ارتدادات محتملة:
هل يؤثر وصول “طالبان” إلى كابول على دور إيران في سوريا؟

ارتدادات محتملة:

هل يؤثر وصول “طالبان” إلى كابول على دور إيران في سوريا؟



وصلت قوات حركة “طالبان” إلى العاصمة الأفغانية كابول في 15 أغسطس الجاري، على نحو بات يثير قلقاً واضحاً من جانب دول الجوار. لكن ربما تكون إيران هي أكثر دول الجوار التي تبدي اهتماماً خاصاً بما يحدث داخل أفغانستان في الفترة الحالية، بشكل جعلها حريصة في الفترة الماضية على الاحتفاظ بقنوات تواصل مع الحركة والسعي إلى ممارسة دور الوسيط بينها وبين القوى الأفغانية الأخرى.

اهتمام إيران بما يحدث داخل أفغانستان لا يعود فقط إلى تأثير التطورات الميدانية على أمنها ومصالحها، لاسيما في ظل التشابكات العرقية والمذهبية على الحدود بين الطرفين، وإنما يعود أيضاً إلى مدى ما يمكن أن يفرضه من تأثير على مقاربتها إزاء بعض الملفات الإقليمية، لاسيما الملف السوري، الذي انخرطت إيران فيه بقوة منذ اندلاع الأزمة في عام 2011، وحتى الآن، من خلال الميليشيات الطائفية التي قامت بتكوينها وتدريبها للقتال إلى جانب القوات النظامية ضد فصائل المعارضة والتنظيمات الإرهابية.

وكان من ضمن تلك الميليشيات “فيلق فاطميين” الذي قامت بتكوينه من خلال الشيعة الأفغان الذي يقطنون على أراضيها منذ تصاعد الحرب في أفغانستان في المرحلة الماضية، حيث استغلت إيران وجودهم من أجل تكوين تلك الميليشيا للانخراط في الصراع السوري والمساهمة في تغيير توازنات القوى لصالح النظام بعد أن كادت في المرحلة الأولى من الصراع أن تتحول لصالح الفصائل التي تدعمها قوى إقليمية أخرى وفي مقدمتها تركيا.

عقبات عديدة:

اللافت في هذا السياق، هو أن اتجاهات عديدة بدأت، حتى قبل الإعلان عن الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان بمقتضى اتفاق السلام الذي توصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية مع حركة “طالبان” في فبراير 2000، في ترجيح عودة الميليشيات التي قامت إيران بتكوينها وتدريبها إلى دولها الأصلية، بعد أن تغير توازن القوى لصالح النظام السوري، وسقطت الرهانات التركية على إنهاء وجوده في السلطة، مستندة في هذا السياق إلى أن ذلك قد يتوافق مع مصالح وحسابات إيران، لاسيما أن تكلفة الاستمرار في تقديم الدعم المالي والعسكري لتلك الميليشيات تفرض ضغوطاً قوية عليها في الوقت الذي تتعرض لعقوبات أمريكية منذ انسحاب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018. كما أنها استندت في هذا السياق إلى أن عودة “طالبان” إلى السيطرة على السلطة في أعقاب اجتياح العاصمة كابول قد يدفع إيران إلى اتخاذ خطوات إجرائية على الأرض لنقل، على الأقل، قسم من الميليشيا إلى داخل أفغانستان للدفاع عن مصالحها داخل الأخيرة.

ورغم أن هذه الآلية قد تكون إحدى الآليات المطروحة في الوقت الحالي داخل دوائر صنع القرار في طهران، التي تبدو منشغلة بمتابعة ودراسة ما يمكن أن يترتب على وصول “طالبان” إلى العاصمة، فإن ثمة اعتبارات عديدة يمكن أن تضع حدوداً لهذه الآلية في النهاية، ترتبط برؤية طهران لتوازنات القوى داخل سوريا سواء بالنسبة لحلفاءها أو بالنسبة لخصومها. وتتمثل أبرز تلك الاعتبارات في:

 1 تكريس النفوذ داخل سوريا: رغم تغير توازنات القوى داخل سوريا لصالح النظام في الأعوام الثلاثة الأخيرة، نتيجة الدور الذي قامت به القوى الحليفة له، لاسيما روسيا وإيران والميليشيات الموالية لها، إلا أن ذلك لا يبدو أنه سوف يدفع طهران إلى تقليص دورها على المستوى العسكري داخل سوريا خلال المرحلة القادمة. وقد بد ذلك جلياً فيما أشارت إليه تقارير عديدة، في 30 يوليو الفائت، من أن “فيلق فاطميين” يسعى إلى التحول إلى الميليشيا الأهم الموالية لإيران داخل سوريا، حيث أعلن عن تخريج دفعة جديدة من المنتسبين إليه ويصل عددهم إلى 64 شخصاً.

