"ذو الفقار 1400":
هل توجه إيران تحذيرات إقليمية عبر مناوراتها العسكرية؟

"ذو الفقار 1400":

هل توجه إيران تحذيرات إقليمية عبر مناوراتها العسكرية؟



رغم أن إيران اعتادت على إجراء مناورات عسكرية على مدار العام في أنحاء مختلفة من البلاد، إلا أن إجراء مناورات “ذو الفقار 1400″، بداية من 7 نوفمبر الجاري، يكتسب أهمية وزخماً خاصاً لاعتبارات خاصة بالتوقيت، والموقع، والجهة المُنفِّذة. فقد كان لافتاً أن إجراء المناورات توازى سواء مع الإعلان عن استئناف المفاوضات النووية في فيينا مع مجموعة “4+1” بمشاركة غير مباشرة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية في 29 نوفمبر الجاري، أو مع الرواية التي حرصت إيران على الترويج لها بانتزاع شحنة نفط زعمت أن البحرية الأمريكية قامت بمصادرتها في خليج عمان، والتي نفتها واشنطن بإصرار مشيرة إلى أن طهران تحتجز منذ 24 أكتوبر الفائت ناقلة فيتنامية.

كما أن اختيار جنوب شرق البلاد- وتحديداً من شرق جاسك إلى ميناء غواتر من توابع محافظة هرمزجان وسيستان وبلوشستان براً ومن شرق مضيق هرمز إلى مدار 10 درجات شمالاً للمحيط الهندي حسب تصريحات مساعد قائد الجيش للشئون التنسيقية حبيب الله سياري- ليكون منطقة إجراء المناورات يوحي بأن الهدف لا ينحصر فقط في العمل بالقرب من خطوط المواصلات العالمية في الخليج العربي ومضيق هرمز، رغم أهمية ذلك بالطبع، وإنما أيضاً العمل بالقرب من أفغانستان، حيث بدأت السياسة التي تتبناها حركة “طالبان” التي سيطرت على الحكم في الأخيرة، منذ منتصف أغسطس الماضي، تثير مخاوف عديدة لدى طهران رغم قنوات التواصل المفتوحة مع الحركة، خاصة لجهة التنسيق الواضح بين الأخيرة وباكستان، والذي لا ترى طهران أنه يتوافق مع حساباتها ومصالحها. فضلاً عن ذلك، فإن تولي الجيش الإيراني- وليس الحرس الثوري- مهمة إجراء المناورات، يوجه بدوره رسائل عديدة، لا تتعلق فقط بكون تلك المنطقة تخضع لإشراف الجيش، حسب تقارير مختلفة، وإنما تتصل أيضاً بتأكيد وجود تنسيق عالي المستوى بين الجيش والحرس، على نحو لا يمكن فصله عن محاولات إيرانية للرد على اتجاهات ترى أن هناك خلافات مكتومة بين الطرفين.

دلالات عديدة

ربما يمكن القول إن اختيار منطقة جنوب شرق إيران لتكون منطقة المناورات، فضلاً عن تكليف الجيش الإيراني بتنفيذها، يطرح دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- عدم استبعاد استخدام الخيار العسكري: رغم أن إيران والقوى الدولية المعنية بمفاوضات فيينا أعلنت أن الجولة السابعة من المفاوضات سوف تستأنف في 29 نوفمبر الجاري، بعد توقف نحو خمسة أشهر، فإن ذلك لا يؤشر إلى أن احتمال الوصول إلى صفقة جديدة تعزز من إمكانية استمرار العمل بالاتفاق النووي يتزايد. صحيح أن تحديد موعد جديد للمفاوضات يوحي بأن إيران والولايات المتحدة الأمريكية تسعيان للوصول إلى تلك الصفقة، لكن ذلك لا ينفي في الوقت ذاته أن الخلافات تتراكم بشكل كبير، وأن ما كان قائماً في الجولات الستة السابقة لم يعد موجوداً قبل انعقاد الجولة السابعة. فقد باتت شروط إيران أصعب بكثير في ظل التقدم الملحوظ الذي أحرزته في برنامجها النووي، لاسيما على صعيد زيادة الكمية المنتجة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى 25 كيلوجرام، والكمية المنتجة من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% إلى 210 كيلوجرام.

