دينياً لإثارة الرأي العام ضد الرئيس “سعيد”، ودعوة المواطنين لمقاطعة الإدلاء بأصواتهم على دستور جديد لا يعبر عن الهوية الإسلامية للدولة التونسية.

3- انطلاق حملات مؤيدة للدستور، وفي ظل تصاعد المعارضة ودعوات المقاطعة للدستور الجديد والاستفتاء عليه، نظم التيار الشعبي حملة للدعوة إلى المشاركة المكثفة في الاستفتاء باعتباره أهم آلية ديمقراطية تعبر بها الشعوب عن إرادتها، ودعا التيار الشعبي باقي الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني إلى توحيد مواقفها والمشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد.

دلالات هامة

يحمل الكشف عن هذه التطورات الأمنية بالتزامن مع استعداد الحكومة التونسية لإجراء استفتاء شعبي على الدستور الجديد الذي لا يزال في مرحلة الصياغة والتعديل، مجموعة من الدلالات الهامة، من أبرزها ما يلي:

1- عودة الذئاب المنفردة لتنظيم داعش، يشير الحادث الذي أحبطته قوات مكافحة الإرهاب إلى عودة نشاط ما يطلق عليه “الذئاب المنفردة” وهو الأسلوب الذي يتبناه عناصر تنظيم داعش الإرهابي للقيام بعمليات إرهابية، وذلك كنوع من التعامل مع الإجراءات الأمنية المشددة التي تشهدها البلاد خلال السنوات الأخيرة ونجحت إلى حد كبير في التقليل من خطورة بعض التنظيمات الإرهابية داخل البلاد، باستثاء عدد من العمليات التي نجحت السلطات الأمنية في التعامل معها.

2- تعزيز الجبهة الداخلية التونسية، يأتي الكشف عن مخططات تستهدف رأس النظام السياسي واستقرار الدولة التونسية بصفة عامة في هذا التوقيت الهام، ليشير إلى رغبة النظام السياسي القائم في حشد الرأي العام الداخلي عبر تسليط الضوء على بعض المخاطر والتهديدات الأمنية المرتبطة بتصاعد بعض الأنشطة الإرهابية، وذلك في محاولة لتقوية الجبهة الداخلية بغرض إيجاد بيئة سياسية داخلية مواتية لإجراء الاستفتاء الشعبي القادم عقب شهر تقريباً. وفي هذا الإطار، فقد ترى القيادة السياسية استخدام أو توظيف هذه التهديدات كـ”فزاعة” لحث المواطنين على الالتفاف حول القيادة السياسية، ومن ثم توظيف ذلك لمواجهة دعوات مقاطعة المشاركة في الاستفتاء القادم.

3- حصار قيادات حركة النهضة، جاءت عملية القبض على القيادي الإخواني “حمادي الجبالي” لتندرج في إطار عملية التتبع الأمني لقيادات حركة النهضة، وخاصة المتورطين منهم في قضايا الفساد والإرهاب، لا سيما وأن “الجبالي” من القيادات الكبيرة السابقة داخل حركة النهضة، ورغم إعلانه استقالته من الحركة في عام 2014، إلا أنه لا يزال على صلة بباقي قيادات الحركة، ولعل التغريدة التي عبرت بها حركة النهضة عن موقفها الرافض للقبض على “الجبالي” تؤكد على ذلك، والتي اتهمت فيها الرئيس “سعيد” والسلطات الأمنية باستخدام القوة والأساليب القمعية ضد المعارضين له، ومن ثم يأتي اعتقال “الجبالي” استكمالاً للملاحقات الأمنية لقيادات حركة النهضة وذلك على غرار إلقاء القبض على نائب رئيس الحركة “نور الدين البحيري” في أواخر شهر ديسمبر الماضي بعد الإفراج عنه عقب شهرين من التحقيقات معه، وإصدار حركة النهضة بياناً اتهمت فيه رئيس الدولة “قيس سعيد” بتوظيف السلطات الأمنية والقضائية لتصفية خلافاته مع خصومه السياسيين.