 2– تصاعد الخلافات مع روسيا: ساهم وصول الصراع العسكري داخل سوريا إلى مرحلته الأخيرة التي تغيرت فيها توازنات القوى لصالح النظام، في إنضاج الخلافات التي كانت “مكتومة” بين حلفاءه، لاسيما روسيا وإيران، على نحو دفع الأخيرة إلى الاحتفاظ بمختلف مكتسباتها الاستراتيجية والعسكرية التي حققتها داخل سوريا على مدى العقد الماضي منذ انخراطها في الصراع لصالح النظام. ويتوازى ذلك، من دون شك، مع استمرار استياء طهران من محاولات موسكو الاحتفاظ بقنوات تواصل مع خصوم الأولى، لاسيما إسرائيل، التي تقوم باستهداف مواقعها باستمرار داخل سوريا في إطار التصعيد المستمر بين الطرفين نتيجة تفاقم الخلافات حول بعض الملفات، لاسيما الملف النووي.

3- تعثر مفاوضات فيينا مع مجموعة 4+1: قد لا يكون التوقيت الحالي مواتياً لأي توجه محتمل في هذا السياق، وذلك بسبب التعثر الواضح في المفاوضات التي تجري بين إيران ومجموعة “4+1” في فيينا بمشاركة أمريكية غير مباشرة، وهو التعثر الذي انعكس في عدم الاستقرار بعد على تحديد موعد الجولة السابعة، رغم أن تقارير عديدة أشارت إلى أنها قد تجري في سبتمبر القادم بعد تشكيل حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي.

وثمة اعتبارات عديدة يمكن من خلالها تفسير هذا التعثر، ربما يكون أهمها عدم قبول إيران دعوة الدول الغربية لتوسيع نطاق التفاوض ليشمل الملفات الخلافية الأخرى لاسيما ملف الدور الإقليمي وبرنامج الصواريخ الباليستية. إذ ما زالت إيران تصر على مواصلة تدخلاتها في الأزمات المختلفة، وعدم التراجع عن تقديم مزيد من الدعم لحلفاءها ووكلاءها في المنطقة، بالتوازي مع مواصلة تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية. ومن هنا، فإن أى خطوة تهدف إلى تقليص وجود الفيلق داخل سوريا مع نقله إلى داخل أفغانستان، من شأنها، في رؤية طهران، أن توجه رسائل قد تفهمها الدول الغربية على نحو خاطئ يدفعها إلى الإصرار على تبني الدعوة نفسها خلال الجولات المحتملة القادمة من مفاوضات فيينا.

4- توفير بدائل أخرى لمواجهة تطورات المسألة الأفغانية: قد يكون لدى إيران خيارات أخرى للتعامل مع التطورات الميدانية في أفغانستان، في حالة ما إذا اتجهت إلى تكوين فصيل عسكري موالي لها داخل الأخيرة. إذ أنها قد تلجأ إلى اللاجئين الأفغان الموجودين على أراضيها، وهم الذين شكلوا القوام الرئيسي لـ”فيلق فاطميين” في البداية، وربما تستعين بقيادات وكوادر من الأخير لمساعدتها على تحقيق ذلك. أو أنها تستعين بحلفائها داخل أفغانستان نفسها من أجل تكوين فيلق جديد. وقد أشارت تقارير إيرانية بالفعل، في 19 يوليو الفائت، إلى أنها تعكف على تنظيم مجموعات مسلحة داخل أفغانستان في الفترة الحالية.

فصل الملفات:

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن إيران سوف تعمل على الفصل بين الملفات الإقليمية، على الأقل في المدى القريب، إلا أن إقدامها على إجراء أي تغيير في هذه السياسة سوف يرتبط في النهاية بمتغيرات عديدة، يتمثل أهمها في مدى تحول أفغانستان إلى ساحة جديدة لحرب أهلية محتملة، ومدى انخراط طالبان في تحركات مناوئة لمصالحها داخل أفغانستان.