وهنا، فإن إيران، مع هذا التعثر المحتمل في المفاوضات، لم تعد تستبعد فشلها وبالتالي عودة التصعيد إلى مربعه الأول، بكل ما يعنيه ذلك من إعادة التفكير في الخيارات الأخرى التي كانت مُؤجَّلة لحين استشراف المسارات المحتملة للمفاوضات، ولاسيما الخيار العسكري.

وقد كان لافتاً أن إيران حرصت في الآونة الأخيرة على الإشارة إلى أن استبعاد واشنطن للخيار العسكري لا يعبر عن توجه استراتيجي وإنما يعكس خطوة تكتيكية لإتاحة الفرصة أمام تسوية أزمة الاتفاق النووي عبر المفاوضات والدبلوماسية، وهو ما انعكس في تصريحات رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، في 7 نوفمبر الجاري، التي قال فيها أنه “في مجال التهديدات، لم يتحدث أحد عن الخيار العسكري خلال العامين الماضيين”، مضيفاً أن “هذا التوجه يطرح أسئلة حول ما إذا حذف هذا الخيار لأسباب تكتيكية من جانب العدو”، بما يعني أن إيران لم تعد تستبعد الانخراط في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل في حالة فشل المفاوضات.

2- استمرار الالتفاف على العقوبات الأمريكية: يبدو أن إيران ما زالت مُصِرَّة على الالتفاف على العقوبات الأمريكية، وربما تحاول عبر المناورات العسكرية في جنوب شرق البلاد، الإيحاء بأنها لن تسمح بعرقلة تلك المحاولات، حتى رغم أن الرواية التي قامت بترويجها على نطاق واسع حول انتزاع شحنة نفطية قامت القوات الأمريكية بمصادرتها من على متن ناقلة إيرانية، مشكوك فيها إلى حد كبير. وهنا كان لافتاً أن مساعد رئيس الجمهورية للشئون الاقتصادية محسن رضائي كان حريصاً على تأكيد أن إيران سوف تواصل عمليات تهريب النفط، حيث قال، في 4 نوفمبر الجاري، أن “الضغوط التي تعرضت لها إيران اضطرتها إلى تهريب النفط وإدخال الدولار الأمريكي سراً إلى البلاد”.

ومن دون شك، فإن إيران تسعى عبر ذلك إلى ممارسة مزيد من الضغوط على واشنطن قبل الانخراط في الجولة الجديدة من المفاوضات، حيث تحاول تأكيد أن لديها خيارات في التعامل مع الضغوط الأمريكية، وأن خبرتها في مواجهة العقوبات تزيد من قدرتها على تقليص حدة تداعياتها لاسيما على المستوى الاقتصادي.

3- تعزيز التنسيق بين الجيش والحرس: برزت في الفترة الماضية مؤشرات توحي بأن ثمة امتعاضاً من جانب الجيش الإيراني إزاء تصاعد دور ونفوذ الحرس الثوري على المستويات المختلفة. ورغم أن هذا الامتعاض قد يكون قائماً منذ فترة طويلة، إلا أنه بدأ في الظهور تدريجياً لاسيما بعد غياب القائد السابق لـ”فيلق القدس” التابع للحرس الثوري قاسم سليماني الذي قتل في العملية العسكرية الأمريكية في 3 يناير 2020. إذ كان لافتاً أن مساعد قائد الجيش للشئون التنسيقية حبيب الله سياري- الذي كشف أيضاً عن المهام الرئيسية للقوات المشاركة في مناورات “ذور الفقار 1400” الحالية- قال في حوار مع وكالة أنباء “إرنا” في 31 مايو 2020، أن “الجيش لا يحبذ التدخل في الشئون السياسية أو الاقتصادية ويتجنب العمل الموازي”، وهى إشارات واضحة للأدوات التي يعتمدها الحرس الثوري في تعزيز نفوذه وتدخله في عملية صنع القرار في إيران.