تداعيات محتملة

وفي ضوء المعطيات الأمنية المشار إليها أعلاه، يمكن القول باحتمال وجود بعض التداعيات على عملية الإصلاحات السياسية والدستورية، وخاصة مع اقتراب موعد إجراء الاستفتاء الشعبي في 25 يوليو القادم، ومن ذلك ما يلي:

1- تشديد الإجراءات الأمنية داخل الولايات التونسية، قد يترتب على إثارة الحديث المتزايد حول التهديدات والمخاطر الأمنية التي تستهدف استقرار البلاد حالياً، أن يلجأ رئيس الدولة “قيس سعيد” وحكومته إلى تشديد الإجراءات الأمنية داخل المدن والولايات التونسية المختلفة خلال الفترة القادمة وحتى إجراء الاستفتاء الشعبي القادم، وذلك تحت ذريعة حماية الأمن القومي للبلاد، والحفاظ على استقرار الأوضاع الأمنية داخل المجتمع التونسي بشكل يساعد في تنفيذ الاستحقاقات الانتخابية القادمة.

وبالتالي قد تشهد الفترة القادمة إجراءات أمنية مشددة على غرار التلويح الحكومي بتطبيق “إجراءات التسخير” لاحتواء تداعيات الإضراب العام الذي نظمه اتحاد التونسي العام للشغل في 16 يونيو الجاري، وهو ما قد يدفع الحكومة لاستخدام إجراءات أمنية مماثلة ضد التظاهرات التي قد تنظمها جبهة الخلاص الوطني وحركة النهضة وحلفاؤها وذلك اعتراضاً على إجراءات وقرارات الرئيس “سعيد”.

2- تكريس فكر المقاطعة لقرارات الرئيس سعيد، وفي حالة تشديد الإجراءات الأمنية ضد المسيرات والاحتجاجات وغيرها من صور التعبير عن الرأي، أن تقوم الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية المعارضة لقرارات وإجراءات الرئيس “سعيد” بتوظيف ذلك لإنجاح دعواتهم الخاصة بمقاطعة المشاركة في الاستفتاء القادم، وهو ما قد يُسهم في خفض أعداد المشاركين في الاستفتاء، خاصة وأن هناك مؤشرات دالة على ذلك الأمر، وهو ما اتضح في ضعف المشاركة في عملية الحصول على تصاريح للمشاركة في الحملة الانتخابية الخاصة بالاستفتاء على الدستور التونسي الجديد والمقرر انتهاؤها في 27 يونيو الجاري.

ويرجع ذلك إلى عدم إطلاع الفاعلين من أحزاب وقوى سياسية ونقابية داخل المجتمع التونسي على مسودة الدستور الجديد، وهو ما اتضح في إعلان “ائتلاف صمود” انتظاره الاطّلاع على هذه المسودة قبل المشاركة في الحملة الخاصة بالاستفتاء، وكذلك إعلان الاتحاد التونسي العام للشغل انتظاره الحصول على نسخة من مسودة الدستور قبل أن يقرر مشاركته من عدمها في الاستفتاء القادم، ومن المقرر أن يتم إطلاع الشعب التونسي على مسودة الدستور في 30 يونيو الجاري.

3- محدودية تأثير العمليات الإرهابية، تكشف الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة التونسية خلال الفترة الأخيرة، والتي تمكنت من خلالها من الكشف عن بعض الخلايا الإرهابية النائمة وإحباط تنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد، عن محدودية تأثير بعض الأنشطة الإرهابية أو المخططات الأمنية التي تم الكشف عنها، وهو ما يدفع في اتجاه استكمال عملية الإصلاح السياسي والدستوري وإجراء الاستفتاء القادم وفقاً للموعد المقرر له ضمن خريطة الطريق التي أعلنها الرئيس التونسي “قيس سعيد” في ديسمبر الماضي، حيث يواصل تنفيذ ما تضمنته من إصلاحات.

تأثير محدود

خلاصة القول، ترجح المعطيات الراهنة اتجاه الدولة التونسية لتشديد الإجراءات الأمنية خلال الفترة الزمنية القصيرة السابقة على إجراء الاستفتاء على الدستور الجديد في 25 يوليو القادم، وذلك لضمان توفير بيئة أمنية وسياسية مواتية لإجراء هذا الاستفتاء، ومن ثم محدودية تأثير هذه المخاطر الأمنية على إجرائه، مع عدم استبعاد إمكانية توظيف المعارضة لهذه الإجراءات المشددة لزيادة حدة معارضتها للرئيس “قيس سعيد”.