ورغم أن الوكالة سارعت إلى حذف تلك التصريحات، فإن ذلك لم يقلص من حدة الجدل على الساحة الداخلية الإيرانية حول مساحات التداخل في المهام بين الجيش والحرس. ومن هنا، يبدو أن السماح للجيش بإجراء هذه المناورات الواسعة توحي بأن هناك توجهاً عاماً لرفع مستوى التنسيق بين الجانبين، باعتبار أن الفترة القادمة قد تكون من أصعب الفترات التي تمر بها إيران، التي لم تعد تستبعد التعرض لهجوم عسكري في ظل التصعيد الحالي مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

4- مراقبة تطورات المشهد الأفغاني: مع نجاح حركة “طالبان” في السيطرة على الحكم في أفغانستان، في منتصف أغسطس الماضي، كانت إيران حريصة على تأكيد أنها لا ترفض ذلك، ولا تعمل على عرقلة عودة خصمها السابق إلى السلطة مجدداً، بل تعمدت الكشف عن قنوات التواصل المفتوحة مع الحركة، باعتبار أن ذلك يمكن أن يخدم مصالحها في الفترة القادمة. إلا أن السياسة التي تبنتها الحركة في مرحلة ما بعد السيطرة على الحكم لم تكن محل ترحيب من جانب طهران، لاسيما فيما يتعلق بإقصاء المكونات المجتمعية والمذهبية الأخرى، خاصة الطاجيك والهزاره. ومن هنا، لم تعد اتجاهات عديدة في طهران تستبعد عودة التوتر إلى العلاقات مع الحركة، وربما اتجاهها إلى استهداف مصالحها من جديد. وقد كان لافتاً أن الأخيرة بدأت في توجيه انتقادات ضمنية لباكستان بسبب اتهامها بتقديم دعم لـ”طالبان” لتعزيز سيطرتها على الحكم وإقصاء الأطراف الأخرى.

5- التماهي مع التصعيد في الإقليم: لا يمكن فصل هذه الرسائل التحذيرية عن مجمل التحركات التصعيدية التي تقوم بها إيران على المستوى الإقليمي. فرغم أنها سارعت إلى إدانة محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في 7 نوفمبر الجاري، إلا أن ذلك لا يقلص من حدة الاتهامات التي وجهت لها بالمسئولية عن ذلك، أو على الأقل السماح للمليشيات الموالية لها بالوصول إلى هذه الدرجة من التصعيد داخل العراق، رداً على النتائج التي حققتها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 10 أكتوبر الفائت. ويتوازى ذلك مع تزايد قلق طهران من التحركات الدولية والإقليمية في سوريا، والتي ترى أن تقليص وجودها يمثل أحد أهم أهدافها، على نحو دفعها في الفترة الأخيرة إلى تعزيز حضورها على الأرض من خلال التوسع في عمليات شراء العقارات والأراضي الزراعية على نحو بات يثير استياء حتى القوى الحليفة لها.

خطوات استفزازية

في النهاية، ربما لا تكتفي إيران بإجراء هذه المناورات العسكرية في جنوب شرق البلاد، وإنما قد تتوازى معها خطوات استفزازية أخرى، من أجل توجيه رسائل إلى القوى المعنية بأزمات المنطقة، تفيد بأنها غير معنية بإجراء تغيير رئيسي في سياستها الخارجية، حتى لو نجحت المفاوضات التي سوف تستأنف في فيينا في 29 نوفمبر الحالي.